منذ النشوء الأول عام 1895 أخذت السينما تسير في اتجاهين رئيسين: الواقعية والانطباعية، بتقديم جورج ميليه فيلمه ”رحلة إلى القمر“ وتقديم الإخوة لوميير بالمقابل”الخروج من المعامل“.

 

 

وعلى الرغم من إن معنى الواقعية غالباً ما يعد غامضاً ومثيراً للالتباس داخل عالم الفن وخارجه على السواء، حيث يختلف معنى الكلمة، تبعاً للنشاط الإنساني الذي تأتي في سياقه.وتعود صعوبة تعريف الواقعية في السينما إلى إن معظم الأفلام تحتوي على رسائل ووظائف متعددة، مما يخلق مستويات عديدة لتذوقها وتفسيرها، مثلما هو الحال في أفلام لوكينو فيسكونتي وبيرناردو بيرتولوتشي والإخوان تافياني، فالفيلم_ ووسيطه السينمائي_ يمكن أن يكون واقعياً لأنه يشير إلى أشياء مادية ذات وجود واقعي، كما يمكن في الوقت نفسه أن يكون فيلماً ذاتياً لأنه يعبر على نحو أو آخر عن رؤية فنية تجاه الواقع، خاصة بصانعيه، لكنه قد يكون أيضا فيلماً دعائياً على نحو ما، لأنه لابد أن يدعو إلى وجهة نظر محددة، وهو في النهاية ذو طابع جمالي لأن له شكلاً خاصاً ومميزاً.

 

 

السينما إذن قادرة على أن تكون واقعية، لأنها تستطيع أن”تسجل“ صورة الواقع، وتقدمه بأمانة كبيرة إلى المتلقي، وهي قادرة أيضا على ألا تكون واقعية. لأنها تستطيع أن تتلاعب بصورة ومضمون الواقع الحقيقي وتغير فيه، حتى قد تخلق واقعاً جديداً، والسينما يمكن لها أن تكون واقعية بقدرتها على محاكاة الإدراك الواقعي في البعدين المكاني والزماني، كما يمكن لها ألا تكون واقعية لأنها تصدم ذلك الإدراك وتتصادم معه، والسينما تستطيع أن تشير إلى الواقع بقوة وعمق، إلا إنها تستطيع أيضا أن تهدف إلى الهروب منه.والسينما في النهاية قادرة على أن تأخذ شكلاً واقعياً، بينما تتبنى مضموناً غير واقعي، كما إنها قادرة على التعبير المكثف عن الواقع من خلال أساليب وأشكال غير واقعية على الإطلاق.ولعل مشكلة السينما مع النظريات الواقعية ليست إلا جزءاً من مشكلة الإبداع الفني الخلاق في صراعه مع الرغبة  الفلسفية في التنظير والتجريد وإطلاق الأحكام القاطعة، لذلك فان السينما ظلت تعاني من النظريات الواقعية بقدر معاناتها من النظريات الانطباعية.فكل نظرية سينمائية تزعم إنها تملك الحقيقة حول”جوهر“ السينما.

 

 

فالواقعيون يعتقدون إن هذا الجوهر يتجسد في قدرة السينما على تسجيل العالم الواقعي المادي.ومن ثم تقربنا منه، بينما يزعم الانطباعيون إن السينما لن تستطيع أن تحقق وجودها كوسيط فني، إلا إذا أعطت ظهرها لمحاكاة الواقع، واتجهت إلى تصوير ما هو غير واقعي، بقدرتها على أن تجعل الخيال شيئاً ملموساً، وهكذا فإنها توسع مفهوم العالم المادي بحيث يشمل كل المستحيلات المكانية والزمانية التي اكتشفها ميلييه، ثم طورها واستخدمها من بعده لوي بونويل، ومايا ديرن، ولاحقاً الآن رينيه.

 

 

وفي الحقيقة إن السينما تحتوي على عناصر فنية عديدة تشترك فيها مع فنون أخرى، يمكن أن نقول أن السينما انحدرت منها، لذا فان من المستحيل أن تجد لفن السينما أبا واحداً، فإذا كان البعض يرى إن الأب الشرعي للسينما يتمثل في ”المصباح السحري“ أو”الصورة الفوتوغرافية“ أو”صندوق الدنيا“ فان السينما تطورت أيضا من خلال القصص الصحفية المصورة، ومن المسرح وعروض السحرة والحواة، وكل ذلك جعل من الخطاب السينمائي حاملاً لجزء من الدلالة العامة للعمل الفني مكثفاً المظاهر المعرفية فيه.

المصدر: مـدونة : أطياف ليث الربيعي
Cinema

SFG

  • Currently 46/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 421 مشاهدة
نشرت فى 3 سبتمبر 2010 بواسطة Cinema

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

46,934