العربي العلمي العدد الرابع - أبريل 2012


العلم بين الديكتاتورية والديمقراطية
رئيس التحرير
د. سليمان إبراهيم العسكري


         لا يزال العالم العربي يشهد حالة كبيرة من الحراك السياسي والاجتماعي، بسبب التغيرات التي تشهدها المنطقة بعد انطلاق انتفاضات الشعوب في عدد من الدول العربية ضد القمع والفساد.


غلاف عدد أبريل من العربي العلمي

         لكن ما يلفت الانتباه هنا المفارقة التي تولدت عن حركات التغيير، والتي قد تبدو أحيانًا لونًا من الردة على قيم الحداثة والعلم والمنطق، التي ميزت الانتفاضات في مطالبها التي رفعتها لإسقاط النظم المخلوعة، وهو ما شاهدناه من وصول بعض القوى والتيارات ذات الطبيعة المحافظة والتقليدية إلى الحكم، في بلدان مثل تونس ومصر وليبيا، بينما لم تنجح القوى ذات الطابع المدني، وبينها قوى الحركة الثورية في الشارع من فرض صياغاتها العصرية على المشهد السياسي.

         وبات واضحًا، بالتالي، أن اختيارات الشارع العربي في مجملها، تنتمي لهذه الذهنية التي يبدو أنها أقامت اختياراتها على شعارات عاطفية جذابة، رفعتها القوى والتيارات ذات الصبغة الدينية، بدلاً من الاختيار على أسس منطقية وعقلانية من واقع البرامج التنموية التي تقدمها هذه التيارات.

         والحقيقة أن هذا المشهد يعبر، وإن بشكل غير مباشر، عن تأثير غياب العلم وما يسفر عنه من شيوع للعقلانية على الساحة العربية، ليس فقط على مستوى القوى المحافظة والجمهور التقليدي، بل يمتد إلى القوى الليبرالية والتقدمية ذاتها، إذ إن خطاب الغالبية العامة منها تماهى مع ألوان النقد للفساد بشكل عام، دون طرح تصورات جديدة واضحة ووفق أسس علمية لبرامج التنمية المفترض أن تتحقق بها نهضة الدول التي سعت للتغيير.

         إن هذا كله يدعونا للقول بأن المرحلة المقبلة لابد أن تشهد برامج طموحة لنشر المعرفة العلمية في العالم العربي، تطويرًا لمناهج تعليم العلوم، ومناهج التعليم إجمالاً، وإنفاقًا على البحث العلمي والمؤسسات العلمية والباحثين، وعلى المدن العلمية الجديدة، وتخطيطًا لبرامج علمية مميزة للإعلام، بحيث تصبح الثقافة العلمية جزءًا يوميًا مما يتلقاه الفرد العربي من حصته المعرفية والإعلامية من العلوم وأخبار الاكتشافات الجديدة في العالم العلمي في جميع المجالات العلمية، وربط الحياة اليومية للفرد بالمنهج العلمي في التفكير، بالشكل الذي يمكنه، ولو على المدى الطويل، من أن يسهم في إشاعة قيم العقلانية والاستنارة والتفكير العلمي.

         إن الطريق إلى التقدم طريق طويل، لكنه لا يبنى، وكما علمتنا التجارب الحضارية الكبرى، وبينها الحضارة الإسلامية في ذروة مجدها، إلا بالعلم وبالفكر الجديد، وبمنح العقل فرصته في التفكير والابتكار والنقد والخيال، وليس بكبح هذه القوة الكبيرة باللجوء للغيبيات ونشر الخرافات ومصادرة المعرفة.

         وبالتالي، فإن أي إرادة حقيقية للنهضة عليها أن تبتغي التطلع للأمام، والمستقبل المبني على الخيال، وهو صنو العلم والتفكير العلمي، وأن تتسلح، إذا رغبت، من الماضي بالتجارب المضيئة التي كانت سباقة في زمنها، وليس مجرد التطلع للقشور والمظاهر السطحية القائمة على أنماط الفكر النقلي الذي غيب العقل والتفكير.

