النفس المسلمة .. بين الحرمين الشريفين

ليت الإنسان المسلم يدرك أن نفسه بشوائبها المادية على طبيعتها هي في أمس الحاجة بين الفينة والأخرى الى دورة تنشيطية إيمانية.. فيها تتحرر الروح الطاهرة من شوائب النفس الدنيوية ، تلك التي ربما كبتت نشاط الروح فيه بقدر توجه النفس الى المادية .. وإذا كان صيام رمضان الكريم بما فيه من تنشيط إيماني بمستوى عالى والحج كذلك فريضتان هامتان..فإن الله قد أتاح للإنسان العمرة لعدد غير محدود من المرات وفي أي وقت شاء .. ففيها تحرير للروح فتنشيط للنفس ومن ثم تدعيم لإيمانها ..وعلى وجه التحديد يمكن إستعراض ملامح الآثار النفسية على النفس المسلمة حين تشد الرحال الى الحرمين الشريفين في ثلاثة أمداد، هي: مدد تثبيت النفس – مدد تقويم السلوك – ومدد ترشبد الدعاء ..

(1) مدد تثبيت النفس : يبدأ المسلم في إستقباله بمجرد أن يقع بصره على الكعبة الشريفة , فيتسرب الى النفس بهائها ووقارها وتتجدد في نفسك عقيدة التوحيد ، وينطق القلب مع العقل مدللاً على عظمة الكبير المتعال فتسجل أمام الحجر الأسود شهادتك بأنه وحده الأكبر ولا شريك له سبحانه .. ثم تبدأ في الطواف سبع مرات وفي كل مرة تعيد تسجل الشهادة .. إن هذه الشواهد الحسية لعظمة الكعبة بالإضافة للسعي الرمزي بين الصفا والمروة قد تبدوا أمام غير المسلمين مجرد شواهد مادية .. ولكن لأن نفس المسلم تكون مهيئة لاستقبالها والتفاعل معها روحياً فإن الكعبة لديه لاتكون مجرد بناء بل هي رمز لجوهر التوحيد فتعيد برؤيتها التأكيد على البرمجة الروحية فيه وحيث فطرة بني آدم التي شهدت بالوحدانية يوم أن أخذ الله جلت قدرته منهم وأشهدهم " ألست بربكم قالوا بلى "  وحول الكعبة يجد المسلم نفسه مع السيدة العظيمة هاجر وإبنها إسماعيل عليه السلام , فيتوجه لتمثيل سعيها بين الصفا والمروي.. فيعيش المسلم أحداث القصة حول البيت المعمور بكل ماحملت وتحمل من روحانية المسيرة الإيمانية لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام .. فتنشط الروح وتتحرر لتنقي بهذا المدد القوي النفس من الشوائب وتعيدها أكثر صفاءً وتثبيتاً وتقوى .. وهنا تكون النفس بتجديد عقيدتها مشتاقة الى زيارة حبيبها البشير النذير في المدينة المنورة به .. لتقف في خشوع أمام قبره تسلم عليه صلوات الله وتسليمه عليه وتستشعر النفس قربها منه وقربه منها فهو يرد السلام , وفي هذا تجديد تلقائي للعهد والميثاق الإسلامي الذي أُرسل به.. فيشهد الإنسان أمام قبره الشريف بأنه صلوات ربي عليه قد أوفى بالرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ، ولهذا يدعو المسلم ربه بأن يوفي لهذا النبي العظيم بالمقام المحمود الذي وعده إياه ، ثم يتاح للمسلم الجلوس والصلاة مابين قبره ومنبره فكأنه يتمثل الجلوس بجانب رسوله الكريم , وفي هذا شعور بتأكيد الذات المسلمة . ويتجلى مدد التثبيت للنفس على الحق حين تشتم النفس في الروضة الشريفة رياح الجنة ..فتهفو الى الجزاء الأوفى..وقد ذاقت مجرد رائحته .

