د.عبدالرحمن إبراهيم زنونى

الموقع الإستشارى لإنشاء مزارع الإنتاج الحيوانى

authentication required

كيف نتعامل مع الشخص المغرور والذي يرى في نفسه أن هذا الغرور هو ثقة بالنفس (او ثقة زائدة عن اللزوم) لدرجة انه لا يرد ولا يتقبل اي كلام تقوله له او نصيحة ويحب استغلا ل الاخرين وفي النهاية تكون انت دائما على خطأوهو دائما على صواب ؟؟؟ ولكن يستمع لك ويحاورك في حالة واحدة فقط اذا كانت له مصلحةعندك.
فهذا الشخص للأسف فقد وقع فريسة للأنا والاستعلاء على أقرانه ، وهي مصيدة شيطانية ترمي بشباكها على من ضعفت نفسه ولم تسعفه قدراته وثقته بنفسه أن يتجاوزها إلى التعافي .
وهنا يكون المحك والاختبار الحقيقي لسلوكياتنا وممارساتنا مع الآخر ، والسؤال يكون ..كيف نتعامل مع صاحب هذا السلوك؟
وقبل أن نجيب عن السؤال لا بد من أن نقي أنفسنا ابتداءً من الوقوع فريسة لمثل هذه الآفات بالتحصن ضدها وضمان عدم العدوى لأننا لسنا بمنئًعنها ، وقد تصيبنا لا قدر الله مثلما أصابت غيرنا ، وقد تصيب الملتزم قبل المفرطتحت ما يسمى " غرور التدين " أو " غرور التميز " أو غيرها من الملكات والمواهب التينملكها وتغيرنا بأن نحوم حول الحمى فنوشك أن نقع فيها أعاذنا الله وإياكم .

أما وأن الله قد عافانا منها فلنحمد الله ، ونسأله السلامة منها . ، ولنحذرمن أن تصيبنا هذه الآفة متخفية تحت أستار وعباءات يصعب رصدها . وهذا موضوع كبيرينبغي لمن أراد التحصن ضدها أن يقرأ في كتب الرقائق مثل " إحياء علوم الدين " ربعالمهلكات ، وكتاب " آفات على الطريق " للدكتور / سيد نوح ، وغيرها من الكتب التيتناولت هذه الصفة بتوسع حتى يتقي شرها . ولكن لا يمنع من نشير إشارات لطيفة حول هذاالموضوع حتى يكون لنا جرس إنذار وصيحة نذير .

فلو نظرتَ إلى المغرورجيِّداً لرأيت أ نّه يعيش حبّين مزدوجين : حبّاً لنفسه وحبّاً للظهور ، أي أنّالمغرور يعيش حالة أنانية طاغية ، وحالة ملحّة من البحث عن الإطراء والثناء والمديح . وفي الوقت نفسه ، تراه يقدِّم لنفسه عن نفسه تصورات وهمية فيها شيء من التهويل ،فمثلاً يناجي نفسه بأ نّه طالما حاز على إعجاب البعض ، ولديه بعض المميزاتوالمؤهلات الشخصية التي لا يتصف بها غيره ، فإنّه يعد نفسه فريد عصره وآوانه .

وهنا يجب التفريق بين مسألتين : (الثقة بالنفس) و (الغرور) .
فالثقة بالنفس ، أو ما يسمّى أحياناً بالاعتدادَ بالنفس تتأتّى منعوامل عدّة ، أهمّها : تكرار النجاح ، والقدرة على تجاوز الصعوبات والمواقف المحرجة، والحكمة في التعامل ، وتوطين النفس على تقبّل النتائج مهما كانت ، وهذا شيءإيجابي .أمّا الغرور فشعور بالعظمة وتوهّم الكمال ، أي أنّ الفرق بين الثقة بالنفسوبين الغرور هو أنّ الأولى تقدير للامكانات المتوافرة ، أمّا الغرور ففقدان أوإساءة لهذا التقدير . وقد تزداد الثقة بالنفس للدرجة التي يرى صاحبها ـ في نفسه ـالقدرة على كلّ شيء ، فتنقلب إلى غرور .

فالفتاةالجميلة التي تقف قبالة المرآة وتلقي على شعرها ووجهها وجسدها نظرات الإعجاب البالغ والافتتان بمحاسنها ، ترى أنّها لا يعوزها شيء وأنّها الأجمل بين بنات جنسها ، وهذاالرضا عن النفس أو الشكل دليل الفتنة التي تشغل تلك الفتاة عن التفكير بالكمالات أوالفضائل التي يجب أن تتحلّى بها لتوازن بين جمال الشكل وجمال الروح ، ولذا قيل : «الراضي عن نفسه مفتون» كما قيل أيضاً : «الإعجاب يمنع من الإزدياد» .

