ولادته ونشأته
ولد أبو حامد الغزالي في قرية "غزالة" القريبة من طوس من إقليم خراسان عام 450 هـ الموافق 1058م، وإليها ينسب. ونشأ في بيت فقير من عائلة خراسانية وكان والده رجلاً زاهداً ومتصوفاً لا يملك غير حرفته.
تعليمه
ابتدأ طلبه للعلم في صباه، فأخذ الفقه في طوس، ثم قدم نيسابور ولازم إمام الحرمين الجويني في نيسابور فأخذ عنه جملة من العلوم في الفقه وأصوله وعلم الكلام والمنطق، وفي هذه الفترة ألف الغزالي كتابه "المنخول" وعرضه على شيخه الجويني،فأعجب به قائلاً: «دفنتني وأنا حي! هلا صبرت حتى أموت؟!». واجتهد الغزالي في طلب العلم حتى تخرج في مدة قريبة وصار أفضل أهل زمانه وأوحد أقرانه.
شيوخه
درس الغزالي على عدد من العلماء والأعلام، منهم:
أحمد الرازكاني، أخذ عنه الفقه في طوس، وأبو نصر الإسماعيلي، وأبو المعالي الجويني، أخذ عنه الفقه وأصوله وعلم الكلام والمنطق والفلسفة، والفضل بن محمد الفارمذي، تلميذ أبو القاسم القشيري، والذي اشتهر في زمانه حتى صار مقصد طالبي التصوف، وقد أخذ عنه الغزالي التصوف.
تجربته المعرفية والروحية
مرّ الغزالي في حياته بمرحلة شكَّ خلالها في الحواس والعقل وفي قدرتهما على تحصيل العلم اليقيني (وتسمى فترة الشك وهي أزمة معرفية) ودخل في مرحلة من السفسطة غير المنطقية حتى شفاه الله منها بعد مدة شهرين تقريبًا، ويذكر الغزالي قائلا عن نفسه: ولما شفاني الله من هذا المرض بفضله وسعة جوده، أنحصرت أصناف الطالبين عندي في أربع فرق:
المتكلمون: وهم يدَّعون أنـهم أهل الرأي والنظر.
الباطنية: وهم يزعمون أنـهم أصحاب التعليم والمخصوصون بالاقتباس من الإمام المعصوم.
الفلاسفة: وهم يزعمون أنـهم أهل المنطق والبرهان.
الصوفية: وهم يدعون أنـهم خواص الحضرة وأهل المشاهدة والمكاشفة.
فقلت في نفسي: الحق لا يعدو هذه الأصناف الأربعة، فهؤلاء هم السالكون سبل طلب الحق، فإن شذَّ الحق عنهم، فلا يبقى في درك الحق مطمع... فابتدرت لسلوك هذه الطرق، واستقصاء ما عند هذه الفرق، مبتدئاً بعلم الكلام، ومثنياً بطريق الفلسفة، ومثلثاً بتعلم الباطنية، ومربعاً بطريق الصوفية.
ولم يجد الغزالي ضآلته المنشودة في علم الكلام، ورآه غير واف بمقصوده، وكذلك لم يجد ضآلته في الفلسفة ورآها غير جديرة بما يمنحها الناس من ثقة، وأيضا لم يجد ضآلته عند الباطنية، ورآهم غارقين في حيرة، فوصل أخيرا عند الصوفية، وعندها ابتدأ اعتزاله عن الناس وسفره.
الصوفية، ووجد ضالّته عندهم :
عندما فرغ الغزالي من هذه العلوم، أقبل بهمته على طريق الصوفية، وبما أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل؛ وكان حاصل علومهم قطع عقبات النفس. والتنـزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بـها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله. ابتدأ الغزالي بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل: قوت القلوب لأبي طالب المكي. كتب الحارث المحاسبي. المتفرقات المأثورة عن الجنيد. المتفرقات المأثورة عن الشبلي. المتفرقات المأثورة عن أبي يزيد البسطامي.
عند ذلك لاحظ الغزالي على نفسه انغماسه في العلائق وأنه في تدريسه وتعليمه مقبل على علوم غير مهمة ولا نافعة في طريق الآخرة، ونيته غير خالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت. فلم يزل يتفكر فيه مدة، يصمم العزم على الخروج من بغداد ومفارقة تلك الأحوال يوماً، ويحل العزم يوماً، ويقدم فيه رجلاً ويؤخر عنه أخرى، حتى جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار، ثم دخل الشام، ثم رحل منها إلى بيت المقدس، ثم إلى الحجاز.
ودام الغزالي في خلوته مقدار عشر سنين؛ ليصل إلى نتيجة وهي في قوله: إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق. بل لو جُمع عقل العقلاء، وحكمة الحكماء، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء، ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم، ويبدلوه بما هو خير منه، لم يجدوا إليه سبيلاً. فإن جميع حركاتـهم وسكناتـهم، في ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة؛ وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به.
