تزخر مصر بالعديد من العقول النابغة في شتي مجالات البحث العلمي، غير أن تلك العقول بحاجة للمزيد من الدعم والاهتمام حتي تخرج أبحاثها للنور، ويتم الاستفادة منها علي أرض الواقع، الأمثلة في هذا الصدد كثيرة ومتعددة، ومن بينها الدكتورة سحر سعد الدين، أستاذ البيوتكنولوجي والوراثة الجزيئية بالمركز القومي للبحوث العلمية.
اختارت الدكتورة سحر بعد تخرجها من كلية الطب البيطري بجامعة القاهرة، وحصولها علي درجة الماجستير أن تكون رسالة الدكتوراه الخاصة بها في مجال فريد من نوعه يتعلق باستخدام التكنولوجيا الحيوية في قطاع الثروة الحيوانية، وبعد الانتهاء من رسالة الدكتوراه، قامت باستكمال مسيرة الأبحاث العلمية في مجال تحصينات اللقاحات البيطرية لتنجح في ابتكار لقاح جديد يواجه أخطر الأمراض الوبائية التي تفتك بالثروة الحيوانية.
- حدثينا عن مجال البيوتكنولوجي والوراثة الجزيئية؟
هو مجال يتعلق بدراسة الخلية، فمن المعلوم أن أكثر ما يؤثر علي وظيفة الخلايا وتركيبها هو الحمض النووي "DNA" وهو ما انصبت دراستي حوله، وحول تركيب الجينات التي يمكن الاستفادة منها في مجال الإنتاج في الثروة الحيوانية، إضافة إلي مجال الوقاية من الأمراض عبر متابعة تطور الجينات الخاصة بالكائنات الضارة مثل الفيروسات والبكتريا.
- ما هو مرض التسمم الدموي البكتيري؟ وما تأثيره علي الثروة الحيوانية؟
التسمم الدموي البكتيري هو ناتج عن بكتريا تسمي "البستريلا مولتوسيدا" وهو مرض يتسبب في نسبة نفوق عالية في حيوانات المزرعة وكذلك الطيور والأرانب حيث يصيب الجهاز التنفسي وبعد ذلك تظهر أعراضه المتمثلة في ارتفاع درجة الحرارة وصعوبة في التنفس ثم وجود ارتشاحات دموية تنتهي بالنفوق، وإذا ما تمت الإصابة به علي نحو أقل وطأة فأنه يتسبب في ضعف إنتاجية اللحوم والألبان.
- كيف تمكنت من ابتكار اللقاح الجديد المقاوم للمرض؟ ومتي تم البدء فيه؟
تم بدء العمل علي اللقاح الجديد منذ ما يقرب من خمس سنوات عن طريق استخدام الجين المتسبب في مرض التسمم الدموي البكتيري، وهو ثمرة مشروعي البحثي الذي يتعلق بدراسة الخلية علي المستوي الجزيئي والاستفادة من ذلك في مقاومة المرض عن طريق وضع تشخيص دقيق له ومعرفة خواصه ثم التحكم به ومنع انتشاره عبر تقوية مناعة جسم الكائن الحي باستخدام تقنيات حديثة خاصة بالحمض النووي، وقد تم تمويل المشروع البحثي من خلال صندوق العلوم والتكنولوجيا التابع لوزارة البحث العلمي.
- وكيف كانت النتائج حتي الآن؟
اللقاح الجديد تم اختباره عن طريق قياس مدي تأثيره علي الخلايا وقد ثبت أنه لايؤثرعلي انقسامها أو الشكل المظهري لها، أي أنه غير سام، وعند تجربته علي الحيوانات بصورة مباشرة تم تقييمه من خلال عدة عوامل منها قياس معدل النمو حيث كانت النتائج أكثر من رائعة، فبجانب أنه ساهم في رفع نسبة المناعة، فأنه ساهم أيضا في رفع نسبة الأداء العام للحيوان بصورة عالية.
