بل بضعة أشهر كنت في القاهرة وركبت باص عمومي لكي تكون تجربتي للحياة المصرية متكاملة.. وسط الازدحام الشديد، سألت عن تكلفة المشوار وأعتقد أنه كان نص جنيه.. وعندما وصل المحاسب أعطيته نص جنيه ولكنه أصر على جنيه كامل. كنت قد شاهدت الجميع يدفع نص جنيه وهو يؤكد لي أن الحساب جنيه وبقية الركاب لم يتدخل في الموضوع.. بطبعي العنيد أصررت على دفع نص جنيه ولكنه بدأ برفع صوته وقررت التنازل وإعطاءه الجنيه الكامل ونزلت من الباص. وما أحززني أنه بعد نزولي قال لي باستهتار “يا أجنبي” أعتقد أنه قصد بأني ألبس لبس أجانب أو “عامل فيها سائح” وقد ضايقني هذا أكثر من ابتزازي وتجاهل بقية الركاب للموضوع.
أمس قررت ركوب الترام في الإسكندرية وسألت أحد الأخوة قبل الركوب عن التعريفة فأخبرني بأنها نصف جنيه.. كالعادة ارتكتب حماقة كررتها عدة مرات لأني لست متعوداً على القطارات وقمت بدخول قسم النساء فأشار لي المسؤول بالنزول وتداركت الموقف ونزلت بسرعة وركبت المقصورة التالية. قابلني المحاسب فأخرجت له نصف جنيه كنت قد أعددته مقدماً وسارعت بتجاوزه لكي لا يزعجني ويحاول ابتزازي كما فعل الأخر قبل بضعة أشهر. فبدأ المحاسب بالتصفير لي والصياح “يا أستاذ .. يا أستاذ” تجاهلته وواصلت البحث عن مقعد لكنه أصر “يا أستاذ” .. رجعت له وأنا متضايق.. ولكنه فاجأني وأعطاني ربع جنيه. استغربت وقرأت سعر التعريفة على التذكرة ووجدتها بالفعل ربع جنيه..
وجدت كرسي وفكرت في الموقف مليئاً وامتلئت عيناي بالدموع.. بعد قليل مر المحاسب بجواري وهمس في إذني “أوعى تسيب الربع جنيه بعد الثووووورة” هذه المرة امتلئت عيناي بدموع أكثر.. فكرت بشهداء ثورة ٢٥ يناير.. لم تذهب دمائهم هباءاً.
ساحة النقاش