الجماعة الاسلامية

 

غاية المسلم تحدد وتضبط الوسيلة

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

{يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102]، {يا أيها الذين أمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء: 1]، {يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب: 70 – 71].

أما بعد...                                                                                   وصف حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم سعى الناس وعلهم فى هذه الحياة فقال صلى الله         

عليه وسلم  ( كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا( [15  7)  ( رواه مسلم                                 فكل الناس يسعى ويعمل ويتعب ولكن شتان بين جهدين ونشاطين وكفاحين فى الحياة                    نعم شتان بين من يسعى لغاية معلومة واضحة وبين من يسعى وهو لايدرى إلى أى شىء ولا أين ؟ وما المصير  ؟

 شتان بين من يسعى ويُفنى حياته لينال رضا    الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ  سبحانه وتعالى وبين من يجد ويجتهد من أجل لاشىء سوى أن يعيش حياة تشبه حياة الأنعام ( والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ) محمد                                                               

وحتى يكون عملنا وجهدنا ونشاطنا من النوع الأول  أردنا أن نقدم هذه الرسالة     

الجماعة الاسلامية

 

 

 

 

غاية المسلم  رضا ربه  

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ومالنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا) [رواه البخاري ومسلم].

حقا يا رب؛ إن رضاك أسمى وأغلى من كل نعيم.

ونحن نُقدم رضاك يا ربنا على كل شيء، وأسوتنا في ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قدم سؤالك رضاك على سؤالك الجنة حين دعاك فقال: (اللهم إني أسألك رضاك والجنة).

فإن الله تعالى أغلى من كل شيء وهو سبحانه من كل شيء أكبر، وكذلك رضاه أغلى من كل غاية؛ {ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72].

إن الله تعالى هو الأول الذي لاشيء قبله، وهو الآخر الذي لاشيء بعده، وهو الظاهر الذي لاشيء فوقه، وهو الباطن الذي لاشيء دونه، وهو الحي القيوم، وهو العزيز الحكيم، وهو العليم الخبير، وهو السميع البصير، وهو ذو القوة المتين، وهو على كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير، لا يحتاج إلى شيء؛ {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]، وهو الذي خلق من عدم، ورزق من فقر، وهو الذي يحيي ويميت، ويبعث من في القبور ويوم القيامة إليه النشور فيغفر لمن يشاء فضلا، ويعذب من يشاء عدلا، {ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون} [الزمر: 6] وكل ما سواه سبحانه يفنى ويبيد، {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن 26 - 27].

فكيف لا يكون رضاه تعالى هو غايتنا التي نصبوا إليها، ولها نسعى ونفر مما عداها لنلوذ بكنفها، وننعم بظلها؟ {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين} [الذاريات: 50].

ولقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن رضا ربنا هو ملجأنا ومعاذنا.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أُحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) [رواه مسلم].     "رضا الله تعالى"؛ غاية تتصاغرأمامها، بل تتلاشى كل الغايات، {والله خير وأبقى} [طه: 73]، فمن وجدها ونالها وجد كل شيء، ولا يعوزه بعد ذلك شيء، أما من فقدها وضل عنها عياذا بك اللهم فقد خسر كل شيء، وذلك هو الذي أضله الله {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله}[الجاثية: 23].                                                                                    وإن من رحمة الله تعالى بخلقه أنه تكفل سبحانه بتحقيق هذه الغاية لكل صادق ابتغاها، {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} [الشورى: 13]، فإنه سبحانه لا يرد أحدا أتاه يطلب هداه، بل يعينه ويهديه، {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69].                                                                           وفي الحديث القدسي: (قال الله تعالى: ... ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة).

كيف لا يكون رضاه تعالى هو غايتنا، وهو القائل كما ورد في الحديث القدسي أيضا: (... يا عبادي كلكم ضال إلا من هديتُه، فاستهدوني أَهْدِكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوتُه فاستكسوني أكسُكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر) [رواه مسلم].

