ادب الاطفال
إن الأدب في ماهيته ورسالته تسري طقوسه على أي أدب مهما كانت الوجهة التي يوجه إليها، فهو لا يعرف الحدود الفاصلة بالنسبة لمن يوجه اليهم ، والتي لا تتسامح في شروطه الفنية ، والمتلقي يمكن أن يدرك ما يتمتع به النص الأدبي من جمال مهما كان المستوى الذي يخاطب ، والتفريق بين أدب الكبار وأدب الصغار ليس مرده إلى اختلاف المستوى الفني ، وإنما مرده إلى اختلاف المستوى اللغوي ومستوى الأسلوب وكيفية التعبير عن القضايا الحياتية ، لهذا فإن أدب الطفل وإن كان رافدا يغذي حقول الأدب العام لكنه له شخصيته المستقلة وهويته المتميزة وخصائصه التي تراعي حاجات الطفولة واهتماماتها وقدراتها تأخذه بعيدا عن التعقيد والأساليب المتداخلة.
وأدب الطفل هو ما كتب خصيصا للأطفال من نتاج أدبي روعي فيه خصائصهم اللغوية والنفسية والعقلية ممثلا في الاشكال الأدبية المختلفة ، وهو شكل من أشكال التعبير الأدبي له قواعده ومناهجه سواء منها ما يتصل بلغته و توافقه مع قاموس الطفل وأسلوبه ، أو ما يتصل بمضمونه ومناسبته لحاجات الطفولة وما يتصل بها من قضايا التذوق والصياغة الأدبية ، وهناك من الكتاب من أضفى الصبغة الإسلامية على مفهوم أدب الأطفال فعرفه بأنه تعبير أدبي جميل ومؤثر وصادق في إيحاءات ودلالاتها يستلهم مبادئ الإسلام ويجعل منها أساسا لبناء شخصية الطفل عقليا ونفسيا و وجدانيات وسلوكيا يقدم للأطفال في شكل من أشكال الكتابة الأدبية متوفقا مع خصائص التصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة.
لهذا يتمتع أدب الأطفال بخصائص تميزه عن أدب الكبار تتمثل في وضوح اللغة و بعدها عن التعقيد ومناسبتها القاموس الطفل اللغوي والإدراكي. ، والابتعاد عن التجريد واللجوء إلى المحسوس والتغييرات الواضحة ، و كذلك وضوح الأسلوب وقوته من حيث استخدام المثيرات التي تجذب انتباه الطفل .
كما يتسم أدب الطفل بجمال الأسلوب وتناغم الأصوات والمعاني وتوافقها مع الأفكار المطروحة، مع تنوع الأدب المقدم وشموله للخبرات والمعارف المختلفة للحياة إضافة إلى استخدام الجمل القصيرة الواضحة والقريبة من فهم الطفل وإدراكه ، كما يراعي أدب الطفل توفر الخفة في الأسلوب بحيث تتضمن كل فقرة فكرة وابتسامة ، مع استخدام الصور الخيالية البسيطة التي توسع خيال الطفل وتهذب وجدانه ، ويهتم باختيار الموضوعات الملائمة لحاجات الطفل وما ينمي الروح العلمية وحب الاستكشاف لديه.
تلك هي بعض خصائص أدب الطفل ، ولكن الخصيصة الأساسية له هي أنه يتم كتابته ومتلقيه حاضر دائما في ذهن الكاتب في كل كلمة وفكرة ، هذا الطفل الذي له عالمه الخاص وطريقة تفكيره الخاصة ، ولذلك يتشكل أدب الأطفال تشكيلا خاصا بعناية فائقة وبأسلوب يناسب قدراتهم وميولهم وحاجاتهم ، فالكتابة للطفل فن وموهبة تتطلب مهارة خاصة قد لا تتوفر في كتاب الأدب العام.
وتستند فلسفة أدب الأطفال مقوماتها من فلسفة المجتمع ونظرته للكون والإنسان والحياة ؛ فمثلا يختلف أدب الأطفال في الدول الرأسمالية عنه في الدول الاشتراكية، ولدى البيئات المتوشحة بثوب الخضرة عن البيئات الصامدة في صلابة الصحراء كما تستمد فلسفته أيضا من فلسفة التربية الحديثة التي تولي الطفل اهتماما بشخصيته وصفاته الجسدية والعقلية والنفسية والاجتماعية، وتسعى إلى أن يحيا حياة الطفولة ويبني مستقبله بسلام و طمأنينة حيث أصبح الغرض من أدب الأطفال توسيع الآفاق المعرفية للطفل من جهة وجلب السرور والبهجة إلى نفسه من جهة أخرى .
إن الطفل عماد الأمة ومحور اهتمامها لما له من دور كبير في مستقبل المجتمعات ، والاهتمام بالطفل رغبة حضارية إنسانية متواصلة عبرت عنها الثقافات المختلفة في أنحاء العالم القديم والحديث ، ولا شك في أن الطفل بحاجة إلى أن يعرف ذاته وبيئته المحيطة به؛ ليصل إلى الصورة المرجوة له ليكون جديرا بما سيلقى على عاتقه في مستقبل أمته ومجتمعه .
