الإسلام في إفريقيا .. منطلقات و قيم |
إن قصة دخول الإسلام وانتشاره في القارة الإفريقية من أقصى شمالها (مصر الكنانة) إلى أقصى جنوبها (جنوب إفريقيا)، وتغلغله شرقا وغربا، لجديرة بالدراسة والتمعن وأخذ العبر والعظات، فإفريقيا السمراء ثاني أكبر قارة في العالم بعد آسيا من حيث تعداد السكان، ففيها يعيش اليوم 950 مليون نسمة يمثلون 14.2 في المائة من سكان العالم، ومساحتها تقدر بـ 30.2 مليون كم2 تمثل 6 في المائة من مساحة الكرة الأرضية و20.4 في المائة من إجمالي مساحة يابس المعمورة، وهي تعادل ثلاثة أضعاف مساحة أوروبا، وتمتد إفريقيا طولا قرابة 8 آلاف كم، وعرضا 7.4 آلاف كم، تضم 53 دولة، وتحوي جميع معالم الجغرافيا من السهول والوديان إلى الهضاب والجبال، ومن الصحراوات القاحلة إلى الأراضي الفيضية والغابات الكثيفة، فكيف انتشر الإسلام في هذه المساحات الشاسعة، ومازال يشكل أكثر الديانات انتشارا، ليس في إفريقيا فحسب، بل في جميع أركان المعمورة، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م؟ وصدق الحق حين يقول {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوكَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُو الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(التوبة- 32،33)، وتذكر أصح الإحصاءات، أن المسلمين يشكلون قرابة 45 في المائة من سكان القارة، وتمثل نيجيريا أكبر دولة مسلمة فيها بملايينها الـ133، وبتطبيق حكم الشريعة الإسلامية في بعض ولاياتها. نور الإسلام يشرق في الشرق والشمال أولا
ولكن الدخول الحقيقي للإسلام في إفريقيا بدأ من كنانة الله في أرضه، حيث استقبلت مصر المحروسة عام 20 هـ (641م) العرب المسلمين في عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وكانت مصر بعد أن انتشر فيها الإسلام قاعدة الفتح لإفريقيا الشمالية، وأما بلاد المغرب العربي فبدأ فتحها في عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وذلك سنة 27هـ (648م) على يد عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وتبعه الأمويون حتى وصل عقبة بن نافع لأقصى الغرب وغمس سيقان حصانه في مياه الأطلسي، حيث كَمل انتشار الإسلام بشمال إفريقيا جميعها في القرن الأول الهجري (السابع الميلادي) وبلغ منها إسبانيا وقتها.
وتجدر الإشارة إلى أن التجار المسلمين قد قاموا بدور بارز في نشر الإسلام في إفريقيا السوداء على العموم، فقد كانت الطرق التجارية الموصلة بين المراكز الإسلامية في شمال القارة والبلاد الواقعة فيما وراء الصحراء هي المسالك الحقيقية التي تسرب الإسلام عبرها إلى قلب إفريقيا، وكذا الأمر بالنسبة للطرق التجارية على طول ساحل المحيط الأطلسي، فقد قامت هذه الطرق بدور جليل الشأن في نشر الإسلام في بلاد السنغال وأعالي النيجر ومنطقة بحيرة تشاد، كذلك كان شأن الطرق التجارية التي تصل وادي النيل ببلاد السودان وشرق إفريقيا، وصدق الرسول الكريم حين قال «التاجر الأمين الصادق المسلم مع الشهداء يوم القيامة» (رواه الترمذي).
