د. عصام عبد الشافي
ممثلو الدفاع هم تلك التيارات أو القوى أو الجماعات أو الكيانات أو حتى الأفراد، التي تتولي غالباً (لن أقول دائماً، ولن أقول ضرورة) عبء الدفاع عن القضايا الكبرى والأحداث الفاصلة في تاريخ الأمم والشعوب أو في تاريخ الأفراد. حيث يقوم ممثلو الدفاع بالزود عن أصحاب هذه القضايا، وعن القيم والمبادئ التي تنطلق منها أو تستند إليها هذه الأحداث. ولكن السؤال هل تضيع القضايا وتتوقف الأحداث إذا غاب ممثلو الدفاع؟
في الخامس والعشرين من يناير 2011، بدأت في مصر إرهاصات أهم حدث في تاريخها المعاصر، اتضحت معالمه في الحادي عشر من فبراير 2011، مع الإطاحة بالرئيس السابق محمد حسني مبارك، بعد هيمنة فاسدة على مقدرات الدولة والمجتمع لنحو ثلاثين عاماً، هذا الحدث الذي اكتسب مسمي "ثورة 25 يناير"، انبري للدفاع عنه الملايين في الميادين، ومئات الآلاف الذين اندمجوا في أحزاب وتيارات وجماعات وحركات، اتخذت من هذا المسمي منطلقاً لها، إما عن إيمان حقيقي بأهمية الثورة، وإما سعياً نحو القفز عليها والاستفادة من تداعياتها، حتى لو كانت هذه الاستفادة على حساب حاضر الوطن ومستقبله.
ومع تصدع الكثير من جبهات ممثلي الدفاع، كانت النتيجة الطبيعية هي نجاح قوى الثورة المضادة في الالتفاف على ثورة يناير، عبر فخ أُطلق عليه عبثاً "ثورة 30 يونيو"، واكتمل المخطط بالانقلاب العسكرى الذي شهدته مصر في 3 يوليو 2013.
وبين فخ يونيو وانقلاب يوليو، ومحاولة لإنقاذ ثورة يناير من كل من يريد تدميرها وتشويهها والنيل من مكتسباتها، ظهرت بعض التكتلات والتحالفات السياسية والاجتماعية للدفاع عن ثورة يناير، فظهر، مثالاً لا حصراً، تحالف دعم الشرعية، طلاب ضد الانقلاب، أزهريون ضد الانقلاب، صحفيون ضد الانقلاب، علماء ضد الانقلاب، أحرار، .. وغيرها الكثير. ليشكلوا معاً "ممثلي الدفاع" الجدد عن ثورة يناير.
إلا أنه بين الحين والآخر يتساقط البعض من هؤلاء الممثلين، إما أمام بطش السلطة الانقلابية وآلتها القمعية الأمنية والعسكرية، وإما خوفاً من حملات التشويه والتنكيل التي تمارسها الآلة الإعلامية الانقلابية، وإما خوفاً من متاهة الأحكام والقضايا التي تتفنن في إخراجها الذراع القضائية للانقلاب العسكري، وإما طمعاً في بعض المكاسب المادية أو المعنوية التي يمكن أن يتكرم بها قادة الانقلاب ومؤيدوه على هؤلاء المتساقطين، وإما اعترافاً من جانب بعض هؤلاء الممثلين بالعجز والفشل على مواجهة سياسات الانقلاب وممارساته، وأنه لم يعد في الإمكان أبدع مما كان.
وهنا يصبح السؤال: هلى سقوط ممثلي الدفاع يعني ضياع القضية؟ هل تراجع بعضهم، يعني نهاية الثورة؟
مهما سقطت التحالفات، مهما تراجع المدافعون، مهما تخاذل المحبطون، لن تسقط الثورة، الثورة لم تكن ذات قيادة تحركها .. الثورة لم تكن نتاج تيار أو حزب .. الثورة لم تكن إرادة فريق على حساب آخر .. الثورة لم ولن تكن ملكاً لأحد مهما كان وزنه أو تأثيره، ولن يحميها تيار واحد مهما كانت قدراته أو إمكاناته.
الثورة حلم أمة .. أمل جيل .. الثورة أيقونة رغبة جامحة في التغيير زلزلت أركان الملايين وحركت فيهم السواكن، التي لا تستطيع أية قوة داخلية أو خارجية إيقافها أو النيل من جذوتها.
الثورة التي ترسخت في القلوب والعقول .. وسقط من أجلها آلاف الشهداء، لن تقف عند متخاذلين متساقطين، ولن تتنظر "ممثلين" يتغنون بالدفاع عن الثورة وعن قيمها، وما هم إلا متاجرين بها وبما قامت من أجله.
لن تكون ثورة يناير معبراً للمتسلقين عليها ولا مغنماً للمتاجرين بها، ولن يترك حماتها الحقيقيون من لا يستحقون ينالون شرف الدفاع عنها، مفجروا الثورة وحماتها سيدافعون عن ثورتهم، حتى لو لم يبق على الطريق أحد سواهم، دماء شهدائنا؛ نور يهدينا .. أرواحهم الطاهرة، تُقوي عزائمنا، دماؤهم الذكية؛ نبراس طريقنا ..
إن طريق الحرية والكرامة لا مكان فيه لمتخاذل أو متراجع .. طريق الحرية والكرامة لا يسلكله إلا المخلصون الشرفاء، الذين ما خرجوا إلا من أجل عزة وطنهم وكرامة أمتهم، وإنَّا على دربهم، بمشيئة الله، سائرون، لم نخرج دفاعاً عن تيار أو حزب .. لم يخرجوا دفاعاً عن مصالح ضيقة أو مكاسب ذاتية، فقط خرجوا لنصرة ديننا وعزة وطننا .. هذا عهدهم وهذا عهدنا بهم، فكونوا أوفياء للعهد.
ساحة النقاش