إنّ شعورنا بالرضا عن إنجازاتنا وتفوّقنا مبرر إلى حدٍّ ما ، لكن شعورنا بالانتفاخ فلا مبرر له ، هو أشبه بالهواء الذي يدور داخل بالون ، أو بالورمالذي قد يحسبه البعض سمنة العافية وما هو بالعافية ، وفي ذلك يقول الشاعر :

أُعيذها نظرات منكَ صادقةً***أن تحسبَ الشحمَ فيمن شحمُه ورمُ

القيم الثلاث:
لابدّ لنا ـ من أجل أن نكون موضوعيين في تقويماتنا ـ من أن نقدّر كلّ شيء تقديراًطبيعياً بلا مغالاة أو مبالغة أو تضخيم ، وبلا إجحاف أو غمط أو تقزيم . وهذا يستدعيالنظر إلى القيم الثلاث التالية بعين الحقيقة والواقع، وهي :

1 ـ اعرف قدر نفسك .
2 ـ اعرف ثمن ملكاتك .
3 ـ اعرف قيمة الدنيا .

فإذا عرفت قدر نفسك بلا تهويل ، وثمّنت ملكاتك بلا زيادة ، وعرفتقيمة الدنيا ـ كما هي ـ لا كما تصورها بعض الأفلام والروايات على أنّها جنّة الخلدوالمُلك الذي لا يبلى ، فإنّك تكون قد وضعت قدمك على الطريق الصحيح لاجتناب الغروروتفادي حالات التكبّر والتعالي .

بعد أن عرفنا قيمة أنفسنا ، وقيمة ملكاتنا، وقيمة الدنيا ، دعونا نطرح بين يدي كلّ مَنْ يستشعر الغرور والتكبّر ، الأمورالتالية لغرض التأمّل :

1 ـ لو أفقدني الله سبحانه وتعالى ـ وهو مالكي ومالكما أملك ـ كلّ ما لديَّ من صحّة وقوّة ومال وجمال .. هل كنتُ أستطيع إرجاعه إلاّبحول منه وقوّة ؟!


2 ـ حينما بذلتُ جهدي وسعيتُ سعيي ، على أي الأمور اعتمدت؟ أليس على الأدوات التي منحني الله إيّاها كالعقل واليد والعين والسمع والفموالقدم ، والتوفيق إلى ما يقصرُ عنه جهدي وسعيي وكفاحي ؟ فهل يكون موقفي موقف الزهووالانتفاخ ، وكلُّ ما بي من نعمة هو من الله ، أم أنّ موقفي أجدر بالشكر والثناءعلى المُنعِم ؟

3 ـ مهما كنت حائزاً على الملكات والفضائل .. هناك دائماًمَنْ هو أكثر منِّي :جمالاً ، ثراءً، قوة ،لماً، جاهاً .عبادة ... إلخ .
4 ـدعني أنظر إلى الناس كيف ينظرون إلى المغرورين ؟ .. دعني أتأمّل في مصير كلّ مغرورومغرورة لأرى كيف أنّ :

ـ الناس يمقتون وينفرون من المغرور .
ـ الناسينظرون نظرة دونية احتقارية للمغرور ، أي كما تُدين تدان ، ومَنْ رفع نفسه وُضع .
ـ المغرور يعيش منعزلاً لوحده وفي برجه العاجي .
ـ المغرور لا يستطيع أنيعيش أو يتجانس إلاّ مع ضعاف النفوس المهزوزين المهزومين ، وهو لا يقدر على التعايشمع مغرور مثله .
ـ المغرور يطالب بأكثر من حقّه ، ولذلك فإنّه يفسد استحقاقه .

5 ـ الغرور درجة عالية من الإعجاب بالنفس والانبهار بالملكات والمواهب ،وبالتالي فإذا كنتُ مغروراً فإنّي أنظر إلى نفسي نظرة إكبار وإجلال ، مما لا يتيحلي أن أتبيّن النقائص والمساوئ التي تنتابها ، فالغرور مانع من الزيادة في بناءالشخصية وفي عطائها .

6 ـ الغرور يبدأ خطوة أولى صغيرة .. إعجاباً بشيء بسيط .. ثمّ يتطوّر إلى الإعجاب بأكثر من شيء .. ثمّ ينمو ويتدرج ليصبح إعجاباً بكلّ شيء، وإذا هو الغرور والخيلاء والاستعلاء والتكبّر . فلو لم أقف عند الخطوة الأولىلأُراجع نفسي فأنا مقبلٌ على الثانية ، وإذا تجاهلتُ الأمر فأنا واقع في الثالثة لامحالة .
بعد التفكير والتأمّل في النقاط الست المارّة الذكر ، يمكن أن نبحث عنطرق علاج أخرى لظاهرة الغرور والتكبّر بين الشبان والفتيات.

