خيوط الفجر:
بين الوهم واليقظة:
في أول وهلة من إنبثاق الفجر،
حين تتلون السماء بخيوط خجولة من نور،
تتوقف الأشياء عن ادعاء العتمة،
ويبدأ العقل، على إستحياء،
بطرح الأسئلة التي أخرها المساء.
ليس الفجر ضوءا فحسب،
بل لحظة إنكشاف،
حيث لا مكان للزيف،
وحيث يجبر الإنسان على مواجهة مرآته الداخلية
تلك التي لا تجامل،
ولا تتجمل.
الفجر لا ينادي العيون لتفتح،
بل ينادي العقول لتصحو،
والقلوب لتتذكر:
أن الزمن لا ينتظر أحدا،
وأن في كل بداية نذرا،
إما أن تكمل الطريق أو ترجع غافلا.
كم من شخص ينظر للفجر
كروتين بيولوجي
ونسي أن فيه درسا كونيا يعاد كل يوم
أن الظلام لا يخلد
وأن النور لا يأتي صاخبا
بل زاحفا، هادئا، حاسما.
خيوط الفجر هي منطق الوجود في أدق حالاته
حين يتشابك اليأس بالأمل
والحيرة بالثقة
والبحث بالسكينة
وفي ذلك الأمتزاج العجيب
يولد شيء في الداخل
ليس يقينا، بل توقا
للفهم، للتجاوز، للتطهر من الكسل الذهني.
الفجر ليس وعدا ساذجا بالسعادة
بل سؤال متكرر
هل ستصحو من غفلتك
هل ستنهض من ثقل العادة
هل ستعيد صياغة نفسك كما يعاد تشكيل الضوء في الأفق
هو لحظة تهمس فيها الحياة:
أنا لا أمنح للغافلين
ومن فهم الفجر
عرف أن كل نور يبدأ من الداخل
خيوط الفجر لا تطرق الأبواب،
بل تنسل برفق،
لتعلمنا أن البدايات لا تحتاج صخبا
بل يقينا بأن بعد العتمة نور يولد بصمت، ويكبر بالأمل.
محمدنورالدين 🖊