البَرْبَاش.                  

 

فِي قَبْضَة الفَقْرِ المَقِيتِ كَانَ يَأْوِي الحَاوِيَة...

يَطْلُبُ سَنَدًا رَغيفًا لِبُطُونٍ خَاوِيَة..

مَدَّ وَجْهًا ذَابِلاً رَجَّهُ الدَّهْرُ بِيَأْسٍ، وَعُيُونًا ذَاوِيَة..

هَمُّهُ كَنْزٌ دَفِينٌ بَيْنَ أَشْتَاتِ الفُتَاتِ،

وَجِرَاحٍ عَاوِيَة..

عِنْدَمَا كُنْتُ مَرَرْتُ جَنْبَهُ،

لَمَحَ فُضُولِي وَأَنَا أُحَدِّقُ البَصَرَ إِلَيْه..

وَكَأَنَّنِي أَطْلُبُ شَيْئًا ثَمِينًا عِنْدَهُ بَيْنَ يَدَيْه..

نَفَضَ المِسْكِينُ هَمًّا...شَاحَ عَنِّي قَاصِدًا أَمْرًا يَهُمُّ وَلَدَيْه..

تَاهَتْ عُيُونِي عِنْدَهُ، وَبِخَطْوِي سِرْتُ نَحْوَهُ..

وَسَأَلْتُ نَفْسِي عَنْ كُنُوزٍ مِنْ ذَهَبْ..

حَازَهَا الأَبَاطِرَةُ الجُدُد.... وَرِيَاشِ أَبِي لَهَبْ..

وَجَمَاعَةِ الحَقِّ المُبِين.....وَإِمَامِ ثَوْرَةِ العِزِّ المَكِين..

أَيْنَ أَنْتَ أَيُّهَا البَدْرُ المُنِير؟

وَكُنُوزُكَ المَدْفُونَةُ لِزَمَانِ غَيْرِكَ، هِيَ مِنْ حَقِّ الأَسِير..

وَوَقَفْتُ عِنْدَ جُثَّةٍ تَتَنًفَّسُ الرَّمَقَ الأَخِير..

الثَّوْبُ بَالِيَةٌ وَالرِّجْلُ حَافِيَةٌ وَالدَّمْعُ زَاحِفَةٌ..

وَالعَيْنُ غَائِرَةٌ وَالخَدُّ ذَابِلَةٌ وَالصَّدْعُ نَاتِئَةٌ..

وَهِي تُرَتِّبُ أَمْرَهَا لِتَنَالَ مَا يَلْقَى الأَجِير..

نَظَرَ إِلَيَّ شَاحِبَ المَاءِ وَتَاهَ يَشْكُو فَرَاغَ الحَاوِية...

"كُنْتُ أَلْقَاهَا سَمِيكَةَ الخَيْرَاتِ مِنْ كُلِّ الهِبَاتِ،

وَاليَوْمَ أَنَا المَغْدُورُ فِي قُوتِي أَرَانِي كَالرُّفَاةِ...

كَيْفَ سَأُطْعِمُ شِبْلَيْنِ، كَمَا تَرَى، ذَاقَا مِنْ مُرِّ الحَيَاةِ...

كُسِرَتْ جَنَاحِي. طَوَّقَ اليَأْسُ فُؤَادِي لِفَرَاغِ الحَاوِيَاتِ..

لَمْ يَبْقَ لِي مِنْ مَهْرَبٍ سِوَى السّطْوِ عَلَى أَمْلاَكِ العُتَاةِ..

لَكِنَّ جَهْدِي هَدَّهُ النَّزَقُ الوَفِيرُ لِسُرَّاقِ الحَيَاةِ".

قَوْلُهُ دَمَغَ الفُؤَادَ..تُهْتُ فِي عُنْفِ الحَضَارَة..

بَيْنَ أَسْقَامِ اليَتَامَى وَبَلاَغَاتِ العِبَارَة..

خُطَبٌ تُقَامُ فِي القُلُوبِ، تَسْمَعُ شَدْوَ الإِمَارَة..

فَإِذَا انْثَنَيْتَ لِلطَّرِيقِ لاَ تَرَى إِلاَّ العَطَبْ..

وَتَرَى المَوْتَ البَطِيءَ وَحَمَاقَاتِ النُّخَبْ..

وَتَرَى الحَقَّ السَّلِيبَ..

وَتَرَى سُوءَ الأَدَبْ..

وَتَرَى المِسْكِينَ يَشْكُو مِنْ حُقُوقٍ تُغْتَصَبْ..

لَمْ يَعُدْ فِي الحَاوِيَاتِ حَتَّى أَعْوَادِ الحَطَبْ..

أَيُّهَا البَرْبَاشُ... اِنْهَضْ...

وَامْلَأْ الكَأْسَ غَضَبْ.... 

 

صالح سعيد / تونس الخضراء..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 69 مشاهدة
نشرت فى 6 أكتوبر 2021 بواسطة Boudiefsoundou

عدد زيارات الموقع

38,422