جلست بالأمس أذاكر مع ابني أنس - ذي الأربعة عشر عامًا - الطالب في الصف الثاني الإعداي، وأنا كثيرا ما أجلس معه لنتناقش حول العديد من المسائل العامة، فأحدثه عن الأوضاع السياسية وأحيانا يسألني عن معلوماتي عن البورصة وكيف تعمل .. وأحيانا نجلس لنشاهد فيلما علميا على قناة ناشيونال جيوجرافيك .. فيسألني عما يراه محاولا أن يجد تفسيرا لكل ما يحيط به. وكنت أسعد بهذا وأشعر بأنه يريد أن يعرف الكثير عما يدور حوله.
كانت جلستنا بالامس لمذاكرة دروس من اللغة الإنجليزية .. كان أحد هذه الدروس يحكي قصة ملك أعجبه صوت البلبل الذي يصدح في حديقة القصر .. فأرسل من يصطاد هذا البلبل .. ووضعه في قفص وكان يستمتع بصوته كل يوم.
وذات يوم أهداه أحد التجار لعبة لبلبل أعذب صوتا من البلبل الاسير، فقرر الملك ان يطلق سراحه.. وظل عاكفا على استماع صوت بلبله "اللعبة". وذات يوم كسرت اللعبة ولم تعد تصدر صوتا، فارسل الملك طالبا من يصلحه .. فلما لم تعد اللعبة تعمل كما كانت حزن الملك حزنا شديدا حتى كاد أن يموت من شدة الحزن.
لم تنته القصة ولم ينته الدرس .. ولكني توقفت عند هذه النقطة وباغت ولدي بسؤال: "ما رأيك في هذا الملك؟" .. سكت أنس قليلا وكأنه لم يتوقع السؤال ثم قال بحسم: "إيه العبط ده؟!! .. هو الملك ده ماوراهوش حاجة؟! .. هايموت علشان لعبة؟!!!".
هذه القصة التي لم أقصد منها أن أتصيد خطأ بل جاءني هذا النموذج العشوائي ليكشف جانبًا من مشاكلنا التعليمية؛ فلقد قضيت العديد من سنوات عمري أكتب للأطفال وكان منهجي أن نخاطب الطفل بكلام بسيط يستطيع فهمه وأن نرتقى بمستوى الأفكار التي نقدمها .. فبساطة اللغة وتقديم الأفكار العميقة الجادة ببساطة تناسب عقلية الطفل هما المنهج الذي وجدته صالحا للنهوض بأبنائنا .. ونجحنا في هذا المسعى في عشرات الكتب وبرامج الكمبيوتر .. وحظيت هذه الكتب والبرامج بتقدير النقاد والأطفال وأولياء الأمور على السواء.
لذلك كانت صدمتي كبيرة بسبب تقديم مثل قصة الملك والبلبل لجيل تخطى بعقله واهتماماته سذاجة هذه القصة التي تقدم نموذجًا سلبيًا لما يجب أن يكون عليه الحاكم.
علينا أن نجعل قضية التعليم قضية أساسية بعد الثورة لتنتج لنا جيلا جادًا يساهم في بناء الوطن ويحمل همومه ويتبنى قضاياه.
المصدر: مقال شخصي: أشرف قدح
نشرت فى 5 مايو 2013
بواسطة AshrafQadah
أ. أشرف:
كلام حضرتك معناه مباشر: ألقائمون على وضع المناهج فقدوا الاستراتيجية والمنهج والحرفية معا! :(
شكرا على المقال
أشرف قدح
كاتب أرجو أن أنفع الناس وأن أرى مصر في طليعة الأمم. »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
216,999
ساحة النقاش