كيف لا نرجو رضاه ونطمع أن نكون من أوليائه الذين يدافع عنهم، {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} [الحج: 38].        وفي الحديث القدسي: (قال تعالى؛ من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب) [رواه البخاري].

ونطمع أن نكون من أحبائه الذين قال عنهم: (... فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنه) [رواه البخاري ومسلم].

وإنا لنرجو رضاه طمعا أن ندخل يوم القيامة في عباده الصالحين، {يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون * الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين * أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون * وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون * لكم فيها فاكهة كثيرة منها تاكلون} [الزخرف: 68 - 73].

فهل تستوي غايتنا بعد كل هذا مع غيرها من الغايات، {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور} [الرعد 16].

وغاية المسلم تبين له دربه، وتحدد له سعيه، وتقنن له خطواته، حركاته وسكناته، فترى المسلم يسير فوق الأرض، والقلب معلق بالسماء، تراه يُقدِم تارةً ويُحجِم أخرى، يُسرع تارةً ويُبطئ أخرى، يتكلم في مقامٍ ويسكت في آخر، وهو في كل هذا إنما يسعى لغايته.

وهي غاية تجعل المسلم لا يقبل بل لا يطيق الخروج عن أوامر ربه أو عصيانها، لأن ذلك سيحول بينه وبين مطلوبه ومراده الأعلى، وهي أيضا تجعل المسلم يضن بوقته أن يذهب سدى، ويبخل بلحظات عمره أن ينفقها في غير ما يرضي ربه.

الغاية تحدد وتضبط الوسيلة:

ومن جملة ما تتميز به غاية المسلم أنها تضبط الوسيلة الموصلة إليها، فهي لا تبرر لأصحابها الوسائل، ولا تتركهم أيضا يبررون في سبيل الوصول إليها الوسائل، بل إنها كما قلنا تضبط الوسيلة، وتنضبط من أجلها الوسيلة، فلا يتوصل إليها بفعل أو قول إلا أن يكون:

- خالصا لله تعالى.

- وموافقا لما جاء به نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم.

إن المسلمين الأوائل وحدوا غايتهم وحصروها في أمر واحد، كان قائلهم يقول: (لأجعلن الهم واحداً)، أي لأجعلن رضا الله تعالى هو كل همي في هذه الحياة الدنيا، فتخلصوا من كل ما يعوق مسيرتهم ويقطعهم عن الوصول إلى غايتهم وتجردوا من ذواتهم وما تريده أنفسهم، وجعلوا مرادهم هو ما أراده منهم ربهم فصاروا بذلك أتقى الناس، وأعلم الناس، وأعدل الناس، وهداهم ربهم وأيدهم ونصرهم وجعلهم أعز الناس.

أما مسلمي اليوم؛ فقد ضل أكثرهم في اختيار وتحديد غايته، فمنهم من جعل رضا ربه خلف ظهره ومضى متبعا لهواه لا يلتفت عنه إلى غيره!                                     ومنهم من ظن أن باستطاعته أن يتخذ مع رضا الله تعالى غايات أخرى فصار كما قال عز وجل: {رجلا فيه شركاء متشاكسون} [الزمر: 29]، والله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك، فتركه وشركه وشركائه.

لذا أضحى مسلمي اليوم مع كثرتهم؛ غثاء كغثاء السيل، وتهاوَوا في كثير من الضلالات والجهالات، وتفرقت بهم السبل وفرقتهم الأهواء والشبهات.              وصارت أمتهم كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم قصعة الأمم، تداعت علينا الأمم، كل الأمم.

إن الأمر جد خطير، لأن ترك المسلمين لغايتهم التي ما خُلقوا إلا لها، وإعراضهم عنها لا يعني فقط أنهم سيعيشون أذلةً فوق سطح الأرض كما هو حادث اليوم إنما يعني أيضا أنهم سيُفضون إلى خطرٍ عظيمٍ يوم القيامة كلٌ بحسب إعراضه وبُعده                                                                                     ففي الحديث: (ألا ليُذادَنَّ عن حوضي كما يُذاد البعير الضال أناديهم؛ ألا هَلُمَّ فيقال: إنهم بَدلوا بعدك، فأقول: سُحْقًا سحقا) [رواه مسلم].