وخلال فترة اعتزاله ألف الغزالي كتابه إحياء علوم الدين والذي ابتدأ تأليفه في القدس ثم أتمـه بدمشق، وهو يمثل تجربته التي عاشها في تلك الفترة. ويعتبر كتاب الإحياء أحد أهم كتبه التي ألفها، وأحد أهم وأشمل الكتب في علم التصوف. حتى أنه قيل عنه: من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء. كما وألف كتابه "المنقذ من الضلال" كتب فيه قصة اعتزاله وعودته، فاتسم منهج الإمام الغزالي بعد مسيرته الصوفية بشيء من الوسطية ووقف بآرائه ضد العصبية الدينية والأفكار التكفيرية.
عودته إلى بلده
عاد الغزالي إذن إلى وطنه طوس لازماً بيته مقبلاً على العبادة ونصح العباد وإرشادهم ودعائهم إلى الله تعالى، والاستعداد للدار الآخرة ، وكان معظم تدريسه في التفسير والحديث والتصوف. فلما صارت الوزارة إلى فخر الملك أحضره وسمع كلامه وألزمه بالخروج إلى نيسابور فخرج ودرس ثم عاد إلى وطنه واتخذ في جواره مدرسة ورباطًا للصوفية وبنى دارًا حسنة وغرس فيها بستانًا وتشاغل بالقرآن وسمع الصحاح.
نظرياته التربوية :
يعد أبو حامد الغزالي من كبار المفكرين المسلمين بعامة ومن كبار المفكرين بمجال علم الأخلاق والتربية بخاصة، وقد استفاد الغزالي من تجربته العميقة معتمدا على الشريعة الإسلامية في بناء منهجية متكاملة في تربية النفس الإنسانية. كما بين الطرق العملية لتربيه الأبناء وإصلاح الأخلاق الذميمة وتخليص الإنسان منها، فكان بذلك مفكراً ومربياً ومصلحاً اجتماعياً في آن معاً.
مؤلفات الغزالي :
ألّف الإمام الغزالي خلال مدة حياته (55 سنة) الكثير من الكتب في مختلف صنوف العلم، حتى أنه قيل: إن تصانيفه لو وزعت على أيام عمره أصاب كل يوم كتاب. حيث بلغت 457 مصنفا ما بين كتاب ورسالة، كثير منها لا يزال مخطوطا، ومعظمها مفقود، ومن هذه الكتب:
في العقيدة وعلم الكلام والفلسفة
مقاصد الفلاسفة- تهافت الفلاسفة -الاقتصاد في الاعتقاد -بغية المريد في مسائل التوحيد -إلجام العوام عن علم الكلام- المقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى - فضائح الباطنية - القسطاس المستقيم...
في الفقه وأصوله والمنطق
المستصفى في علم أصول الفقه- المنخول في تعليقات الأصول - الوسيط في فقه الإمام الشافعي.
في التصوف
إحياء علوم الدين- المنقذ من الضلال- روضة الطالبين وعمدة السالكين- الأربعين في أصول الدين-معارج القدس في مدارج معرفة النفس.مشكاة الأنوار- ميزان العمل- أيها الولد المحب-كيمياء السعادة
قال العلماء عنه :
شيخه أبو المعالي الجويني: الغزالي بحر مغدق.
وقال الذهبي: الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين الدين أبو حامد محمد بن محمد الطوسي الشافعي، الغزالي، صاحب التصانيف والذكاء المفرط.
ابن الجوزي: صنف الكتب الحسان في الأصول والفروع، التي انفرد بحسن وضعها وترتيبها، وتحقيق الكلام فيها.
تاج الدين السبكي: حجة الإسلام ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام، جامع أشتات العلوم، والمبرز في المنقول منها والمفهوم، جرت الأئمة قبله بشأو ولم تقع منه بالغاية، ولا وقف عند مطلب وراء مطلب لأصحاب النهاية والبداية.
ابن النجار: أبو حامد إمام الفقهاء على الإطلاق ورباني الأمة بالاتفاق، ومجتهد زمانه، وعين أوانه برع في المذهب والأصول والخلاف والجدل والمنطق وقرأ الحكمة والفلسفة، وفهم كلامهم وتصدى للرد عليهم، وكان شديد الذكاء، قوي الإدراك، ذا فطنة ثاقبة، وغوص على المعاني.
أبو الحسن الشاذلي: إذا عرضت لكم إلى الله حاجة فتوسلوا إليه بالإمام أبي حامد[12].
أبو العباس المرسي: إنا لنشهد له بالصديقية العظمى[12].
ابن العماد الحنبلي: الإمام زين الدين حجة الإسلام، أبو حامد أحد الأعلام، صنف التصانيف مع التصون والذكاء المفرط والاستبحار في العلم وبالجملة ما رأى الرجل مثل نفسه[13].
ابن كثير: كان من أذكياء العالم في كل ما يتكلم فيه.
أبو بكر ابن العربي: رأيت الغزالي ببغداد يحضر درسه أربعمائة عمامة من أكابر الناس وأفاضلهم يأخذون عنه العلم[14].
وفاته:
توفي أبو حامد الغزالي يوم الاثنين 14 جمادى الآخرة 505 هـ، الموافق 19 ديسمبر 1111م، في مدينة طوس، وسأله قبيل الموت بعض أصحابه: أوص، فقال: عليك بالإخلاص فلم يزل يكررها حتى مات.
ساحة النقاش