محمد الحمامصي من القاهرة: ظل تاريخ السينما المصرية لفترة طويلة يعتمد على الاجتهادات الشخصية لبعض معاصري السينما وتظل كتابات هؤلاء نوعاً من الانطباعات الشخصية، فقد ظهر تباين واضح في تناول الوقائع التاريخية وعمق ذلك عدم وجود مواد مسجلة يمكن الرجوع إليها في حالة التاريخ مثلما ظهر الخلاف في تحديد تاريخ أول عرض سينمائي في مصر. وهذا الكتاب "تاريخ السينما التسجيلية في مصر" للباحث ضياء مرعى، الصادر عن مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية، يؤرخ لبداية ظهور السينما التسجيلية في مصر وتطورها وتأثرها بالحقب السياسية والاجتماعية المختلفة التي تعاقبت على المجتمع المصري. يتضمن الكتاب 9 فصول ويعد الفصل الأول مدخل للدراسة ويقدم فيه الباحث استعراضاً لأهم التعريفات والآراء في الفيلم التسجيلي مع الإشارة إلى الاتجاهات والأساليب المختلفة التي تتناوله مثل الاتجاه الواقعي والرومانسي والسيمفوني وعرض أنواعه المختلفة مثل الفيلم الخيالي والفيلم الواقعي.
ويتطرق المؤلف في الفصل الثاني لنشأة وتطور السينما التسجيلية في مصر وكيفية ظهورها والمحاولات الأولى لعمل أفلام تسجيلية في مصر مثل الجرائد السينمائية ثم المشاهد السينمائية ثم بداية الأفلام التسجيلية ودور محمد بيومي الذي يعد المؤسس الحقيقي لصناعة السينما في مصر بعد عودته من النمسا ودراسته للتصوير هناك وإحضاره الآلات والمعدات الخاصة بالتصوير وافتتح بها أستوديو للإنتاج السينمائي بشبرا وعلى الرغم من أن أول تجربة لمحمد بيومي كان فيلم كوميدي إلا أن هذه التجربة فشلت بسبب وفاة ابن محمد بيومي التي تسببت أيضا في توقفه عن مباشرة نشاطه السينمائي مؤقتاً .
ويتناول الفصل الثالث فترة مهمة من فترات الفيلم التسجيلي حيث البدايات الأولى لهذه الأفلام من خلال شركة مصر للتياترو والسينما التي أسهمت في إنشاء جريدة مصر السينمائية، وبما أن هذه الفترة كانت زاخرة بالقضايا الوطنية ومحاولة إنشاء اقتصاد قومي قوى فقد أسهمت السينما التسجيلية في تغطية القضايا الوطنية مما انعكس على المسار التاريخي لحركة الفيلم التسجيلي في مصر.
فيما يعبر المؤلف في الفصل الرابع عن تطور ملحوظ للفيلم التسجيلي المصري وذلك بسبب التوسع في صناعة السينما بشكل عام من خلال إنشاء "ستوديو مصر" الذي لعب دور كبير وهام في تطور حركة السينما التسجيلية المصرية، هذا بالإضافة أنه يعد أهم مركز لصناعة السينما في الشرق الأوسط بالإضافة إلى صدور جريدة الحرب في الشرق أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد كان الجيش البريطاني يوفر الأفلام الخام اللازمة للأستوديو وذلك في مقابل أن يمنح الأستوديو التسهيلات الفنية لبعثة جريدة الحرب المصورة والتي كانت تقوم بتغطية الحرب في منطقة الشرق الأوسط وبناء على هذا كان يتم تجميع مادة الجرافيك من ميادين القتال لتحمض وتطبع بأستوديو مصر ثم تضاف إليها المؤثرات الصوتية والتعليق والذي كان يتم بـ15 لغة مختلفة من بينها اللغة العربية وواقع الأمر فقد كان ذلك النشاط الواسع للجريدة بمثابة تجربة قيمة للفنيين المصريين.
ويلخص الفصل الخامس الجهود المبذولة لإنشاء أول قسم متخصص لإنتاج الأفلام القصيرة بأستوديو مصر مع الإشارة إلى هذا الإنتاج، كما يوضح الإنتاج الذي حدث خارج أستوديو مصر مما يشكل في النهاية ملامح حركة السينما التسجيلية في هذه المرحلة، كما لوحظ أن أغلب الأفلام التسجيلية التي أنتجت في مصر قبل عام 1946 كانت معظمها تصنع من أجل مناسبات خاصة أو ظروف معينة، ومن أهم سمات هذه المرحلة إنشاء أول قسم للأفلام القصيرة بأستوديو مصر وهو قسم خصص لإنتاج الأفلام القصيرة وكان معظم إنتاج هذا القسم من الأفلام يسعى إلى إبراز أوجه التقدم الموجودة بمصر.