إن ترك رضا الله تعالى ليس له معنى إلا اختيار سخط الله تعالى غاية  - عياذا بك اللهم - وليضحك الناس على أنفسهم ما شاءوا، وليسموا غاياتهم الباطلة أي تسمية عصرية تحلو لهم، فإنها بأي حال لن تعدوا أن تكون سخط الله تعالى.

فليُسَمها هذا سعيا نحو الاشتراكية ، وليُلبسها هذا ثوب الديمقراطية، وليخلع عليها ثالث اسم الانتصار للرأسمالية، وهذا رابع ينعِق بالقومية العربية ، وخامس ينادي بالعلمانية، و... ليقولوا ما بدا لهم، وما حلا لهم، ما داموا قد تركوا الحق، {فماذا بعد الحق إلا الضلال} [يونس: 32] وصدق الله العظيم القائل: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار} [البقرة: 175]، {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون} [البقرة: 102 - 103].

إننا نحذر قومنا؛ أن عودوا، أن {استجيبوا لربكم} [الشورى: 47]، أن عودوا إلى رضا الله تعالى وليكن عزمكم صادقا، وسعيكم متواصلا، {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به} [الأحقاف: 31].

واعلموا أن نيل هذه الغاية العظيمة الكريمة يسيرٌ في غاية اليسر على من يسره الله عليه والطريق إليها واضح غاية الوضوح لمن هداه الله وهو سبحانه: {ويهدي إليه من ينيب}.                                              

شروط قبول العمل

والساعي على هذا الدرب يلزمه شيئان اثنان فقط للوصول إلى غايته المنشودة:

الأول: الإخلاص لله تعالى بتجريد القصد له عز وجل.

الثاني: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في العمل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شرط الإخلاص لله تعالى بتجريد القصد له عز وجل:

 أما الإخلاص؛ فلأن الله تعالى لا يقبل عملا - أي عملٍ صغيرًا كان أو كبيرًا - إلا إذا كان خالصا لوجهه الكريم.

وفي الحديث القدسي يقول سبحانه: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري؛ تركته وشركه) [رواه مسلم].

فالمسلم مأمور بأن يكون سعيه كله لله تعالى، عمله وقوله، ذكره وفكره، نومه ويقظته، عبادته ومعيشته، حبه وبغضه، منحه ومنعه، لله رب العالمين، {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له} [الأنعام: 164].                           فينبغي على العبد أن يخلص لربه في كل عمله، {قل إني أُمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين} [الزمر: 11].

والإخلاص؛ هو تجريد القصد طاعة للمعبود سبحانه، وإفراده وحده بالعبادة، وحجز القلب عن الالتفات إلى الخلق عند معاملة الرب، وتصفية العمل من كل شوب.

ومن عرف حقيقة كمال الرب تعالى، وعظمته وجلاله وقدرته وعزته وحكمته، ونعمه وستره، وحلمه وبره ولطفه وكرمه، وآمن بأنه، {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} [الحديد: 3].

وعرف في ذات الوقت حقيقة الخلائق، وأنهم؛ {لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه} [الحج: 73]، وأنهم؛ {ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا} [الفرقان: 3]، وأنهم؛ {ما يملكون من قطمير} [فاطر: 13].

من عرف كل هذا؛ كيف يصرف بعد ذلك عملا لغير الله؟ وكيف يعلق قلبه بغير الله؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمالُ بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسولهِ فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرته إلى ما هاجر إليه) [رواه البخاري ومسلم].

فكل عمل غاب عنه الإخلاص فهو الهباء المنثور، وإن أعظم الأعمال تنقلب وبالا على أصحابها في الدنيا والآخرة إذا كانت غير خالصة لله رب العالمين.

وقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة: (رجل تعلم العلم وعلمه ليقال عنه أنه عالم، ومقاتل خرج وقاتل مع المسلمين حتى قتل ليقال عنه أنه شجاع، وغني أنفق ماله وتصدق ليقال عنه أنه جواد) [رواه مسلم].

فتحولت أعظم الأعمال إلى نقمة وبلاء على أصحابها بتركهم الإخلاص.

وضد الإخلاص الرياء، وأصل الرياء طلب المنزلة في قلوب الخلق بالقول أو العمل، ويستوي في ذلك الفعل والترك.

والرياء قد يكون محضا، كحال المنافقين الذين قال تعالى فيهم: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس} [النساء: 142].

وقد يكون العمل لله ولغيره معا ابتداء.

وقد يكون العمل ابتداء لله وحده ثم يطرأ عليه الرياء.

والمسلم مأمور بمجاهدة نفسه حتى تخلص في كل عمل وتتخلص من كل صور الرياء، ويخطئ من يترك العمل الصالح مخافة الرياء بل عليه أن يعمل وأن يخلص، {فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف: 110].

والإخلاص ضروري ومطلوب لكل نفس حتى تتخلص من ذاتيتها وهواها حتى يصير مرادها هو عين ما أراد الله تعالى منها.

شرط متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في العمل:

أما الشرط الثاني؛ فهو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول ابن القيم رحمه الله عن أهل الإخلاص والمتابعة: (... هم أهل إياك نعبد حقيقة، فأعمالهم كلها لله، وأقوالهم لله، وعطاؤهم لله ومنعهم لله، وحبهم لله، وبغضهم لله، فمعاملتهم ظاهرا وباطنا لوجه الله وحده، لا يريدون بذلك من الناس جزاءً ولا شكورا، ولا ابتغاء المنزلة عندهم، ولا طلب المحمدة والمنزلة في قلوبهم، ولا هربا من ذمهم بل قد عدوا الناس بمنزلة أصحاب القبور، لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا).

فالعمل لأجل الناس، وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم، ورجاءهم للضر والنفع منهم لا يكون من عارف بهم البتة، بل من جاهل بشأنهم وجاهل بربه، فمن عرف الناس أنزلهم منازلهم ومن عرف الله أخلص له أعماله وأقواله، وعطاءه ومنعه، وحبه وبغضه، ولا يعامل أحد الخلق دون الله إلا لجهله بالله وجهله بالخلق، وإلا فإذا عرف الله وعرف الناس آثر معاملة الله على معاملتهم.

وكذلك أعمالهم كلها وعبادتهم موافقة لأمر الله ولما يحبه ويرضاه وهذا هو العمل الذي لا يقبل الله من عامل سواه، وهو الذي بلا عباده بالموت والحياة لأجله، قال الله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [الملك: 2]، وجعل ما على الأرض زينة لها ليختبرهم أيهم أحسن عملا.

قال الفضيل بن عياض رحمه الله: (العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه)، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: (إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا لم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا).

والخالص؛ ما كان لله، والصواب؛ ما كان على السنة.

وهذا هو المذكور في قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف: 110]، وفي قوله: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن} [النساء: 125]، فلا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه، على متابعة أمره، وما عدا ذلك فهو مردود على عامله، يُرد عليه أحوج ما هو إليه هباء منثورا.

وفي الصحيح من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كلُ عملٍ ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ) [رواه البخاري ومسلم].

وكل عمل بلا إقتداء فإنه لا يزيد عامله من الله إلا بعدا، فإن الله تعالى إنما يُعبد بأمره لا بالآراء والأهواء.

وتحقيق المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، إنما هو الدليل الذي يقدمه العبد مبرهنا به على صدق محبته لربه، وبه ينال العبد محبة ربه، {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31].

