الاثنين، 1 سبتمبر، 2014

قصة شجرة

"قصة شجرة"بقلم/سعيد محمد المنزلاويهل تأملت هذه الشجرة الناضرة، وهذه الفتاة التي تجلس تحتها؟ إن علاقة هذه الشجرة بتلك الفتاة كأم رءوم تحنو على صغيرها، كعاشق ولهان يعانق حبيبته. هل رأيت شجرة تبكي؟ إن هذه الشجرة تبكي. هل أبصرت زهرة تضحك؟ إن زهراتها تضحك، وتغني، وترقص، فقط عندما تأوي إليها هذه الفتاة. لست أدري هل ستصدقونني عندما أحكي لكم قصة هذه الشجرة. ولكنني أجد شيئًا ما يدفعني إلى أن أحكي لكم عن تلك العلاقة الحميمة بين الشجرة والفتاة.
هو شاب كان يحب القراءة، ولكنه كان يهوى لونًا غريبًا من القراءة، كان يقرأ عن تناسخ الأرواح وحلولها. وقد صرفته هذه القراءات عن الناس؛ فأصبح منفردًا وحيدًا000"سامرٌ"، هذا هو اسمه، "جمانة"، تلك هي الفتاة التي اقتحمت عزلته ووحدته، فأحالتها إلى نغم عاطر، ونور رقراق. لكنَّ "سامرًا" كان يغلب عليه الخجل بعض الشيء؛ فلم يستطع أن يبوح لفتاته بما يحمله لها من حب وهوى. كان يقضي الساعات الطويلة في شرفة منزله، يترقب خروجها من بيتها أو عودها إليه؛ ليملأ ناظريه من محياها، ويترع كأسه من نغم صوتها الآسر. وما أن تغيب عن ناظريه حتى يظل الساعات يسترجع عبير عينيها، ويستدعي إشراق محياها. يستحضر روحها، ويظل يكلمها ويناجيها ويسامرها. أما هي، فلم يكن يدري هل تبادله الشوق والهوى؟هل ينبض بحبه قلبها؟ هل تشعر بحرارة وجده، وشدة شوقه، أم أن الأمر لا يعنيها؟ ربما أهدته ابتسامة عابرة كلما التقت عيناهما، ربما لوحت له مرة أو مرتين بيدها، فحلق في سماوات من البهاء والنور000 وذات ليلة، وبينما هو يقرأ عن تناسخ الأرواح، وثب من جلسته كمن لدغه عقرب، وراح يدور في غرفته جيئة وذهابًا، ثم قفز فوق سريره، ومدد ذراعيه وساقيه، ثم أغمض عينيه، وسبحت روحه في ملكوت جديد. أشرقت الشمس فنهض "سامر" من نومه؛ لينفذ فكرة استقرت عليها نفسه، فإذا كان أصل الإنسان والحيوان والنبات واحدًا، فيمكن استحالة أحدها إلى الآخر. هكذا قرأ في كتبه. وما عليه إلا أن ينفذ تلك الخطوات التي تجعله يستحيل كائنًا آخر،وبنفس الخطوات يعود بشرًا كما كان. كـان "سامر" فــي شرفة منزله عندمـا دارت برأسه هذه الأفكار. وفي ذات اللحظة شاهد محبوبته في حديقة منزلها تسقي زهرة السوسن، وتربت عليها في حنان دافق؛ فتمنى أن لو كان هو تلك الزهرة. وفي الحال لمعت في ذهنه تلك الفكرة، لما لا يكون شجرة نضيرة في حديقة محبوبته، لينعم بالقرب منها، وتنعم هي بظلالها. وفي صباح اليوم التالي فوجئت "جمانة" بشجرة نضيرة في حديقتها، فارتسمت على ثغرها الآسر بسمةٌ مشرقة، أُخِذَت بها، فنسيت أن تسأل من أين جاءت، ومن أحضرها. واستقدمت أريكتها وجعلت جلستها الدائمة تحت ظلال تلك الشجرة النضيرة. ولأمر ما ارتبطت "جمانة" بالشجرة، وشعرت ناحيتها بميل عجيب، فجعلت تحدثها، تسامرها، تضاحكها، و"سامر" أو الشجرة ترقص طربًا وتبعث إليها بعبيرها الفواح، وتربت على كتفها النحيل بغصن مورق حان. لم يكن من السهل أن يتحول "سامر" من إنسان إلى شجرة، ومن شجرة إلى إنسان، كما يشاء، ولكن ذلك التحول لا يكون إلا ثلاث مرات فقط. وفي المرة الثانية باحت "جمانة" لشجرتها بحبها وتوقع "سامر" أنها ستتحدث عنه، ولكنها تحدثت عن شخص آخر. طال حديثها عنه، حتى يبست الشجرة، وتساقطت أوراقها حزنًا وأسى. كان الذي يتمزق هو "سامر" نفسه". لم تلحظ "جمانة" ما يجري لشجرتها الأثيرة"، فقد كانت تسبح في ملكوت من الشوق والهوى، كانت عيناها حالمتين، نديتين، لم تدر أن دموع شوقها كانت تحرق جذور شجرتها، كانت تشعل النار في فروعها الظليلة. ثم غادرت المكان، فعاد "سامر" إلى صورته، ونفسه تكاد تذهب حزنًا وأسى. في صباح اليوم التالي لم تجد "جمانة" شجرتها الأثيرة، فحزنت لفقدها، وراحت تبحث عنها، وتسأل كل إنسان. شعرت كأنها فقدت إنسانًا عزيزًا، وصديقًا حميمًا.شاهد "سامر" حيرتها وحزنها؛ فتمزقت نفسه، هو لا يحب أن يراها حزينة، وحسبه من حبها قربه منها. لم يبق إلا تحول واحد، لو استحال هذه المرة إلى شجرة لن يعود إنسانًا مرة أخرى. ولكنَّ حيرتها تقض مضجعه، وحزنها يستل روحه، فآثر أن يعيش معها ولو كشجرة حانية، تبعث لها العطر، وتهبها الظل، وتنعم هي بريها وحنانها ودفء أناملها وحلو سمرها. ولكم كانت سعادة "جمانة" بعودة شجرتها الأثيرة مرة أخرى، ولكم كانت سعادة "سامر" وهو شجرة نضيرة تبسط فروعها المورقة على محبوبته، فيهبها الظل والعطر و000 الحب.                     (غرة شوال1432هـ).
                     30/8/2011م
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 148 مشاهدة
نشرت فى 15 يونيو 2015 بواسطة Drsaidalmnzlawy

عدد زيارات الموقع

6,656