(2) مدد تقويم السلوك : وهذا المدد يبرق في النفس لتتهيأ الى مراجعة سلوكياتها الماضية ..لتصبح النفس نادمة على ما اقترفت متجهة الى التواب ليتوب عليها حتى تصل الى عهد مع خالقها .. هذا عن التوبة في عمقها سبيلاًً لتقويم السلوك .. ولكن وجود الإنسان نفسه داخل الحرمين الشريفين فيه تدريب على ممارسة السلوك الجيد .. سلوك يحكمه الحياء .. حياء المؤمن .. حيث الحياء هو الضابط السلوكي الذي لا يؤدي في تنشيطه الى سلوك يُهين كينونة الإنسان وتكريم الله عز وجل له .. فلا يسلك ما يُهين دينه أو مهنته أو بلده أو أسرته .. ليتسم السلوك بالترفع والُرقي والتقوي .. نجد المسلم الحقيقي في الحرم لا يُزاحم قي الطواف أو يفتعله ، ولا نجده مصمماً على تقبيل الحجر الأسود على حساب النظام والانسيابية في التحرك ، ولا تطغى عليه الأثرة عند زيارة حبيبه.. فلا يستأثر بمكان مميز يحتله ليحجبه عن غيره .. مثل الروضة الشريفة ، أويقف متشبثاً بمكان أمام قبر رسوله الكريم حارماً غيره من نفس الحق .. أو يعلو بصوته أمام قبره الشريف .. هذا فضلاً عن أن الإنسان يكون حريصاًً على عدم الجدال ولا يخوض في الفُحش من القول أوفي الغيبة والنميمة .. أيضاًً نري المسلم خاضعاً لتعليمات الدخول والخروج في الحرمين والأماكن الخاصة فيهما ليجد نفسه في انسجام مع العقل الجمعي .. وهكذا تجد النفس حالها في تدريب وتهذيب للسلوك لتعود مُحملة بخبرة السلوك المنظم المهذب ، ذلك الذي يحكمه الحياء .. فهذا هو الإيمان المصدق بالعمل .

(3) مدد ترشيد الدعاء : وهذا المدد الثالث  يبرق في نفس المسلم بمجرد عقد النية وشد الرحال الى الحرمين .. وحيث يلتف المسلم في كفنه الاختياري طاهراً مُنشطاًً للروح ، فيلبي المسلم وفي التلبية برمجة عصبية تهيء النفس البشرية للنُسك , سواء أكان حاجاً أم معتمراً .. ومن هنا تبدأ كل الأمداد في تجهيز النفس للاطمئنان وانشراح الصدر فقد تركت النفس كل متاع الدنيا وزينتها ونصب عينيها الدار الآخرة وخلودها .. .. قيخرج الدعاء من النفس راشداًً حاملاً المعنى والمضمون المناسب للمكان والاتجاه .. فعند رؤية الكعبة دعاء مفضل " اللهم زد هذه الكعبة تشريفاًً وتكريماً وبهاءً وزد زوارها تكريماً وتشريفاًً .."  وفي الطواف أدعية وتلبية، وأمام الحجر الأسود دعاء وشهادة .. وأمام القبر الشريف للرسول الكريم سلام وشهادة بأنه من بلغ الرسالة وأدى الأمانة , ئم الدعاء له صلى الله عليه وسلم أن يرزقه الله تعالى المقام المحمود .. وقي الروضة الشريف يتوجه المسلم بالصلاة والدعاء لخالقه جل وعلا مدفوعاًً بروحانية المكان والتقرب الى الله تعالى .. ومن هنا نرى المسلم في رياض الحرمين :

·       يحدث له ترشيداً للدعاء يتطابق مع المكان والنسك

·  يصفوا القلب من الضغينة نحو الآخرين , فلا يتوجه بدعاء عدائي أبداًً ، بل يرى المسلم نفسه تلقائياًً يدعوا بكل الحب للآخرين وعن ظاهر الغيب.

المصدر: educpsychology
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 184 مشاهدة

ساحة النقاش

أ.د حمدي علي الفرماوي

Educpsychology
موقع علمي سيكولوجي وثقافي يهدف الى: * نشر ماتيسر من انتاجي وانتاج تلاميذي العلمي والثقافي ( الكتب - الأبحاث - المقاييس النفسية - المقالات ) * مناقشة الظوامر السلوكية المستجدة في المجتمع والتواصل معها * مناقشة المغلوط في الثقافة النفسية * التواصل مع الجمهور من المثقفين والباحثين والمتخصصين من »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

108,043