محب مصر

كاتب أرجو أن أنفع الناس وأن أرى مصر في طليعة الأمم.

في عالمٍ باتت فيه العلاقات مرهقة، والأخبار مزعجة، والمخالطة سببًا للفتنة والاضطراب النفسي، يتجدّد الحديث عن قيمة "العزلة" في حياة المسلم. هل يُعدّ الانعزال عن الناس تراجعًا؟ أم أنه في أحيانٍ كثيرة يكون عبادة ونجاة؟

الإسلام دين جماعة، يدعو إلى التعاون والتكافل وصلة الرحم، لكنه في الوقت ذاته لم يغفل عن أهمية العزلة في بعض الظروف، بل أقرّها وعدّها منجاة للدين والنفس في أزمنة الفتن.

 

أولًا: العزلة في نصوص الوحي

وردت أحاديث نبوية عديدة تشير إلى أن العزلة قد تكون خيرًا للمؤمن في أوقات معينة، منها:

 قال النبي ﷺ: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا، يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن." رواه البخاري.

هذا الحديث يرسم صورة واضحة لحال المؤمن في زمن يختلط فيه الحق بالباطل، ويُصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر، فلا يجد نجاة إلا بالابتعاد.

 

وقال ﷺ:  "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه." رواه الترمذي.

وفيه إشارة إلى أن من تمام الدين تقليل الانشغال بما لا يعود على المرء بنفع، وفي هذا نوع من أنواع العزلة الذهنية والوجدانية.

 

ثانيًا: العزلة في فكر العلماء والعبّاد

كان لكبار العلماء والسلف رأي متزن في هذا الباب:

قال الإمام أحمد: "العزلة في زمن الفتنة أفضل."

وقال ابن حجر: "العزلة تريح من الغيبة والنميمة والرياء والتكلف والخصومات."

أما الإمام النووي فقال: "العزلة مستحبة لمن خشي على دينه أو وقع في المحرمات بسبب مخالطة الناس."

فالمسألة ليست دعوة للانسحاب السلبي من الحياة، بل هي تربية للنفس وضبط لعلاقتها بالناس في حدود ما يحفظ الدين والخلق.

 

ثالثًا: كتب تحدثت عن فضل العزلة

عدة مؤلفات عبر القرون عالجت هذا الموضوع بعمق، منها:

"العزلة والانفراد" للإمام ابن أبي الدنيا.

"كتاب العزلة" للإمام الخطابي.

"إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي، خصص فيه فصلاً كاملًا عن العزلة، ووازن فيه بينها وبين الخلطة.

 

رابعًا: متى تُستحب العزلة؟

تكون العزلة مطلوبة ومستحبّة شرعًا في أحوال منها:

 

  • عند انتشار الفتن، كما هو حال بعض مجتمعات اليوم.
  • إذا خشي الإنسان على دينه من الفساد والفتنة.
  • إذا كانت مخالطة الناس تسبب له ضررًا نفسيًا أو سلوكيًا.
  • للتفرغ للعلم أو العبادة، وهي عزلة إيجابية بنّاءة.

 

ومع ذلك، لا تعني العزلة قطع الأرحام أو ترك واجبات الدعوة والأمر بالمعروف، بل هي انعزال عن الشر وأهله، لا عن الخير وأهله.

 

خامسًا: الخلطة أم العزلة؟

قال ﷺ:  "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم." رواه أحمد والترمذي.

في هذا الحديث ميزانٌ دقيق. من يملك الصبر والقدرة على الإيجابية مع الناس، فبقاؤه بينهم خير، ومن يخشى على دينه أو نفسه، فالعزلة له أولى.

 

وأخيرا:

ليست العزلة في الإسلام رفضًا للمجتمع، بل حماية للقلب، وتنقية للروح، وصيانة للدين. وهي قرار حكيم حين تعج الحياة بالضوضاء والضياع. إذا أُحسن توجيهها، تحوّلت من انطواء إلى عبادة، ومن عزلة إلى عُلوّ.

 فقد يكون الانعزال عن الناس أحيانًا، قربًا من الله، وبعدًا عن الفتنة، وراحةً للنفس.

المصدر: حوارات مع الذكاء الاصطناعي
AshrafQadah

أشرف قدح

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 269 مشاهدة
نشرت فى 8 يوليو 2025 بواسطة AshrafQadah

ساحة النقاش

أشرف قدح

AshrafQadah
كاتب أرجو أن أنفع الناس وأن أرى مصر في طليعة الأمم. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

232,919
Flag Counter