ويذكر التاريخ بدهشة رحلة الحج لإمبراطورها مانسا موسى (أعظم زعماء إمبراطورية مالي، ومن أشهر زعماء إفريقيا والإسلام في القرون الوسطى) فقد حج لمكة عام 632هـ (1324م) عبر القاهرة، واستقبله المماليك في القاهرة بحفاوة بالغة، وقد انخفض سعر الذهب بالعالم إثر رحلة الحج تلك لكثرة ما وزع من ذهب على طول الرحلة، ودخل اقتصاد العالم أجمع في حالة تضخم سريع (ارتفاع أسعار) لعشرين سنة تالية بسبب ذهب تلك الرحلة، وفي هذه السنة أصبحت العاصمة تمبكتو على شمال غرب نهر النيجر مركزا لتجارة الذهب وتعليم الإسلام، وفي أواخر القرن الثامن الهجري (الـ14م) استقلت الأقاليم الخارجية، ومن جنوب منحنى نهر النيجر هاجمت قبائل موسي (Mossi) قلب الإمبراطورية، واستولى الطوارق، وهم بدو جنوب الصحراء الكبرى، على تمبكتو العاصمة، وقامت إمبراطورية سونجهاي في الجانب الشرقي لمنحنى نهر النيجر، وعاصمتها جاو وكانت تمتد من ساحل المحيط الأطلنطي حتى وسط النيجر، وفي أواخر القرن العاشر الهجري (الـ16م) عانت الإمبراطورية من الصراعات والنزاعات مما أضعف السلطة المركزية حيث نشأت دول بالشرق عدة كبورنو ودول مدن الهوسا وسلطنة الطوارق، واستولت عليها مراكش عام 1000هـ (1591 م).
أما وصول الإسلام إلى دولة اتحاد جنوب إفريقيا، فهو قصة تجسد استعباد الاستعمار الأوروبي للشعوب فعندما أخذ الهولنديون يفرضون سيطرتهم على جزر اندونيسيا، وشبه جزيرة الملايو قاوم المسلمون في هذه المناطق الاحتلال، مما دفع المستعمر إلى نفي قادة الثورة إلى جنوب إفريقيا في عام 1062هـ (1652م)، وكان من بينهم الشيخ يوسف، شقيق ملك جاوا وزعيم المقاومة ضد الاحتلال الهولندي، وجاء ومعه 49 من الثوار المسلمين كسجناء، هكذا كان أول قدوم للإسلام إلى جنوب إفريقيا حيث بدأت الدعوة، كما استقدم البريطانيون (المستعمرون أيضا) العمال من شبه القارة الهندية في أواخر القرن الـ 19 وأوائل القرن العشرين للعمل بزراعة قصب السكر، وكان بين العمال عدد كبير من المسلمين، وبعد استقرار الجالية المسلمة بالبلاد قام المسلمون بنشر الدعوة الإسلامية بين الجماعات المستضعفة التي تعاني من التفرقة العنصرية، ثم أخذ الإسلام ينتشر بين المواطنين الأفارقة، وهكذا غزا الإسلام أقوى قلاع التفرقة العنصرية، واليوم يشكل المسلمون هناك 1.5 في المائة من سكان الدولة البالغ تعدادها 44 مليونا، واليوم يشكل المسلمون غالبية السكان في 29 دولة إفريقية (من إجمالي 53 دولة) ويتمركزون في شمال وغرب القارة، وهم أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، هذا على الرغم من محاولات المستعمر الأوروبي للقارة تغيير ديانات شعوبها بعمليات التنصير المستمرة التي لم تنجح في تغيير معتنقي الدين الإسلامي، مقارنة بالديانات والمعتقدات الأخرى، وهذا حسب شهاداتهم الموثقة. |
المصدر: نشر هذا المقال فى مجلة الوعي الإسلامي (إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، دولة الكويت) العدد رقم 522 – تاريخ العدد 4 فبراير 2009م، الصفحات 70-71.
نشرت فى 5 مارس 2009
بواسطة KasemZakiAhmed
الأستاذ الدكتور قاسم زكى أحمد حامد Kasem Zaki Ahmed
تعريف مختصر بالدكتور/ قاسم زكى أحمد أستاذ الوراثة المتفرغ ورئيس اللجنة المصرية الوطنية للعلوم الوراثية، والوكيل الأسبق لكلية الزراعة - جامعة المنيا- المنيا- مصر)، (والرئيس الأسبق للجمعية الأفريقية لعلوم الحاصلات الزراعية، وعضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين، وعضو اتحاد كتاب مصر) • مواليد 8 أغسطس 1958م بمحافظة أسوان- جمهورية مصر العربية، »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
276,079
ساحة النقاش