الأعمال بسرعة الخاطرة - بيل جيتس (6)

توظيف المعلومات

بعد إدخال الجهاز ENIAC، وهو أول حاسوب معمم الأغراض، أثناء الحرب العالمية الثانية برهنت الحواسيب حثيثاً أنها أسرع وأدق من الناس في تطبيقات كثيرة كإدارة سجلات العملاء في المؤسسات الكبرى والتسيير الآلي لأى عملية ميكانيكية يمكن تجزءتها إلى خطوات متميزة متكررة. غير أن الحواسيب لم تكن تعمل بمستوى عالٍ. لقد كانت تساعد الناس ولكن ليس بطريقة ذكية. إن الأمر يحتاج إلى مقدرة ذهنية لفهم الجوانب الفيزيائية واستنباط الحسابات الخاصة بالمسارات القوسية لقذائف المدفعية أو الصواريخ الباليستية، بينما لا يتطلب سوى خادم بليد – الحاسوب- لإجراء تلك الحسابات في لحظة.

تحتاج الأعمال للقيام بنوع آخر من العمل أطلق عليه (ميشيل ديرتوزوس)، مدير معمل علوم الحاسوب بمعهد ماساشوستس للتقنية ((MIT ومؤلف "ما سوف يكون"، اسم "عمل المعلومات". إننا عادة ما نفكر في المعلومات – سواء كان مذكرة أو صورة أو تقريراً مالياً -على أنها ساكنة. ولكن ديرتيوزوس يرى بصورة مقنعة أن هنالك نوعاً نشطاً من المعلومات - "فعل" وليس اسم ساكن. إن العمل المعلوماتي هو "تحويل شكل المعلومة بواسطة العقل البشري أو البرامج الحاسوبية". يؤلف العمل المعلوماتي - سواء كان تصميم مبنى أو تفاوض على عقد أو إعداد استمارات الضرائب - أغلب المعلومات الحقيقية التي نتعامل بها وأغلب العمل المنفذ في الاقتصاديات المتطورة. يقول (ديرتوزوس) "إن الأنشطة الخاصة بالمعلومات تهيمن على مجال المعلومات". و يقدر أن العمل المعلوماتي يسهم بنسبة تتراوح من 50 إلى 60 بالمائة من االدخل القومي لأى قطر صناعي.

إن نظرة (ديرتوزوس) الثاقبة إلى المعلومات على أنها فعل هى نظرة متعمقة. لقد بدأت الحواسيب تسهم في العمل المعلوماتي عندما انتقلت من  مجرد تحليل الأرقام إلى عمل نماذج محاكاة لمشاكل الأعمال. لقد ظلت حتى شركات التصنيع تنفق دائماً الكثير من طاقتها على معلومات حول العمل أكثر من العمل ذاته: معلومات حول تصميم المنتجات وتطويرها.. وحول الجدولة.. وحول التسويق والمبيعات والتوزيع.. وحول إصدار الفواتير والتمويل.. وحول النشاطات التعاونية مع البائعين.. وحول خدمة العملاء.

عندما أجلس مع مطوري البرامج في مايكروسوفت لمراجعة مواصفات المنتجات أومع القائمين على أقسام المنتجات لمراجعة خططهم للشغل ذات الثلاثة سنوات أو مع مجموعاتنا المكلفة بالمبيعات لاستعراض أدائهم المالي فإننا نتصدى للقضايا الصعبة.. بأن نناقش مقايضة [أوالتنازل عن] بعض سمات منتجاتنا مقابل الإسراع بطرح هذه المنتجات في الأسواق.. نفقات التسويق مقابل الإيرادات.. عدد العاملين مقابل مردودهم.. وهلم جراً. إننا نقوم من خلال الذكاء البشري والتعاون بتحويل المبيعات الساكنة وبيانات العميل والبيانات الديموغرافية إلى تصميم لمنتج أو برنامج.. إذن فالعمل المعلوماتي هو عمل فكري. وعندما يجد التفكير والتعاون مساعدة ذات بال من التقنية الحاسوبية فإنك تكون قد حصلت على نظام عصبي رقمي. ويتكون هذا النظام من الوسائل الرقمية المتقدمة التي يستخدمها عمال المعرفة لصنع قرارات أفضل.. للتفكير، والتصرف والتفاعل والتكيف. يقول (ديرتيوزوس) إن "سوق المعلومات" المستقبلي سوف يقتضي "برمجيات مخصوصة كثيرة وتجميعات متلاحمة تلاحماً دقيقاً بين عمل اإنسان والألة " – وهذا، لعمري، وصف ممتاز لنظام عصبي رقمي أثناء عمله.

