الحمد لله الذي خلق الزوجين الذّكرَ والأنثى .
الحمد لله القائل : ( وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ )
والصلاةُ والسلام على أنبياء الله ورُسُلِه الذين قـال الله فيهم : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) .
وصلّى الله على من بعثه ربُّه هادياً ومُبشِّراً ونذيرا .
وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين وسلّم تسليما كثيرا.
أمـا بعـد :.
فأسأل الله أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوما ، وتفرّقنا من بعده تفرقا معصوما وأن نكون ممن يُقال لهم في ختام مجلسهم : انصرفوا مغفوراً لكم .
أيها الأحبة الكرام : أبدأ أولاً بعناصر هذه المحاضرة ، وهي كما يلي :
أولاً : تعريف الأسرة .
ثانيا : لماذا الاهتمام بالأسرة ؟
ثالثاً : أين موقع الإجازة من الإسلام ؟
رابعاً : مِن فوائد الإجازة .
خامساً : أقسام الناس في الإجازة .
سادساً : الترفيه بين المشروع والممنوع .
سابعاً : الأسرة والحياء .
ثامناً : الأسرة والسفر .
تاسعاً : مُقترحـات .
عاشراً : أخطاء ومُنكرات في الإجازات .
فأبدأ بتفصيل ذلك مُستعينا بالله فهو المستعان وعليه التُكلان .
أولاً : تعريف الأسرة
قال ابن منظور في لسان العرب : الأُسرة الدرع الحصينة .
و أُسْرَةُ الرجل : عشيرتُه ورهطُه الأَدْنُونَ ؛ لأَنه يتقوى بهم .
وعرّفها بعض الباحثين الاجتماعيين بأنها : رابطة اجتماعية تتكون من زوجٍ وزوجةٍ وأطفالِهما ، وتشمل الجدود والأحفاد وبعض الأقارب على أن يكونوا مشتركين في معيشة واحدة .
ثانياً : لماذا الاهتمام بالأسرة ؟
لأنه لا مجتمع بدون أسرة ، فالأسرة هي لبنة من لبِنات المجتمع ، والمجتمع ما هو إلا عبارة عن أُسر ، فإذا صَلَحت الأسر صَلَحَ المجتمع ، وإذا فَسَدَت الأسر فَسَد المجتمع .
وقد ظهرت الدعوة إلى إلغاء الأسرة والقضاء على النظام العائلي في القرنِ التاسع عشر وأوائلِ القرنِ العشرين ، ولكن هذه الدعوات باءت بالفشل الذريع ، ورفضتها البشرية ؛ لأنها على خلاف ما فطرهم الله عليه .
ولأن الميلَ إلى تكوينِ الأسرةِ هو ميلٌ فطري ، ولذا فشِلَ النظامُ الشيوعي في تطبيق قانونِ إلغاءِ الأسرة ، ومحاولةِ القضاءِ على النظامِ العائلي .
وكلُّ إنسان يميل - فطرياً - إلى أن يختص ببيتٍ وزوجةٍ وذريّة .
والأُسَر يقتدي بعضُها ببعض ، ويتآلف بعضُها مع بعض .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : الناس كأسرابِ القَطـا مجبولون على تشبُّه بعضِهم ببعض . انتهى .
ولذا تسمع قول بعض الأسر والعوائل : كل الناس يفعلون هذا .
مما يعني تأثرَ بعضِهم ببعض .
وقد تناولتُ فيما سبق موضوعَ الشبابِ والسفرِ للخارج .
واليوم نتدارسُ موضوعَ الأسرةِ والإجازة .
ثالثاً : أين موقع الإجازة من الإسلام ؟
الترويح عن النفوس مطلوب ، لأن القلوب تَكلّ ، وإذا كلّت عَمِيَتْ .
لَقِيَ أبو بكرٍ رضي الله عنه حنظلةَ الأُسيدي فقال لـه : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال : قلت : نافق حنظلة .قال : سبحان الله ! ما تقول ؟ قال قلت : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكِّرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأى عين ، فإذا خرجنا من عندِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضّيعاتِ فنسينا كثيرا . قال أبو بكر : فوالله إنا لنلقى مثل هذا . قال حنظلة : فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلتُ : نافق حنظلة يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ قال حنظلة قلت : يا رسول الله نكون عندك تذكرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأى عين ،فإذا خرجنا من عندك عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضيعاتِ . نسينا كثيرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذِّكر ، لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعة . ثلاث مرات . رواه مسلم .