والأدب من أهم الوسائل التي تسهم في تهيئة الفرص أمام الطفل للحصول على المعرفة والخبرة ؛ حيث يقدم الأدب خبرات الكتاب التي تتضمن حكمة الإنسان وطموحاته وآماله وآلامه، ويكون لذلك الأثر العظيم في نفس الطفل وميوله وقدراته، ومن هنا تبرز أهمية الأدب للطفل في مراحله العمرية المختلفة ، بالأدب هو الغذاء النفسي والفكري والعاطفي للطفل ، يمتعه ويوسع مداركه ويشبع فضوله ويعرفه بكل جديد، وهو يعد ضرورة وطنية وشرطا من شروط التنمية الثقافية المنشودة ، بل إن أي تنمية ثقافية تهمل أدب الأطفال تعد ناقصة وتفتقر إلى جذورها.
ويعد أدب الأطفال من الوسائل المهمة في حياة الطفل التي هي أساس مستقبل المجتمع كله ، وعليه يقوم البناء العقلي والنفسي والعاطفي للإنسان ، كما أن له دورا ثقافيا يتمثل في إكساب الطفل القيم والاتجاهات والسلوكيات السليمة ، بالإضافة إلى تنمية العمليات المعرفية المتمثلة في التفكير والتخيل والتحليل ، كما أن لأدب الطفل دورا مهما في تسلية الطفل وإمتاعه وتنمية مواهبه وتعريفه ببيئته وتنمية قدراته اللغوية والجمالية ، كما يرسخ فيه الانتماء للوطن والأمة والعقيدة، ويساعد على صقل سلوك الأطفال وتربيتهم على القيم والأخلاق الفاضلة ، ويعد أدب الأطفال مهما للمجتمع بشكل عام لأنه يقدم أعمالا أدبية تعبر عن كفاءة فنية يدعمها جمال الأسلوب وسمو الفكرة، وتعمل على التأثير في الطفل وتغييره للأفضل لان عملية التغيير هي رسالة الادب وغايته التربوية.
إن هذه الأهمية البارزة لأدب الأطفال جعلت منه موضوعا مهما شغل تفكير العديد من الكتاب والأدباء والباحثين في العالم ، فقد اهتموا بإظهاره بأفضل صورة ممكنة حتى يقف جنبا الى جنب مع أدب الكبار ويسهم في خدمة الجيل الصاعد الذين هم أطفال اليوم ورجال الغد ، وهم بناة المستقبل ومنهم أدباؤه وكتابه ، لهذا أصبحت الطفولة اليوم مهمة في ذاتها ولذاتها؛ فهي أهم مرحلة في بناء الشخصية ، والطفل هو أمل العالم ورجل المستقبل ، وكل خبرة تمر به في الطفولة تؤثر فيه تأثيرا كبيرا ، فهو كأداة تثقيفية للأطفال لا ينبغي التهاون معه في مسألة الالتزام والانطلاق من أهداف واضحة تتصل بأهداف التربية وأغراضها العامة ، التي تحددها فلسفة المجتمع الذي تنتمي إليه ، على أن يحتفظ بجماليته وفنيته بعيدا عن التقرير المباشر.
لذلك فإن الحديث عن أهداف أدب الأطفال لا يرسم حدودا لهذه الأهداف بل يبرزها دون أي تحديد قسري لها ، ويبلور ملامحها في ثلاثة أطر متداخلة ، أولها : الإطار المعرفي من حيث زيادة المعارف والمعلومات وتصحيح القديم منها ونمو مفاهيم جديدة، وثانيها : الإطار المهاري الذي يشمل جميع المهارات الحسية والحركية والعقلية لدى الأطفال، وثالثها : الإطار الوجداني الذي يعنى بمراعاة حاجات النمو ومطالبه عند الطفل لتكوين اتجاهات إيجابية لديه.
ويمكن تلخيص أهم أهداف أدب الأطفال في تنمية الثروة اللغوية للطفل وإكسابه المهارات العقلية المختلفة ، وصقل سلوك الطفل وتربيته تربية أخلاقية نابعة من التصور الإسلامي الصحيح ، وتخليص الطفل من الانفعالات والاتجاهات الضارة غير المرغوبة ، وتعريف الطفل بمجتمعه، وغرس قيم حب الوطن والتعاون والتضامن ، وتنمية شخصية الطفل وبنائها جسميا وعقليا ونفسيا واجتماعيا ولغويا، إضافة إلى إكساب الطفل مهارات التعبير والنقد وحل المشكلات، واكتشاف المواهب الإبداعية لديه وتنميتها ، وتنمية الشعور بالأمن والاستقرار في الحياة لديه.
فأدب الأطفال ليس هدفا في حد ذاته وإنما هو وسيلة تربوية ناجحة وفعالة – إذا أحسن استخدامها – وهو لا يؤدي إلى التسلية والإمتاع فحسب بل يعمل على تحقيق أهداف التربية المنشودة التي مؤداها تكوين الشخصية المتكاملة للطفل في جميع النواحي العقلية والنفسية والاجتماعية واللغوية والصحية.
========================
د. عامر العيسري – سلطنة عمان