عفوا أيها النظام الفاسد !!
د. عصام عبد الشافي
عفوا يا كل المنظرين والمحللين، يا كل السياسيين والإعلاميين، يا كل الشرفاء والمهللين، لن أستطيع بعد اليوم رؤية نفس وجوه الفساد التى ألفتها ثلاثين عاماً، لن أستطيع العيش كما كنت قبل الخامس والعشرين من يناير الماضي، لن أستطيع أن أسير في شوارع هذا الوطن وعلى ترابه وزمرة الفساد ما زالت تتنفس من هوائه وتنعم في خيراته.
لن أستطيع الحياة وسط هذه المخلوقات التى تدنت لمستوي أقل من الحيوانات، فى تعاملها مع الوطن وأبنائه ومقدراته وأمنه واستقراره، مع شديد الاعتذار لحضراتكم أولاً على هذا اللفظ، وللحيوانات على هذه المقارنة الظالمة لها.
لن أستطيع الحياة وسط هؤلاء الذين أحالوا حياتنا سجناً كبيراً وساحة للإجرام وانتهاك الأعراض والممتلكات والمقدسات والترويع ونشر الخوف والرعب على جيل كامل قبل أن يولد.
إذا كان جيل الخامس والعشرين من يناير، شباب واع قاد المبادرة ورفع راية الحرية لمصر وشعبها، فكل الأجيال القادمة لن تفرط في مقدراتها وكرامتها بعد أن عاشت تلك الأيام الخالدة، والصمود العظيم، فى مواجهة قوى الجبروت والطغيان، في مواجهة الحزب الحاكم وزمرته الفاسدة، في مواجهة من يدعي أنه ليس راغب سلطة ولا جاه، وكأننا من شعب آخر ولا من كوكب آخر، لم نعش مطحونين مقهورين في ظلال حكمه الرشيد لمدة ثلاثين عاماً، وكان يسعي بكل ما أوتي من قوة وتكبر وعناد وجبروت وفساد أن ينقلها لخلفه، ظناً منه أن الشعب اعتاد السكون وأن صحاف حزبه، أو للأسف على الكلمة ـ الأمين العام لحزبه ـ الصحاف الجديد يهلل له، هو وزمرة الفساد من العاملين في وسائل الإعلام الحكومية، غير الشريفة، غير النزيهة، التى دفعت الملايين من أبناء هذا الوطن إلى مزيد من كراهيتهم والسخط عليهم والرغبة في القضاء على هذا الفاسد الذى كان سبباً فى رؤيتنا لهم، بعد أن حوّل وطننا إلى سجن كبير، يعيث فيه هؤلاء فساداً.
عفوا يا كل الشرفاء .. لقد نجح هؤلاء الأقزام في الركوب على ثورتكم الطاهرة، ومارسوا سياسات الغش والتضليل لاستدراج وتعمية الطيبين الأنقياء من أبناء هذا الوطن، ولكن هيهات، أن يستمروا، هيهات أن يفوزوا، هيهات أن يحققوا أهدافهم أو يجدوا من يثق بهم ويتعاون معهم، ولتستمر الثورة ليس فقط لإسقاط هذا النظام الفاسد ورموزه الفاسدة، ولكن لمواجهة هؤلاء المنافقين الآفاقين الذين لا يهمهم وطن ولا حق ولا عرض ولا كرامة ولا حرية بل فقط، مصالحهم الشخصية ومناصبهم ومكاسبهم وليذهب الوطن وأمنه وأهله إلى الجحيم.
لتستمر ثورتكم الطاهرة، للقضاء على كل ذيول الفساد، التى خلقها الفاسد الأكبر حتى يستمر فساده، وحتى يُعمي الشعب عن جرائمه وجرائم حوارييه وأتباعه الذين سرقوا ونهبوا وزوروا وأفسدوا، وقبل أن يرحلوا إلى الجحيم، دمروا وأجرموا وقضوا على البقية الباقية من خيرات هذا الوطن.
عفوا يا قائد الفساد والإفساد، قد يكون مقبولا أن تبقي عدة شهور، تعيث فسادا، وظلماً، ولكن قبل أن يسقط هؤلاء الشهداء، قبل أن تنتهك تلك المقدسات، قبل أن يضيع أمننا وأماننا في وطننا بفعل هذه الكلاب المسعورة التى أطلقتها وزبانيتك للقضاء على ما تبقي لنا من كرامة.
عفوا يا قائد الفساد والإفساد، لا مكان لك الآن ولا لزمرتك على تراب هذا الوطن الطاهر .. لا مكان لك تحت أرضه، ولا تحت سمائه .. فهذا تراب الشرفاء .. هذه أرض الأطهار .. هذا سماء أنصار المجد والحرية والكرامة، وليس الذل والعبودية والقهر والاستعباد، الذى غرسته في نفوس الملايين ودمرت بداخلهم كل أمل في الحياة.
لكن .. هيهات هيهات .. أنت تمت أمة خير أجناد الأرض .. !!
ساحة النقاش