نعود إلى صاحب هذه الصفة ونلقي بعض الضوء على إمكانية التعامل مع مثل هذه الشخصية ، فالذي يظهر منسلوكها إنها تتسم بالغرور أو الاعتزاز الشديد بالنفس أو نوع من الكبرياء والتعاليعلى البشر فلا بد أن ننظر إليها ابتداءً نظرة المشفق عليها الرؤوف بها ، لأنها فيحال مرض وتحتاج من يأخذ بيديها . فأنصح بأن نتخذ معها الخطوات الآتية :

1- احسن الظن بها ، فقد تكون طبيعتها الشخصية توحي بذلك وتضادف معها بعض التصرفات غيرالحميدة ، فالنفس الإنسانية أكثر تعقيداً من إمكانية تفسير تصرفاتها بدقة ، ومن ثميصعب على صاحبها التغيير بسهولة ، فهي في أمس الحاجة إلى دعم من رفاقها ومع منحولها لتجاوز هذا السلوك السيء .

2- كلما سنحت الفرصة خاصة في المناسباتالمؤسفة والحزينة التي تمر بها ذكريها بسيرة العظماء المتواضعين .. كيف كانوا علىالرغم من سعة علمهم وعظمة أعمالهم وجلالة قدرهم وخدماتهم للانسانية ، إلاّ أ نّهم كانوا لا يعيشون حالة الورم في شخصياتهم ، بل تراهم كلّما ازدادوا علماً تواضعوالله وللناس أكثر .. هكذا هم الأنبياء .. وهكذا هم العلماء .. وهكذا هم ساداتأقوامهم ، ولم يكن تواضعهم الجمّ ليقلّلهم أو يصغّرهم في أعين الناس ، أو ينتقص منمكانتهم . بل بالعكس كان يزيد في حبّ الناس واحترامهم لهم ، وتقديرهم والثناء علىتواضعهم .

3- مرري على آذانها كلما سنحت الفرصة ، ويفضل بطريقة غير مباشرةبالآيات والنصوص والحكم والمواعظ والقصص الذامّة للغرور والمغرورين . فنصيحة لقمانلابنه في التواضع ، هي لكلّ الشبان والفتيات وليست لابن لقمان وحده : (ولا تصعّرخدّك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً ) ، استدرجيها إلى حلقة علم ، واختاري بعضالآيات التي توصي بالتواضع ولين الجانب والتبسط ، واذكري في ثنايا خطابك تواضعنبينا محمد صلى الله عليه وسلم رغم أ نّه أشرف الخلق وسيِّد الأنبياء ، مدرسةنتعلّم فيها كيف نكون من المتواضعين .

4- والله تعالى يقول للمغرور ، اعرفحدودك وقف عندها ، فإنّك لن تتجاوز قدرك مهما فعلت (لا تمشِ في الأرض مرحاً فإنّكلن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) ، وتذكّر العاقبة : (أليس في جهنّم مثوىللمتكبّرين ) .

5- من منطلق حديث رسولنا الكريم " انصر أخاك ظالماً كان أومظلوماً " عليك بعدم مجاراتها والإعجاب بهذا السلوك القميء بإظهار التبرم وعدمالرضا .

6- كوني أنت قدوة لها ، وبادريها بالسلام والتحية ، وحاولي أن تركزيعلى السلوك الإيجابي بها ، ولا تتحدثي كثيراً عن سلوكها السلبي إلا عرضاً ، وبتخطيطمسبق وصيغة معدة .

7- احذري من الهجوم المزدوج ، والوقوع في شراك العجببالنفس والتميز عنها بأنك لست مغرورة أو متكبرة أو أو ...

8- لا تتناوليهاأنت وصديقاتك في غيابها بالحديث عن هذا السلوك من قريب أو بعيد ، فقط إذا ذكرتعاونوا سوياً على مساعدتها برسم خطة لدعمها ومساندتها .

9- لا تنسياستخدام السلاح الفعال في انقضاء الأمور وانفراج الهموم .. ادع لها في ظهر الغياببتضرع وإخلاص بأن ينقي الله قلبها من هذا الداء . وأن يجري على يديك ما فيه خيرها .

أخيراً جميل منا أن نعلم إن كل ما يدار من حولنا من أحداث وابتلاءات هو لحكمة لا يعلمها إلا الله ، ورسالة من الله يجب على كل منا أن يتلقاها بذكاء وبفطنة ويدرك الدور والمسئولية التي ألقيت عليه حال وصول تلك الرسالة له ...... تعاملي مع هذه القضية واجعليها مشروعك الإصلاحي أو رسالتك التي تتبنيها ،واحشدي لها كل طاقاتك الإبداعية ، وأكثري من الإطلاع والقراءة في هذا الباب حتى تتكون لديك قاعدة ثقافية عريضة تستطيعي من خلالها التعامل بحكمة وعلم مع هذه الحالة .
وحفظنا الله وإياكم من الكبر والغرور ورزقنا التواضع وحسن الخلق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المصدر: Nour Islamna
Drzanouny

د.عبدالرحمن زنونى - استشارى الثروة الحيوانية- استاذ(م) بقسم الإنتاج الحيوانى-كلية الزراعة-جامعة المنيا-جمهورية مصر العربية [email protected](002)01092994085

  • Currently 135/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
41 تصويتات / 846 مشاهدة
نشرت فى 4 إبريل 2010 بواسطة Drzanouny

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

785,064