وتحقيق متابعة النبي صلى الله عليه وسلم تعني أن يترك المسلم كل ما تعارف عليه الناس وكل ما ابتدعه الناس، ليقتفي أثر نبيه صلى الله عليه وسلم في عقيدته ونسكه، في تقواه وخلقه، في حكمه وقضائه، في سلمه وحربه، في معيشته ومشيته، وكلامه وصمته، وذكره وفكره، ونومه ويقظته، متابعة كاملة في الصغيرة والكبيرة، وكيف لا وقد قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} [الأحزاب: 21].

وقال عز من قائل: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7]، وقال جل وعلا: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [الأحزاب: 6]، وقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله، ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون} [الأنفال: 20]، ولقد اقترنت طاعة الرسول بطاعة الله في أربعين موضعا في كتاب الله.                                                                                   فالطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته فإن طرق الخير كلها مفتوحة عليه.

أمور تنافى المتابعة للنبى صلى الله عليه وسلم

ومما ينافي تحقيق المتابعة؛ أن يتبنى الرجال مناهج ونظريات ثم يحاولون تطويع الإسلام لها .                                                                                 ومما ينافيها؛ جعل الرجال حجة على الشرع ومقياسا للحق، فيرجع إليهم بدلا من الرجوع للشرع .

 ومما ينافيها؛ تقدم الرجل بفعلٍ أو قولٍ أو فهم على الكتاب والسنة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}[الحجرات: 1]، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} [الحجرات: 2].

 ومما ينافيها أيضا؛ قصرها على جانب من الشرع دون آخر، كأن تكون في الشعائر دون الشرائع، في العبادات دون الحكم والقضاء، قال تعالى: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} [البقرة: 85].

فتحقيق المتابعة هو الضمان الأوحد للاستقامة على طريق الهدى والرشاد، والنجاة من سبل الغي والضلال، قال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153].

وما تفرقت الأمة واختلفت إلا بغياب المتابعة.

وما ظهرت البدع والأهواء وشذ ثنتان وسبعون فرقة إلى النار إلا بغياب المتابعة، فلا عودة ولا رشاد ولا هداية ولا نجاة إلا إذا تحققت المتابعة التامة للنبي صلى الله عليه وسلم دون سواه.                                                                  وكل بدعة في الدين قبيحة، ليس فيها حسن، وصاحبها ممقوت وعمله مردود، والعون عنه مقطوع.                                                                            طوبى للغرباء                                                      

فهذه أخي المسلم؛ غايتك التي عليك أن لا تدخر وسعا في السعي لنيلها.

والطريق إليها هو تجريد القصد لله تعالى وتحقيق المتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم.

فإن أنت عملت لهذه الغاية وسرت على هذا الدرب فاعلم أنك ستعيش في هذه الدنيا بين الناس غريبا، لأن أكثر الناس قد ضلوا الطريق فلابد أن يستشعر أهل الحق الغربة بين أهل الباطل، غربة النور بين غياهب الظلمات.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء) [رواه مسلم].

فأهل الدنيا يتنافسون على مالها ومتاعها وجاهها وعزها، لأنها دارهم وهي منتها قصدهم، هي غايتهم التي يسعون لتحصيلها ونيلها فكيف لا يتنافسوها ويتقاتلون عليها؟                                                                                     أما أهل الآخرة؛ فإنهم في الدنيا غرباء.

قال صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) [رواه البخاري].

فأنى لغريب أو عابر سبيل أن يلتفت قلبه إلى غير موطنه وداره؟

فحي على جنات عدن فإنها           منازلنا الأولى وفيها المقام

 

 

الفهرس

غاية المسلم رضا ربه .............................

الغاية تحدد وتضبط الوسيلة ................

شروط قبول العمل ..............................

شرط الإخلاص ...............................

شرط متابعة النبى صلى الله عليه وسلم ...............

أمور تنافى متابعة النبى صلى اله عليه وسلم ...........

طوبى للغرباء ............................................

 

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 278 مشاهدة
نشرت فى 23 إبريل 2014 بواسطة ESDARATELGAMAA

إصدرات الجماعة

ESDARATELGAMAA
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

15,753