يقضي الإنسان ثلث عمره تقريباً في النوم. ولا تعد الفترة التي يخلد فيها الإنسان للنوم إضاعة للوقت؛ حيث لن يتمتع الإنسان بحياة صحية تنبض بالنشاط والحيوية، إذا لم يأخذ الجسم قسطاً وافياً من الراحة في الليل. ويرجع ذلك إلى أن النوم يتيح الفرصة لجهاز المناعة أن يجدد طاقته وأن يتخلص المخ من ضغوطات اليوم وأن تسترخي العضلات وأن يتجدد الجلد ويستعيد نضارته وحيويته. ولكي يحصل الجسم على كفايته من النوم ويجدد نشاطه ينبغي أن ينام الإنسان نوماً عميقاً لفترة كافية لا يتخللها أي إزعاج.
وعن صعوبات النوم تقول سوزانا غروس فون رايشنباخ، أخصائية استرخاء بمدينة ميونيخ جنوب ألمانيا :”دائما ما يُطرح موضوع صعوبات النوم في ندواتي التي أعقدها يومياً”، موضحة أسباب صعوبات النوم بقولها :”الضغط العصبي هو سارق النوم الأول، وهو ينتج عن ضغوطات العمل أو المشاكل الأسرية أو المتاعب الصحية”.
وبناء عليه يُعد الاسترخاء قبل الخلود إلى النوم هو الحل الأمثل للتغلب على هذه الصعوبات والتمتع بنوم هانىء. ويؤكد البروفيسور يورغن تسولي، الأستاذ بمركز طب النوم التابع لجامعة ريجينسبورغ جنوب شرق ألمانيا، على ذلك بالقول :”يجب أن أحصل على فترة راحة مقصودة قبل الخلود للنوم، وهذه الفترة ينبغي أن تكون قبل النوم بنصف ساعة على أقصى تقدير”. وينصح البروفيسور الألماني بممارسة بعض الأنشطة في المساء بشكل مقصود بغرض الاسترخاء، كممارسة الهوايات المحببة أو الاستماع لموسيقى هادئة ومنخفضة الصوت أو التنزه.
وتشاطره أخصائية الاسترخاء غروس الرأي، مؤكدة على أن المشي هو أسرع وسيلة للتخلص من الضغط العصبي، وتنصح بإتباع تقنيات الاسترخاء الشهيرة مثل الاسترخاء العضلي التقدمي أو تدريبات الاسترخاء بالإيحاء الذاتي. ويا حبذا لو أصبحت إحدى هذه التقنيات من الطقوس اليومية للمرء، ويوضح البروفيسور تسولي أن لهذا فائدة كبيرة تتمثل في أن الجسم سيتعلم أن يتحول تلقائياً إلى وضع “الاسترخاء” كوسيلة دفاع ذاتية لمواجهة الضغط العصبي.
وبكل بساطة يمكن أن يجعل المرء من تناول مشروب دافيء أحد الطقوس اليومية التي تساعده على الاسترخاء. وفي هذا الصدد تشير غروس إلى أن كثير من الأشخاص لا يستطيعون تحمل مشروب اللبن بالعسل الذي دائماً وأبداً ما يثني عليه الخبراء ويمتدحون قدرته الفائقة على تحقيق الاسترخاء. لذا فهي تنصح من لا يستطيع تحمل هذا المشروب بتناول كوب من الماء بدلاً منه، مع مراعاة أن يتم ذلك على مراحل متساوية الجرعات، فبهذه الطريقة يتم تحفيز “منعكس الاسترخاء” في المخ. وللتخلص من إجهادات يوم شاق للغاية ينصح بأخذ حمام دافيء مع مراعاة ألا يكون الماء ساخناً للغاية وملء حوض الاستحمام “البانيو” بعشبة اللافندر أو عشبة المليسا، لما لهما من قدرة على تحقيق الاسترخاء للجسم.