وفي رواية لـه : فقال : يا حنظلة ساعةً وساعةً ، ولو كانت تكون قلوبُكم كما تكونُ عند الذِّكر ، لصافحتكم الملائكةُ حتى تُسلِّم عليكم في الطُّرُق .
إذاً فالقلوب تحتاج إلى راحة .
والنفوس تحتاج إلى شيء من الاستجمام .
رابعاً : مِن فوائد الإجازة .
1 – طلب رضا الله ومرضاته
ويكون ذلك بقصد بيت الله الحرام أو مسجد نبيِّه صلى الله عليه وسلم أو مسراه فكّ الله أسرَ المَسْرَى .
ويكون بقصد زيارة الأقارب وصلة الأرحام إلى غير ذلك من المقاصد المشروعة المطلوبة .
2 – ( من فوائد الإجازة ) ليُعلم أن في دينِنا فُسحـة .
رأى النبي صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام الحبَشة يلعبون في المسجد فكأنه علم ما في نفس عائشة من حداثة سنِّها وحبها للعب ، فقال لها : أتحبِّين أن تنظري إليهم ؟ رواه النسائي في الكبرى ، وقال ابن حجر : إسناده صحيح .
قالت عائشة : وكان يومَ عيدٍ يلعبُ السودانُ بالدَّرَقِ والحِرابِ ، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال : تشتهين تنظرين ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه خـدِّي على خَـدِّهِ ، وهو يقول : دونكم يا بني أرْفِدَة .حتى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت : نعم .قال : فاذهبي متفق عليه .
وفي روايةٍ في الصحيحين قالت : رأيتُ النبَّي صلى الله عليه وسلم يُسترني بِرِدِائِه ، وأنا أنظر إلى الحبشةَ يلعبون في المسجد حتى أكونَ أنا الذي أسأم ، فاقدروا قَدْرَ الجاريةِ الحديثةِ السنِّ الحريصةِ على اللهو .
وفي رواية للإمام أحمد قالت عائشة رضي الله عنهن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ، إني أرسلت بحنيفية سمحة .
ومن فوائد الإجازة :
2 – إدخالُ السرورِ على الأهل .
فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : خرجتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأنا خفيفةُ اللحم فنـزلنا منـزِلا فقال لأصحابه : تقدموا . ثم قال لي : تعالي حتى أسابقْكِ ، فسابقني فسبقتُه ، ثم خَرَجْتُ معه في سفرٍ آخـر ، وقد حملتُ اللحمَ ، فنـزلنا منـزلا ، فقال لأصحابه : تقدموا ، ثم قال لي : تعالي أسابقْكِ ، فسابقني فسَبَقَنِي ، فضرب بيده كتفي وقال :هذه بتلك . رواه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى ، وغيرهم ، وهو حديث صحيح .
وقوله صلى الله عليه وسلم : هذه بِتلك . أي واحدة بواحدة !
3 – ( من فوائد الإجازة ) إذهاب الملل والسآمة .
يأسِنُ الماء عند وقوفِه ، وتملُّ النفوس من روتين الحياة ، وتصدأُ القلوب كما يصدأ الحديد .
إني رأيتُ وقــوفَ المـاءِ يفسـدهُ إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ
والأسدُ لولا فراقُ الغابِ ما افترست والسَّهمُ لولا فراقُ القوسِ لم يُصب
والشمسُ لو وقفتْ في الفُلكِ دائمـةً لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْمٍ وَمِنَ عَـرَبِ
والبدرُ لـولا أفـولٌ منه مـا نظرتْ إليه في كلِّ حينٍ عَـيـنُ مُرتَقِـبِ
والتَّـبْـرَ كالتُّرْبَ مُلْقَى ً فـي أَمَاكِنِهِ والعودُ في أرضه نوعٌ من الحطـب
فـإن تغـرَّب هـذا عـزَّ مَـطْلَـبُهُ وإنْ تَغَرَّبَ ذَاكَ عَـزَّ كالـذَّهَـبِ
وإذا كثُرَ تِكرارُ أمرٍ مـا على النفوس ملّته ، وإن كان مما لا يُملُّ عـادةً .
ولذا لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وعندها امرأة . فقال : مـن هذه ؟ قالت : فلانة . تذكرُ من صلاتِها . قال : مـه ! عليكم بما تطيقون ، فوالله لا يملُّ الله حتى تملوا . متفق عليه
وفي رواية لمسلم قالت عائشة : فقلت هذه الحولاءُ بنتُ تويت ، وزعموا أنها لا تنامُ الليل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تنامُ الليل ! خذوا من العمل ما تطيقون فوالِله لا يسأمُ الُله حتى تسأموا .