         إن هذا القرن الذي نعيش فيه قد أعلن قرنًا للتعلم، ولا يجب أن يفوت العرب الفرصة في اللحاق بالقرن منهجًا وهدفًا، لأن غيابهم عن مواكبة العلم والمعرفة قد يؤدي إلى عكس كل ما استهدفته ولاتزال حركات التغيير والانتفاضات العربية التي لاتزال تعيش حيويتها وتبحث عن إجابات للأسئلة التي أثارتها المتغيرات المضادة للتغيير، وسوف يكون العلم، كما نرجو إحدى سبلها في تحقيق غاياتها كاملة.


العربي العلمي العدد الرابع - أبريل 2012


المياه في كل مكان.. عشرون معلومة لا تعرفها عن الماء
إعداد: نرمين زغلول إبراهيم


         المياه في كل مكان، هناك 332500000 كيلومتر مكعب على سطح الأرض من المياه، ولكن أقل من 1 في المائة منها مياه عذبة ويمكن الوصول إليها بما في ذلك المياه المعبأة في زجاجات.

         وكلمة «العذبة» يمكن أن تكون مصطلحا نسبيا. فقبل عام 2009، صرحت منظمة الغذاء والدواء بأن الأمر لا يتطلب تعبئة المياة من أجل إزالة بكتيريا الإيكولاي.

         وفي الواقع، لا تبدو بكتيريا الإيكولاي سيئة للغاية. ففي عام 1999، وجد مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية أن نوعا واحدا فقط من زجاجات مياه الينابيع المعبأة جاء من بئر في موقف للسيارات الصناعية بالقرب من مكان لإلقاء النفايات الخطرة، مما أدى إلى احتواء هذه الزجاجات على بكتيريا الإيكولاي.

         الجديد أن محطة ناسا الفضائية الدولية قامت بإعادة تدوير 93 في المائة من عرق وبول رواد الفضاء، وتحويلها مرة أخرى إلى مياه للشرب.

         هناك قرى كردية في شمال العراق تستخدم تلك النسخة المحمولة من نظام ناسا لتنقية مياه القنوات والأنهار، وذلك لإغاثة الأطفال هناك.

         الجليد عبارة عن شبكة من الجزيئات رباعية الشكل ذات الأسطح المتشابكة التي تحتوي على الكثير من المساحات الخالية مما يجعله يطفو على سطح الماء.

         وحتى بعد ذوبان الجليد، تبقى هذه الأسطح مثل مكعبات الثلج الصغيرة على نطاق 100 من الجزيئات الواسعة. لذلك كل كوب من الماء، مهما كانت درجة حرارته، فهو يستقر على الصخور.

         يمكنك صنع المياه الخاصة بك عن طريق خلط الهيدروجين والأكسجين في وعاء وإضافة شرارة. ولكن هذه، ولسوء الحظ، هي الطريقة التي ساعدت على تدمير بالون الهواء هيندينبيرغ Hindenburg.

         العلماء لديهم طريقة أقل تفجيرًا لاستخراج الطاقة من الهيدروجين والأكسجين. وذلك بفصل الإلكترونات بعيدا عن بعض جزيئات الهيدروجين، وإضافة جزيئات الأكسجين مع عدد كبير جدا من الإلكترونات وبذلك تحصل على التيار الكهربائي. وهذا ما يحدث في محطات توليد الوقود.

         لا يقوم المزارعون الأكفاء بري النباتات طوال النهار، ويستخدمون الري بالتنقيط، وتبقى القطرات على النبات؛ وذلك حتى لا تترك لفترة طويلة معرضة لأشعة الشمس وتتسبب في حرق النباتات. الشعر المتواجد على الجلد يمكن أن يحمل قطرات الماء أيضا. فقد تحترق بصيلاته من الشمس بسرعة أكبر من بصيلات الشعر المحلوق.

