حسن حجازي

شعر.. قصة .. ترجمة أدبية هادفة

 

 

 

 

كوز البطاطا / حسن حجازى

فى أحد أيام الشتاء , عاد صاحبنا من حقله مبكراً على غير العادة وبسرعة دخل بيته المتواضع المبنى من الطين اللبن والذى يتكون
من غرفتين الأولى للمعيشة والنوم فى نفس الوقت وبها فرن للخبيز
ومبنى على الفرن مصطبة ينام فوقها صاحبنا وزوجته وأولاده
منها سرير ومنها فرن يُحمى بالحطب والقش أيام الشتاء وهو ما يسمى
بالبحراية , والغرفة الأخرى تستخدم كحظيرة للحمارة الوحيدة والبقرة اليتيمة التى شح لبنها من زمن بعيد التى لاتكاد تجر الساقية لتروى أرضه المتواضعة التى لا تكاد تتعدى الست قراريط , على عكس زوجة صاحبنا الولود التى لا تكاد تستريح من الحمل ويزيد جمالها عاماً بعد عام !
دخل صاحبنا بيته بسرعة وطلب منها إعداد عشاء يليق بشريكه الجديد فى الأرض التى تزيد عن الفدان وفحلة عشار وحمار لسه بخيره !
فقامت الزوجة الجميلة بإرسال إبنها لشراء ما تيسر من الفاكهة
وذبحت ذكر البط اليتيم وأوقدت الكانون وشرعت فى تجهيز
الوليمة الدسمة التى لا تقام إلا فى الأعياد والمواسم !
عاد صاحبنا بعد صلاة العشاء ومعه ضيفه الكريم بعد أن قاما سوياً بإبرام العقد عند كاتب المحامى وأخذ قيمة الفحلة التى نويا شرائها من السوق بعد باكر والتى اشترط الضيف أن تكون الفحلة بكرية !
تناول الجميع العشاء وبعده علَت الضحكات والحكايات والقفشات ودار الشاى على الحضور والفاكهة التى تزور البيت بين حين ٍ وحين !
مر الوقت بسرعة ونهض الضيف ومعه صاحبنا لتوصيله لأول الطريق وفجأة كشر الشتاء عن أنيابه وفتحت السماء أبوابها لتغرق الأرض وتقطع الطرق ويطل البرد بوجه التى لم تعرفه القرية من قبل 0 استحال على الضيف الذهاب لبلدته التى تبعد قليلا ً واضطرا معاً للعودة بسرعة لبيت صاحبنا الذى احتار أين سينام ضيفه !
فَرَشَ صاحبنا ما تيسر لمنام ضيفه أشعل له الشالية التى نشرت الدفء
ووضع له البراد على النار وعمل بعض الشاى ولما تاخر الوقت استأذن
ضيفه وتركه ليأخذ حقه من النوم 0 توجه صاحبنا للنوم مع أولاده فى غرفة البحراية التى لا تكاد تنفصلها عن صالة البيت إلا ستارة بالية من ثوب قديم !
دخل الزوج غرفة البحراية التى كانت عبارة عن فرن بلدى مصنوع من الطوب اللبن ومبنى عليه ما يشبه المصطبة مفروشة بالحصير ومفروش عليها بطانية من الصوف الأسود ومرتبة محشوة من بقايا قماش قديم, عندما يحل الشتاء ويشتد البرد يُحمى الفرن بالحطب وقش الأرز وبالتأكيد ليس هناك حاجة لغطاء طالما أنت نائم فى غرفة الفرن !
لم يكن هناك سوى بصيص من ضياء يأتى من صالة البيت لمصباح الكيروسين التى يتراقص شعاعه على الستارة القديمة والتى هرب شعاع منها على جسد زوجته الشبه عارى والتى لا يدرى لماذا زاد جمالها هذه الليلة فى نظره أكثر وطال عليه الليل يغالب النوم بلا جدوى , فقام ونظر من خلف الستارة على الضيف فوجده غارقاً فى سبات ٍ عميق وانتقل ببصره على أولاده الذين راحوا فى أحلام سعيدة وأحس صاحبنا بالبرد فاقترب من زوجته وأيقظها برفق وقال لها بصوت خافت :
- اصحى يا ولية ! عايزين نشوى كوز بطاطا !
- أعقل يا راجل عندنا ضيوف !
- كله نايم ودكر البط كابس على نفسى والعشوة الدسمة خلت جسمى قايد نار !
- أعقل يا راجل !

مضت ساعة ثم اقترب الزوج مرة ثانية من زوجته وقال :
- ما تيجى نشوى كمان كوز بطاطا !
- أعقل يا راجل !

نهض صاحبنا مبكراً وأيقظ ضيفه وتناولا طعام الأفطار
وأشرقت الشمس لتغازل بأشعتها قطرات المطر التى ظلت متشبسة بأوراق الشجر الأخضر كحبات اللؤلؤ النفيس الذى يغازل زهور البرسيم الجميلة .
توجه صاحبنا ليوصل ضيفه لأول الطريق ولكن حدثت مفاجأة فقد أعطى الضيف صاحبنا ثمن جاموسة اخرى ليشترى جاموسة بالأضافة للفحلة التى أتفقا عليها وطلب من صاحبنا أن يزرع قيراط أو أثنين بطاطا فتعجب صاحبنا وسأل :
- ليه بطاطا بالذات ؟!
فرد الضيف وهو يبتسم :
-لأنى أموت فى البطاطا المشوية !
أنصرف الضيف وعلى وجهه ابتسامة عريضة !
عاد صاحبنا لبيتهِ مسرعا ً وسأل الزوجة وفى صوته نبرة شك وتردد :
- أمبارح ؟ إحنا شوينا كام كوز بطاطا ؟!
فردت عليه فى دلال :
- وانا فاكرة يا راجل ! ما أنت َ اللى بتعد !

ركب صاحبنا حمارته واتجه لحقله وهو يفكر فى البطاطا المشوية
وغرق فى افكاره أيكمل الشركة ويذهب باكر للسوق وهل سيزرع
البطاطا أم لا ؟!

 

المصدر: من تجاربي القصصية المنشورة ورقيا والكترونيا
  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 298 مشاهدة
نشرت فى 9 يوليو 2011 بواسطة Hassanhegazy

ساحة النقاش

حسن حجازي حسن

Hassanhegazy
حسن حجازي شاعر ومترجم مصري »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

84,938