ومن الطرق الفعالة التي يستطيع المرء من خلالها تصفية ذهنه من عناء ومتاعب اليوم هي الجلوس في غرفة تمنح المرء شعوراً بالراحة النفسية. وفي هذا السياق تقول سوزانا موسمان من مبادرة حماية المستهلك بالعاصمة الألمانية برلين :”إنه على الرغم من أن تأثيث غرفة النوم مسألة ذوق بالدرجة الأولى، إلا أنه من المهم للغاية إبعاد كل ما يذكر المرء بالعمل، من الكمبيوتر حتى طاولة الكي، عن متناول اليد أو باستخدام حاجز يحجب رؤيتها، وبالمثل ينبغي إبعاد النوتبوك وكتب التخصص العلمي المعقدة عن الكومودينو”.
وتلعب درجة حرارة الغرفة دوراً هاماً في تحقيق الاسترخاء قبل الخلود للنوم، حيث تشير الخبيرة الألمانية موسمان إلى أن درجة حرارة الغرفة المثالية تتراوح ما بين 16 و 18 درجة مئوية. وتنصح بتهوية الغرفة مرة ثانية قبل الخلود للنوم حتى في فصل الشتاء، فهذا أفضل من ترك النافذة مفتوحة قليلاً طوال الليل. وبالإضافة إلى ذلك تتيح هذه الطريقة عزل ضوضاء الشارع ومنعها من النفاذ إلى داخل الغرفة. وبالمثل يجب التغلب على أية مصادر أخرى للإزعاج، مثل دقات عقارب المُنبه أو مصراع النافذة المفتوح والذي يصطدم بالنافذة عند هبوب الرياح. وعند الضرورة يمكن استعمال سدادات للأذن.
وبعد كل هذه التحضيرات يأتي الدور على أهم عناصر عملية النوم، ألا وهو السرير. وعن المواصفات التي يجب أن تتوافر في السرير تقول موسمان :”يجب أن تكون المرتبة مناسبة للشخص، وليس العكس”، وتنصح بتجربة المرتبة جيداً قبل الشراء. وتوضح موسمان أن الجسم ينبغي ألا “يغطس” في المرتبة، كي تتوافر له حرية حركة كافية. وكقاعدة عامة يمكن القول بأن الأشخاص طوال القامة وثقيلي الوزن تناسبهم مرتبة أكثر صلابة مقارنة بالأشخاص قصار القامة وذوي وزن خفيف.
كما ينبغي أن يكون جو السرير مناسباً، وهنا تسري القاعدة التالية “جاف وغير دافيء للغاية”. ويوضح تسولي الباحث في صعوبات النوم ذلك قائلاً :”خامة المرتبة والجزء العلوي من السرير والبياضات يجب أن تكون لديها القدرة على امتصاص الرطوبة وتفريغها بحيث ينشأ جو جاف في السرير”. وبالإضافة إلى ذلك لا يجوز أن يشكل غطاء السرير عبئاً على النائم، سواء بسبب ثقل وزنه أو بفعل اختزانه للحرارة.
صندوق المعلومات: الحذر واجب في حالة صعوبات النوم المزمنة
يُعد عدم التمكن من النوم من حين إلى آخر أو الاستيقاظ أثناء الليل أمراً طبيعياً للغاية. وتعتبر المعدة الخاوية أو الممتلئة للغاية وكذلك تناول المشروبات المحتوية على مادة الكافيين أو التدخين قبل الخلود للنوم أبرز أسباب صعوبات النوم. لذا ينبغي تجنب هذه الأشياء قبل النوم، وهو ليس بالأمر الصعب. أما إذا كان لصعوبات النوم تأثير سلبي واضح على الحالة الصحية العامة والقدرة على بذل المجهود نهاراً وحدثت هذه المعاناة بصفة يومية لمدة لا تقل عن أربعة أسابيع، عندئذ ينبغي استشارة الطبيب، كطبيب الأسرة مثلاً. كما قد تكون صعوبات النوم المزمنة عرض لخلل هرموني أو مرض نفسي.
ساحة النقاش