حلقة مفرغة:

         المياه في طبقة الستراتوسفير stratosphere تسهم في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض. وهذا قد يؤدي بدوره إلى زيادة شدة الأعاصير الاستوائية، والتي تلقي المزيد من المياه في طبقة الستراتوسفير. هذه نظرية على أية حال.

         يعود انخفاض معدل الحرارة في العقد الماضي إلى انخفاض 10 في المائة من الماء في الغلاف الجوي العلوي stratosphere. والسبب غير معروف.

         على الرغم من أن العديد من الأطباء ينصحون مرضاهم بشرب ثمانية أكواب من الماء يوميا، فالحقيقة أنه لا يوجد دليل علمي يدعم هذه النصيحة.

         وربما نبعت تلك المعلومات الخاطئة من تقريرعام ،1945 الذي يوصي الأميركيين باستهلاك حوالي «1 ملليلتر من المياه لكل سعر حراري calory من الطعام»، والذي يصل إلى 8 أو 10 أكواب يوميا. لكن التقرير أضاف أن الكثير من هذه المياه تأتي من الغذاء، وهو على ما يبدو قد غاب عن كثير من الناس.

         هناك نداء من المهتمين بشؤون المياه: شرب الماء بقدر أكبر من المطلوب يمكن أن يسبب «تسمم المياه» ويؤدي إلى الوفاة والجلطة الدماغية والرئوية. وقد مات بعض عدائي الماراثون الهواة بهذه الطريقة.

         اكتشف العلماء في جامعة أوريغون Oregon State University خزانات كبيرة من المياه تحت قاع المحيط. وفي الواقع، قد توجد مياه في قيعان المحيطات أكثر مما يوجد في هذه المحيطات نفسها.

         من دون الماء، لن تغرق قشرة المحيط مرة أخرى في عباءة الأرض. لن توجد أي صفائح تكتونية plate tectonics (الصخور الموجودة فى القشرة الأرضية)، ومن المحتمل أن يشبه كوكب الأرض كثيرا في هذه الحالة كوكب الزهرة: ملتهب كالجحيم، وخامل.

         وعلى الطرف الآخر من مقياس الرطوبة، فإن كوكب GJ 1214b، والذي يدور حول نجم أحمر صغير، قد يتكون برمته من الماء.

         تشير الأدلة الأخيرة إلى أن المذنبات، عند تشكيل المجموعة الشمسية قبل 4.5 بلايين سنة، كانت تحمل في داخلها الماء. وإذا كان الأمر كذلك، فربما تكون الحياة قد بدأت على مذنب.


هل يمكن منع انتقال الأمراض الوراثية؟
عمار سليمان علي


         تقدر نسبة انتشار الأمراض الوراثية غير القابلة للشفاء بين البشر بحوالي واحد من كل ستة آلاف شخص. وبما أنها غير قابلة للشفاء في ظل المعطيات العلاجية المتوافرة حتى الآن يبذل الأطباء والباحثون جهودًا متواصلة للحد من انتشار تلك الأمراض ومنع انتقالها.

         وفي هذا السياق أعلن عن توصل فريق من الباحثين إلى تقنية جديدة يمكن أن تساعد في الوقاية من بعض تلك الأمراض.

         تعتمد التقنية الجديدة على نقل الـDNA النووي سليمًا من خلايا تحمل متقدرات (جسيمات ميتوكوندرية mitochondria) متغيرة أو مصابة بطفرات. والمتقدرات هي العضيّات المنتجة للطاقة داخل الخلايا ويشار إليها عادة بالبطاريات الخلوية. وهناك أمراض وراثية عديدة ومتنوعة تحدث بسبب تلك الطفرات في المتقدرات, ومنها على سبيل المثال: السكري والصمم وأمراض أخرى تؤثر على الجهاز العصبي والقلب والعضلات.

         الجدير بالذكر أن المتقدرات هي العضيّات الوحيدة داخل الخلايا الحيوانية التي تملك مادتها الوراثية الخاصة التي تكون عبارة عن صبغي(كروموزوم) دائري صغير يحوي 37 مورثة وهي مستقلة ومختلفة عن المادة الوراثية النووية (DNA النووي) وأهم أوجه الاختلاف بينهما هو أن الـDNA النووي يأتي من كل من الأب والأم, أما الـDNA المتقدري ـ سواء كان سليمًا أو طافرًا ـ فهو يورّث فقط عن طريق الأم.