وكان ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه يُذكِّرُ أصحابَه كلَّ يومِ خميس ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن إنا نحبُّ حديثَك ونشتهيه ، ولودِدْنا أنك حدثتَنا كلَّ يوم ، فقال : ما يمنعني أن أحدثَكُم إلا كراهيةُ أن أمِلَّـكَم . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كـان يتخولُنا بالموعظة في الأيامِ كراهيةَ السآمةِ علينا . متفق عليه .
فإذا كان هذا فيما يتعلّق بذكر الله الذي هو غذاء القلوب ، فما بالُكم بغيره ؟
قال بعضُ الحكماء : إن لهذه القلوب تنافراً كتنافرِ الوحشِ فتألّفوها بالاقتصادِ في التعليم ، والتوسطِ في التقديم ، لتحسُنَ طاعتُها ، ويدوم نشاطُها .
وكان ابن عباس يقول لأصحابه إذا دامـوا في الدرس : أحمضـوا . أي ميلوا إلى الفاكهة وهاتوا من أشعاركم ، فإن النفس تملّ .
4 – ( ومن فوائد الإجازة ) تجديد النشاط ، وكسر الروتين ، والتّقوّي على العبادة
وذلك أن النفس تشعر بالارتياح بعد قضاء إجازة خاصة إذا صاحب ذلك تغيير مكان .
ولا تستجم الخيلُ حتى نُجِمّها فيعرفها أعداؤنا ، وهي عِطّفُ
لذلك كانت خيلُنا مرةً تُرى حسانا ، وأحيانا تقاد ، فتعجِفُ
دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ، فإذا حبلٌ ممدود بين الساريتين فقال : ما هذا الحبل ؟ قالوا : هذا حبل لزينب ، فإذا فترت تعلّقت به . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا . حُلُّوه . لِـيُصلِّ أحدُكم نشاطَه ، فإذا فَتَرَ فليقعد . متفق عليه .
ومن فوائد الإجازة
3 – السير في الأرض . قال سبحانه وتعالى : ( قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ ) .
فيسير المسلم في الأرض مسير نظر واعتبار وتفكّر .
ويجب أن يكون وِفق قواعدَ وضوابط .
أ – أن لا يمرّ بديار المُعذّبين وآثارهم ، فلا يدخلها بقصد الفُرجة .
ب – أن لا يكون السير ولا تكون السياحة إلى بلاد الكفار لِعِظم الأخطار .
جـ - أن يكون نظر تفكّر واعتبار لا نَظر فُرجةٍ وتفكُّه أو نظر شماتة .
د – أن لا تُضيّع الفرائض ولا يُفرّط فيها .
5 – ( من فوائد الإجازة ) تآلف القلوب ، واجتماع أفراد الأسرة .
عندماينهمك بعضُ الناس في عمله يدفعُه ذلك ويحمِلُه على التفريط في حق أهله وأسرته ، فلا يكاد يجلس معهم سوى مرة في الأسبوع أو ينسى ذلك ، ولا يُعيره اهتماماً وربما كان ذلك سببا في ضياع بعض أفراد الأُسرة .
فتأتي الإجازة لتجمعَ أفرادَ الأسرةِ وتؤلِّفَ بينهم ، ويحتاج رب الأسرة إلى الجلوس مع أولاده بصدرٍ مشروح ونفسٍ مُطمئنة بعيداً عن هموم العمل ، ليسمع مُشكلة هذا وهم ذاك ، وتسمع الأم هم بناتِها وما يُعانين منه من مُشكلات ونحوها .
وهذا أمرٌ يغفل عنه كثيرٌ من الناس ، فيُرجّح جانب عملِه على حقِّ أسرتهِ .
وربما حمَلَ همّ عملِه إلى بيته فحمله معه أفرادُ أُسرتِه .
بل ربما حمله معه في إجازته وفي إجازة أُسرتِه . وربما انشغل في إجازته عن أهله وولده
وربما انشغلت بعض النساء العاملات بعمل لم يُكلّفن به خلال إجازاتِهن مما ينتج عنه بعد الأم والأب أحيانا عن البيت وبالتالي يؤدّي ذلك إلى تفكك الأُسر .