- هل يتلافي اللقاح الجديد الآثار السلبية للقاحات العادية التي تتسبب في نفوق نسبة تتراوح بين 5 لـ 20٪ من الماشية؟
اللقاحات البيطرية التقليدية تعتمد علي حقن الميكروب في الخلايا بطريقة تجعله يصبح غير قادر علي إحداث المرض ولكنه يقوم بتحفيز جهاز المناعة لإنتاج الأجسام المضادة، وهذه اللقاحات لها أعراض جانبية خطيرة فهناك احتمالية لنشاط الميكروب داخل الجسم بدلاً من رفع كفاءة الجهاز المناعي، كما أن اللقاحات التي تمت معالجتها بالحرارة أو الكيماويات لها رد فعل يتمثل في ضعف الحيوان عند بداية الحقن ونقص وزنه بصورة كبيرة علاوة علي إمكانية التسبب بإصابته بأمراض أخري ما يتسبب في رفع نسبة النفوق، ولكن عند استخدام اللقاح الجديد الذي يعتمد علي تقنية الحمض النووي نجد أن معدل النفوق يساوي صفرا، كما أن الحيوانات المحصنة به أظهرت تحسنا في الوظائف البيولوجية ومنها زيادة معدلات النمو وارتفاع الوزن وهذا يترجم في النهاية إلي عوائد اقتصادية مثمرة.
- هل خضع إنتاج اللقاح الجديد لكافة الفحوصات اللازمة للتأكد من سلامته؟
تم فحص اللقاح معملياً وأيضا تم اختباره من خلال ما يعرف بالتعبير الجيني حيث ثبت عدم وجود أي أضرار لخلايا الحيوانات التي تم تحصينها به.
- ما مدي إمكانية استخدام العقار الجديد في مكافحة مرض كوليرا الطيور؟
اللقاح يوفر مناعة عالية للدواجن ضد الإصابة بمرض كوليرا الطيور، حيث يتم حقن الطائر بجرعة اللقاح في عمر شهرين، بخلاف طريقة التحصين في مرض التسمم الدموي البكتيري للأغنام والماعز حيث يتم التعامل معها من سن أربعة أشهر، أما الأرانب فيتم تحصينها في سن ثمانية أسابيع.
- هل حاولت التواصل مع أي جهة للتوسع في إنتاج اللقاح؟
لايوجد شركات متخصصة في الاستثمار في مجال إنتاج اللقاح البيطري سوي شركة واحدة وقد قمت بالتواصل مع المسؤولين بها لكي يكون هناك مجال للتعاون بيننا مستقبلاً وهم أبدوا تفهما كبيراً في هذا الصدد.
- العالم يتجه حالياً لإنتاج الجيل الثالث من اللقاحات البيطرية فأين مصر من هذا المجال؟
نحن بدأنا في الدخول بقوة في هذا القطاع وحققنا فيه نتائج جيدة وعلي رأسها ابتكار اللقاح الجديد الذي يعد ذا تركيب جيني فريد تماماً، ونحن نعمل علي نوع آخر من اللقاحات الخاصة بمقاومة مرض طاعون المجترات الصغيرة (الماعز والأغنام) وقد تم الانتهاء من التحضير المعملي له بنجاح وننتظر اختباره علي الحيوانات بصورة مباشرة .
- برأيك كيف يمكن ربط مجال البحث العلمي بقطاع التصنيع والإنتاج؟
يمكن ذلك من خلال هيئة تتبني القيام التسويق لهذه الأبحاث والترويج لها بصورة صحيحة، فعندما يتم تقديم منتج جديد قد يكون هناك بعض المخاوف في البداية من استخدامه وعدم تحقيقه النتائج المرجوة بنسبة 100٪، وهذه عملية تحتاج إلي بناء الثقة في البداية، وسعي دؤوب من أجل النجاح.