 الحصول على الأرقام بسهولة

ينبغي للقيام بعمل معلوماتي أن يكون للعاملين بالشركة وصول فوري إلى المعلومات. غير أننا تعودنا حتى وقت قريب على الإعتقاد بوجوب حجز "الأرقام" لكبار التنفيذيين. وربما لايزال هناك القليل من التنفيديين راغبين في حجز المعلومات لديهم بغرض السرية أما في أغلب الحالات فقد ظل الوصول إلى المعلومات مقصوراًً لمجرد أن الحصول عليها كان صعباً؛ فتداول المعلوات كان يستغرق وقتاً وجهداً ومالاً. إن الأمر كما لو أن أفكارنا الجامدة لا زالت تعود القهقري إلى الأيام التي كان هناك فيها هذا الكم الكبير من العمل الناجم من الحاجة لكتابة برنامج مخصوص كلما أراد أحدهم أن يرى الأرقام بطريقة جديدة. لقد كان استخلاص البيانات من حاسوب كبير أمراً مكلفاً جداً وكانت محاولة مضاهاة البيانات تستغرق جهداً ضخماً بحيث كان الأمر يقتضي منك أن تكون على الأقل نائباً لرئيس الشركة كى يتسنى لك أن تطلب تنفيذ ذلك العمل.   وحتى في تلك الحالة كانت المعلومات أحياناً غير منسجمة مع بعضها أو غير مستحدثة بحيث كان لا مفر لك من أن تستدعي نواب الرئيس من مختلف الإدارات لاجتماعات عالية المستوى جالبين معهم بياناتهم المختلفة! لقد كانت الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها المدير التنفيذي لشركة جونسون آند جونسون، رالف لارسون، الحصول على بيانات عن أي من شركات جونسون آند جونسون  في أواخر الثمانييات على سبيل المثال هى أن يطلب من الإدارة المالية إعداد تقرير خاص.. وكما سنرى في الفصل الثامن عشر فإن الأمور باتت مختلفة الآن في شركة جونسون آند جونسون.

يمكنك في شبكات حواسيب اليوم إستعادة البيانات وتقديمهابسهولة وبتكلفة زهيدة. ويمكنك الغوص في البيانات لأدنى مستوى من التفاصيل وتحويرها لتراها في أبعاد مختلفة. ويمكنك تبادل المعلومات والأفكار مع الناس الآخرين. ويمكنك دمج أفكار وأعمال عدة أشخاص أو فُرق للخروج بنتيجة جد مدروسة ومنسقة. نريد أن نزيح من الأذهان الاعتقاد المترسخ بأن الحصول على المعلومات وتداولها أمر صعب ومكلف. وإنه لمن الحصافة الجوهرية أن تجعل كل بيانات شركتك - من الألف إلى الياء -في متناول كل فرد يمكنه الاستفادة منها.

يحتاج مدراء الشركة المتوسطون والعاملون العاديون، وليس كبار مسؤوليها التنفيذيين فحسب" إلى رؤية بيانات الأعمال. إنه لمن المهم لي كمدير تنفيذي أن أفهم  كيف تسير الأمور في الشركة على امتداد الأقاليم أو خطوط الإنتاج أو شرائح العملاء وإنه لفخري أن أتصدر هذه الأشياء. غير أن المدراء على المستوى المتوسط بكل شركة هم مَن يحتاج لفهم أين تكمن أرباحهم وخسائرهم ونوع البرامج التسويقية التي يجدونها من عدمها وأي النفقات سيتكلفون. إنهم في الواقع هم من يحتاجون لبيانات دقيقة وعملية لأنهم الأفراد الذين عليهم العمل. يحتاجون لتدفق فوري ثابت واستعراض ثر للمعلومات المناسبة. هؤلاء الموظفون ليس عليهم أن ينتظروا مجئ المعلومات إليهم من الإدارة العليا. إن على الشركات أن تهدر وقتاً أقل في حماية البيانات المالية من الموظفين ووقت أكثر في تعليمهم تحليل البيانات والعمل عليها.

بالطبع ستعمل كل شركة على أن تضع في موضع ما حداً لإمكانية الوصول إلى بياناتها. إن كل شركة تحتفظ بمرتباتها كسر من الأسرار، غير أنني عموماً اؤمن بضرورة اتخاذ سياسة جد مفتوحة بشأن المعلومات. هناك قيمة بالغة لجعل كل فرد ذي صلة بمنتوج ما، بمن فيهم أصغر فرد من أفراد فريق، أن يفهم سجل المنتوج وتسعيره ووكيفية سير البيع حول العالم وبين شرائح العملاء. إن قيمة أن تجعل كل فرد يحصل على الصورة الكاملة وأن تأمن كل شخص عليها تفوق كثيراً المخاطرة المرتبطة بذلك.

المصدر: كتاب الأعمال بسرعة الخاطرة - بيل جيتس
BDCTatweer

محمد حسام سعد

  • Currently 210/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
71 تصويتات / 502 مشاهدة
نشرت فى 25 يونيو 2010 بواسطة BDCTatweer

ساحة النقاش

محمد حسام سعد

BDCTatweer
إستشاري إدارة الأعمال والموارد البشرية ماجستير فى ادارة الاعمال (MBA). 01222177523 - 22559516 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

142,039