نحن جزء من إفريقيا السمراء ثان أكبر قارة فى العالم بعد أسيا، من حيث تعداد السكان ففيها يعيش 950 مليون نسمة يمثلون 14.2% من سكان العالم، و مساحتها تقدر بـ 30.2 مليون كم2 تمثل 6% من مساحة الكرة الأرضية و 20.4% من إجمالي مساحة يابس المعمورة، و هى تعادل ثلاث أضعاف مساحة أوربا التى استعمرتها ردحا من الزمن, و تمتد أفريقيا طولا قرابة 8 آلاف كم من أقصى الشمال إلى الجنوب، و أقصى عرض لها يبلغ 7.4 آلاف كم، تضم 53 دولة و 7 مناطق مازالت تنتمى لأوربا. و هى تحوي جميع معالم الجغرافيا من السهول والوديان إلي الهضاب والجبال, ومن الصحراوات القاحلة إلي الأراضي الفيضية والغابات الكثيفة, وتمتد الحياة البرية علي أراضيها لتضم أكثر من نصف ثروات الأرض من الأنواع النباتية والحيوانية, وهي غنية بكل أنواع الثروات, ففى باطنها أكبر مناجم الذهب و الماس فى العالم و بها أربع أنهار عظمى يتربع النيل فى مقدمتها فى الشمال فنهر الكنغو فى الوسط و نهر النيجر فى الغرب و نهر زمبيزى فى الجنوب. ومع كل ذلك يظل سكانها هم الأكثر فقرا في العالم, ويواجهون كل آثاره التي ذهبت بثرواتها من البشر والموارد الطبيعية, واستنزفتها القوي الاستعمارية طويلا وتركتها تعاني وحدها آثار الفقر وشح الموارد بما فعلته وبما جنته الحروب والصراعات بين القبائل والشعوب الإفريقية نفسها، فلم تعرف أفريقيا استقرارا تاما إلى يومنا هذا. و من اللائق ألا ننسى ما يدور فى دارفور و العنف الحاصل فى الكونغو و اضطرابات كوت ديفوار و زيمبابوي و المجاعات المخيفة فى النيجر و زامبيا، كذا هناك تسعة ملايين أفريقى فى جنوب القارة يعانون المجاعة، كما يحذر برنامج الغذاء العالمى من وقوع كارثة بشرية فى شرق أفريقا يصعب تخيلها أو حتى احتمالها و ذلك بسب قلة سقوط الأمطار و الجفاف القادم. ناهينا عن الحروب الأهلية التى تعود لتدق أبواب تشاد و النيجر و مالى و الصومال، كذا التربص على حدود أثيوبيا و جيبوتى و جارتهما العتيدة إريتريا و اللاجئون فى الصومال و إريتريا و تشاد و الكنغو و دول حوض النيل عامة. و علينا ألا نغفل بأن هناك قرابة 24 مليون أفريقي مصاب بالإيدز (من بينهم 5.5 مليون فى دولة واحدة هى جنوب أفريقيا) و الكوليرا تتفشى فى السنغال و غينيا بيساو و مازالت الملاريا تحصد سنويا قرابة المليون أفريقى بل و تتسبب فى إصابة 300 مليون بأمراض أخرى تصبح الحياة معها شاقة. بل عادت تجارة العبيد تطل بوجهها القبيح مرة أخرى حيث أعلنت اليونسكو منذ أشهر عما تم فى نيجيريا من بيع ستة آلاف طفل من دولة بنين بسعر عشرون دولارا للطفل. هناك أيضا خمسون مليون طفل أفريقى لم يتمكنوا من اللحاق بالتعليم.
لذا كان اهتمام مصر بأفريقيا ضروريا، ففى عصرنا الحديث و مع بداية ثورة يوليو 52 كان اهتمامنا بأفريقيا عاليا و كانت تأثيرات تلك الثورة كشرارة النار لثورات التحرر فى كافة بقاع القارة بل ذهب أبنائنا للقتال فى تلك الدول كالكنغو مثلا. أما اليوم نحن فى مصر لا نعرف كثيرا عن إفريقيا و مشاكلها و حتى تلك المشاكل تكاد تكون هامشيه فى مجرى حياتنا، و لعل البعض منا يعرف عن الدانمرك أكثر ما يعرف عن أوغندا التى يأتينا منها أكسير الحياة. و إن سألت غالبية شباب اليوم عن أفريقيا فلن تتجاوز معلوماته أسماء فرق و لاعبى كرة القدم و ربما يجهل من أين يأتى النيل. و خلال تواجدى فى المؤتمرات العلمية الأفريقية يكون عدد المشاركون من علماء مصر يعد على أصابع اليد الواحدة و هذا أيضا حال كل دول الشمال الأفريقى. لذا علينا جميعا أن ندعو للاهتمام بالعمق الأفريقى و مشاكل أفريقيا و ما ينعكس علينا من تلك المشاكل.
و خيرًا فعلت جامعة المنيا بتنظيمها و استضافتها للمؤتمر العلمى الثامن للجمعية الأفريقية لعلوم الحاصلات الزراعية ليعقد بأرض الكنانة (بالمنيا أكتوبر 2007) و هى أول مرة فى تاريخ تلك الجمعية التى ينضوى تحت لوائها مايربو على الألف عضوا من الدارسين و الباحثين و العلماء فى أفريقيا و العالم، و قد شارك فى هذا التجمع العلمى قرابة الـ 500 باحث يمثلون أكثر من 50 جنسية جلهم من دول حوض النيل، تدارسوا و تبادلوا الرؤى و التقارب بين أبناء و علماء القارة فيما يعود على أفريقيا بالخير من زيادة الغذاء و محاربة الجوع و الفقر و المرض. و لعلها كانت فرصه طيبة لكى تقترب مصر من إفريقيا و أفريقيا من مصر و يتحاور العلماء الذين يخططون لمستقبل الزراعة و المياه فى بلدانهم. و فى أيامنا هذه بدأت الصحوة تعود بقوة بعد غفوة ظلت قرابة الثلاث عقود، فهاهي مصر تتولي رئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي منذ مارس الماضي 2008 و هو الجهاز المنوط به تعزيز السلم والأمن والاستقرار في القارة, و من أجل ضمان وحماية وحفظ حياة وممتلكات ورفاهية الشعوب الإفريقية وبيئتها، و أكثر من هذا فإن لدي مصر طفرة من الهيئات والمجالس والاتحادات المعنية بالشئون الإفريقية, و التى ربما تحتاج إلي مجلس أعلي للشئون الإفريقية يقود سياسة مصر في هذه المرحلة بالتنسيق والتعاون والتكامل. ولقد كان عقد القمة الإفريقية الحادية عشرة في شرم الشيخ (30 يونيوـ أول يوليو 2008) بحجم المشاركة وموضوعات الحوار, علامة فارقة في مسيرة الهم الإفريقي المشترك. فالقمة الأخيرة هي الأكبر من نوعها في قمم الاتحاد, و هنا يكمن دور المحروسة بعمق خبراتها و عبقرية موقعها و قدم تاريخها و وسطيتها المحببة و خبرات أبنائها. و لعل زيارة رئيس الجمهورية لكل من جنوب أفريقيا و أوغندا مع نهاية يوليو 2008 لهى خطوة على الطريق الصحيح لمساعدة أفريقا و تأمين الحياة فى مصر
ساحة النقاش