وانتقل الكاتب في الفصل السادس إلى تطور السينما التسجيلية خلال ثورة يوليو واعتبار المتابعين أن هذا التطور نتاج طبيعي حيث أن السينما التسجيلية كانت إحدى وسائل اتصال الثورة بالجماهير وقد انعكس هذا الاهتمام في عدة مظاهر منها الاهتمام بالجرائد السينمائية مثل جريدة مصر السينمائية وجريدة الحرية السينمائية، بجانب إنشاء العديد من الوحدات الإنتاجية التي تتولى العمل في مجال السينما التسجيلية مثل: وحدة الشئون العامة بالقوات المسلحة وإدارة السينما بمصلحة الاستعلامات ووحدة إنتاج الأفلام بالمؤتمر الإسلامي وإنشاء إدارة السينما بمصلحة الفنون، كما يوضح هذا الفصل سمات السينما التسجيلية بعد هذا التطور الذي طرأ عليها.
ويُظهر الفصل السابع موقف الفيلم التسجيلي من خلال تجربة القطاع العام السينمائي وتدخله المباشر في إنتاج الأفلام التسجيلية سواء بمباشرة إنتاجها من خلال المؤسسة المصرية العامة للسينما أو بإنشاء إدارة مستقلة لها ضمن المؤسسة لمباشرة إنتاج الفيلم التسجيلي أو بمحاولة إنشاء مركز قومي للفيلم التسجيلي، كما شارك الفيلم التسجيلي في عدة أحداث هامة كانت قد برزت في هذه الحقبة منها الوحدة مع سوريا، الاتجاه إلى تطبيق القرارات الاشتراكية، إنشاء التليفزيون العربي، ثم تدخل القطاع الخاص في السينما التسجيلية الذي بدأ محدود للغاية وتمثل في بعض المحاولات الفردية ثم بدأ بالازدياد.
وينتقل بنا الفصل الثامن إلى ازدهار الفيلم التسجيلي بعد إنشاء المركز القومي للفيلم التسجيلي ثم تخليه عن هذا النشاط للوكالة العربية للسينما ومركز الفيلم التجريبي، وأخيراً عودة المركز مرة أخرى للعمل بعد تصفية الوكالة، ومن مظاهر اهتمام وزارة الثقافة بالفيلم التسجيلي الذي تمثل في إقامة المهرجان القومي السنوي للأفلام التسجيلية والقصيرة وإنشاء مراقبة خاصة تتولى إنتاج الفيلم التسجيلي بالتليفزيون العربي، وفتح آفاق عالمية أمام الفيلم التسجيلي بالتليفزيون العربي، وفتح آفاق عالمية أمام الفيلم التسجيلي من خلال الإنتاج المشترك، كما زاد الاهتمام غير الرسمي والذي اعتمد على جهود العاملين في حقل السينما التسجيلية من خلال تكوينهم للعديد من الشركات الخاصة التي تتولى إنتاج الأفلام التسجيلية بجانب تكوين جماعة السينمائيين التسجيليين، وهو اتحاد يرعى مصالح السينما التسجيلية والسينمائيين التسجيليين، كما ظهر التيار الاجتماعي في الأفلام التسجيلية من خلال أعمال الشباب وهو الشيء الذي يعتبر من أهم سمات السينما التسجيلية المعاصرة في مصر.
ويختتم الباحث ضياء مرعى الكتاب بالفصل التاسع الذي يعرض ملخص للنتائج التي توصل إليها والتي توضح تاريخ السينما التسجيلية المصرية خلال تاريخها الممتد والتيارات التي تجاذبتها والمشاكل التي تعترض سبيلها مثل افتقارها إلى الدراسات والأبحاث التي تساعد في توضيح الرؤية أمام العاملين فيها، لذلك يمكننا القول إن السينما المصرية قد بدأت من خلال بعض أفلام أو أنشطة متناثرة لم تبشر في بدايتها بإمكانية قيام حركة تسجيلية مؤثرة لكنها استطاعت في السنوات العشر الأخيرة وحتى عام 1975 أن تأخذ مساراً سريعاً ومتطوراً جعلها تعوض بدايتها المتعثرة وتفرض نفسها كنشاط له أهمية سواء على مستوى العاملين في مجال الفيلم التسجيلي، أو على مستوى وظائفه وأهدافه، أو على المستوى الدولي من خلال المهرجانات السينمائية والعروض التي تتاح له كمرآة لمصر المعاصرة.
الكتاب: تاريخ السينما التسجيلية في مصر
المؤلف:ضياء مرعي
الناشر:مكتبةالإسكندرية2003
سلسلة: دراسات سينمائية (10)
عدد الصفحات: 228 صفحة
المصدر : موقع ايلاف
ساحة النقاش