عبر حوار تليفزيونى على احدى القنوات المصرية تلقيت سؤالا تقليديا حول مشكلة البطالة فى مصر و كيفية التصدى لها ، وكيف  استمرت هذه المشكلة عبر سنوات كقنبلة موقوتة –كما وصفتها مقدمة البرنامج – تهدد الاستقرار و الحالة الاقتصادية ، و الاجابة المستخدمة غالبا فى الرد على هذا السؤال هى اجابة عادة  ما تكون اكثر تقليدية و تكرارا من السؤال نفسه و هى اقامة العديد من المشروعات لتوفير فرص عمل للشباب  ،او تشجيع الشباب على اقامة مشروعات صغيرة ، أو زراعة الصحراء .... أو..أو ...والعديد من الردود التى حفظها المشاهد عن ظهر قلب و كأنها مشهد من فيلم كوميدى فى فترة الستينيات ، ولم يدرك احد ان هناك مشكلة اكثر خطورة من عدم توافر فرص عمل قد تكون هى السبب الرئيسى للبطالة فى مصر و هى عدم توافر" قوى عاملة" ، بالرغم من العدد الكبير للعاطلين بمصر الا أننا نواجه مشكلة  نقص فى العمالة ، فهناك فارق كبير بين البشر و القوى البشرية، فليس كل عاطل هو باحث عن عمل و ليس كل باحث عن عمل هو صالح للعمل و هذه هى الكارثة الكبرى.. ما فقدناه ليس فقط المشروعات المقامة على أرض الوطن و التى يمكن اعادة تنشيطها بجذب بعض الاستثمارات ، و انما هى طاقة البشر التى تحتاج لسنوات لاعادة شحنها ، لن اتحدث فقط عن عدم توفر العمالة المدربة، وهى مشكلة كبرى، و لكن الأصعب هو عدم توافر العمالة القابلة للتدريب بعد ان أصبح هناك حالة من الاحباط العام لدى الشباب المصرى جعلته يفقد الحماس للتعلم و يبحث عن الأعمال السهلة غير الحرفية و التى لا تتطلب مجهودا أو وقتا فى تعلمها  بداية من قيادة "التوك توك"  و انتهاء بتحضير الشيشة بالمقاهى ، مما ادى الى حالة مزمنة من البطالة و خاصة فى الوظائف التى تطلب مهارات و تدرب ، و هى حالة سببها غياب القوى العاملة قبل ان تكون نقص المشروعات و ضعف طاقة الرغبة فى العمل لدى الشباب قبل ان تكون ضعف طاقة محركات المصانع ، و تتعقد هذه المشكلة اكثربانتشار وسائل الكيف الحديثة من "البانجو " و "الترامادول"  والتى صارت جزء من السلوك اليومى لدى الكثير من الشباب واتخذت " الاصطباحة" شكلا جديدا غير كوب الشاى و ساندوتش الفول فقد تطورت لتحمل مفهوم الكيف و المزاج العالى، و هو مزاج مكلف و يحتاج لمصاريف قد لا توفرها الوظيفة و لكن يمكن البحث عنها من خلال طرق اسهل و اسرع للحصول على المال، و لا تزال المهنة الجادة شاغرة مما اضطر العديد من اصحاب بعض المصانع بالمدن الصناعية الى استيراد عمالة من دول مثل الهند و بنجلاديش لأنها أكثر التزاما حتى و لو كلفتهم اكثر من العمالة المصرية، و لو انتقلنا الى شريحة اخرى من الشباب المتعلم الذى لازال يمتلك قدرا ضئيلا من الطموح فسنجد أن معظمهم من ضحايا التعليم ، فالقالب الذى وضعته فيه دراسته الجامعية اصبح يشكل حاجزا بينه و بين اى مهنة بسيطة يمكن ان يمتهنها ، و فى الوقت نفسه هو لا يجد الفرصة التى تتناسب مع ما تعلمه او بمعنى أدق مع ما توهم انه تعلمه ، ففى الغالب هو لم يتعلم شيئا مفيدا ، و قد سئلت ذات مرة لماذا يرتضى الشاب المصرى أن يغسل الصحون فى أوروبا بينما لا يفعل ذلك فى مصر ؟  فكانت اجابتى على الفور هى اعتذار لكل شاب مصرى لم نوفر له حتى المناخ الاجتماعى الصحى الذى يسمح له بممارسة عمل شريف بدون أن يخجل من ذلك بل بالغنا فى خداعه عندما اوهمناه اننا نعده لسوق العمل من خلال ما اطلقنا عليه بنظام التعليم المجانى و هو فى الحقيقة لا نظامى و لا تعليمى و لا مجانى و لا هو الطريق الى سوق العمل أو  الى سوق العبور حتى. و يبقى شريحة اضيق و اضيق من الشباب الذى استطاع ان يعمل فى مجال تعلمه سواء عن طريق " الواسطة " او "طاقة قدر" من السماء و لكنه يعانى من ضعف الاجر أو البيروقراطية و عقم النظام الادارى.

 

و لا انكر انه لا يزال هناك العديد من الشباب المصرى الذى لا زال يتمتع بصحته النفسية و الذى يمتلك قدرا هائلا من الطاقات و المقومات ، كما أنه يوجد ايضا العديد من الوظائف الجيدة التى يوفرها القطاع الخاص او غيره من القطاعات من خلال اساليب ادارة علمية نفخر بوجودها على ارض مصر ، ولكنها نسبة ضئيلة من الفرص و الكفاءات لا تكفى لمواجهة تحديات الاقتصاد أو لوضع رؤية و هدف لبلد عظيم مثل مصر.

 

المشكلة الحقيقية ليست فى " العمل" و انما فى " العمالة " و ليست فى " المصانع " و انما فى" الصانع "،و  ليست فى نقص" البشر " و انما فى نقص " القوى البشرية".

 

و الحل الحقيقى هو انه قبل ان نفكر فى اقامة المشروعات و بناء المؤسسات علينا ان نفكر فى اعادة بناء البشر.

 

المصدر: د عصام خليفة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 115 مشاهدة
نشرت فى 21 يونيو 2013 بواسطة DrEssamKhalifa

عدد زيارات الموقع

3,572