انظر - رعاك الله - إلى فقه سلمان الفارسي رضي الله عنه ، فقد زار سلمانُ رضي الله عنه أخاه أبا الدرداء فما وجده لكنه وجد أم الدرداء وهي متبذِّلة ، فسألها عن شأنها ، فقالت : أخوك أبو الدرداء ليس له بنا حاجة في الدنيا ! فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما ، فقال له : كُل . قال : فإني صائم . قال : ما أنا بآكل حتى تأكل . قال : فأكل ، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم . قال له سلمان : نَم ، فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال : نَم فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال : نَم . فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قُم الآن ، فَصَلَّيَا ، فقال لـه سلمان : إن لربك عليك حقّـا ، ولنفسك عليك حقّـا ، ولأهلك عليك حقّـا ، فأعطِ كل ذي حق حقّه ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق سلمان . رواه البخاري .
والذي ذَكَرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم هو أبو الدرداء كأنه يشتكي سلمان .
ومعنى ( متبذّلة ) أي لابسة ثياب البذلة وهي المهنة ، أي أنـها قد تركت الزينة . وعرّضت عن إعراض زوجها عنها بقولها : أخوك أبو الدرداء ليس له بنا حاجة .
فانظر إلى فقهِ هذا الصحابيِّ الجليل . أعني سلمانَ رضي الله عنه .كيف قدّم الحقوق والواجبات على النوافل من الصيام وقيام الليل ، وما ذلك إلا لأن حقَّ الأهلِ أولى ، وهو ما أقرّه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم .
فكيف بمن يضيع الأوقات في السهر على المحرمات ويترك الحقوق والواجبات ؟!
قال ابن حجر : وفيه جـواز النهـي عن المستحبات إذا خُشي أن ذلك يُفضي إلى السآمـةِ والمللِ وتفويتِ الحقوقِ المطلوبةِ الواجبةِ أو المندوبةِ الراجحِ فعلُها على فعـلِ المستحب المذكور .
ومثله قصة عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .
قال رضي الله عنه : أنكحني أبي امرأةً ذاتَ حسب ، فكان يتعاهد كَنَّتَهُ فيسألها عن بعلها ، فتقول : نِعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا ، ولم يَفْتش لنا كَنَفاً مذ أتيناه ! فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : القني به . فلقيته بعد ، فقال : كيف تصوم ؟ قلت : كل يوم . قال : وكيف تختم ؟ قلت :كل ليلة . قال : صم في كل شهر ثلاثة ، واقرأ القرآن في كل شهر . قال قلت : أطيق أكثر من ذلك . قال : صم ثلاثة أيام في الجمعة . قلت : أطيق أكثر من ذلك . قال : أفطر يومين ، وصم يوما . قال قلت : أطيق أكثر من ذلك .قال : صم أفضل الصوم . صوم داود . صيام يوم وإفطار يوم ، واقرأ في كل سبع ليال مرّة . فليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم . متفق عليه .
وفي رواية في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ فقلت : بلى يا رسول الله . قال : فلا تفعل . صم وأفطر ، وقم ونَم ، فإن لجسدك عليك حقّـأً ، وإن لعينك عليك حقّـاً ، وإن لزوجك عليك حقّـاً ، وإن لزورك عليك حقّـاً .
وفي رواية : زوّجني أبي امرأة من قريش ، فلما دخلت على جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة ، فجاء عمرو بن العاص إلى كَنّته حتى دخل عليها ، فقال لها : كيف وجدت بعلك ؟ قالت : خير الرجال أو كخير البعولة مِنْ رجل لم يَفتش لنا كَنَفَاً ، ولم يعرف لنا فراشا ، فأقبل عليّ فعذلني وعضّني بلسانه ، فقال : أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فَعَضَلْتَها وفعلت وفعلت ، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته – ثم ذكر الحديث . كما في المسند .
ومعنى ( عضّني ) أي شدّد علي القول .
فانظر إلى شدّة نكير عمرو بن العاص على ابنه الذي لا يُعطي زوجته حقوقها ، وإن كان مُشتغلاً بالعبادة ، ولو كان الأمر مباحاً أو يسيراً لما أنكر عليه وشدّد عليه في الإنكار ولما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأذن له أن يصوم الدهر كلّه ، وما ذلك إلا ليُوازن بين حقوق أهله ونفسه .
ومعنى ( كَنّته ) أي زوجة ابنه .
وقوله صلى الله عليه وسلم : صُم ثلاثة أيام في الجمعة : أي في الأسبوع .
وقولها : لم يفتش لنا كنفاً : أي لم يكشف لنا ستراً ، وهو كناية عن عدم إعطائها حقها من المعاشرة .
ومعنى ( لزورك ) : أي لزائرِك .
وفي رواية : ولِولدِك عليك حقّـاً .
ساحة النقاش