         وبالعودة للتقنية الجديدة التي نشرت تفاصيلها للمرة الأولى في دورية الطبيعة Nature , في أبريل 2010 فيمكن تلخيصها بأنها عبارة عن نقل Nature DNA نووي من أجنة بشرية ذات متقدرات مريضة إلى أجنة ذات بطاريات خلوية (متقدرات) سليمة.

         ونقلت الدورية عن دوغلاس ترنبل Douglass Turnbull طبيب الأعصاب في جامعة نيوكاستل في بريطانيا ورئيس الفريق الذي قام بالدراسة قوله: «لاحظنا أن الأمراض المستهدفة غير قابلة للشفاء ضمن الإمكانيات الطبية الحالية ولذلك فقد حولنا اهتمامنا إلى استكشاف إمكانية الوقاية منها ومنع انتقالها».

         وحسب ما كتبته الدورية الشهيرة فقد انطلق الباحثون من دراسة نشرت في سبتمبر 2009 وأظهرت أن نقل الـDNA النووي من بيضة قرد ريزوس إلى أم يمكن أن يعزل بشكل فعال المعلومات الوراثية الرئيسية المحتواة في النوى عن المتقدرات المريضة وقد أثمرت التجربة في حينها قردين طفلين سليمين. وما قام به ترنبل وفريقه هو أنهم طبقوا تلك العملية على البشر ولكنهم لم يستخدموا البيوض بل الأجنة البشرية التي تتكون أثناء المعالجات المخصّبة للمصابين بالعقم, وتحديدًا تلك الأجنة غير القابلة للحياة التي لُقّحت بواسطة نطفتين أو بواسطة نطفة لا تحمل الـDNA, أي أنها لا تستطيع أن تتطور بشكل مناسب, ويتم عادة التخلص منها.

         وقد اختار الباحثون الأجنة بعد مرور حوالي 10 - 12 ساعة على التخصيب أي قبل أن يندمج الـDNA النووي من البيضة والنطفة, وفي هذه المرحلة يتوضع الـDNA في بنى تسمى طلائع النوى pronuclei. وعندما انتزع الباحثون طلائع النوى من جنين ونقلوها إلى جنين آخر انتزع منه الـDNA النووي تبين لهم في الاختبارات التي أجروها أن الـDNA المتقدرية لم تخضع للنقل في الوقت نفسه مع طلائع النوى ففكروا في إمكانية أن يستخدموا التقنية لنقل الـDNA النووي من جنين تحمل أمه متقدرات مريضة إلى جنين آخر ذي بطاريات (متقدرات) سليمة.

         من جهته، اعتبر شاوكرت ميتاليبوف Shoukhrat Mitalipov عالم البيولوجيا التطورية في جامعة أوريغون للعلم والصحة في بيفرتون ورئيس الفريق الذي أنجز تجربة 2009 على القرود - اعتبر تعليقًا على التقنية الجديدة - أن لكل من تقنيتي نقل البيضة ونقل الجنين نقاط قوة ونقاط ضعف. فنقل الـDNA في الأجنة أمر صعب تقنيًا - حسب ميتاليبوف - لأن طلائع النوى كبيرة, كما أن صعوبة نقل حزم كبيرة من د. ن. أ DNA يمكن أن تحدّ من كفاءة التقنية. ومن جهة أخرى غالبًا ما تكون الأجنة الزائدة التي تنشأ أثناء المعالجات المخصّبة مجمّدة من أجل الخزن تمامًا في المرحلة التي تستخدم في هذه التقنية, لذلك يمكن أن تكون هناك مجموعة كبيرة من الأجنة الواهبة التي يستطيع الناس ذوو الأمراض المتقدرية أن يأخذوا منها. وإذ اعترف ميتاليبوف بأن تقنية البيضة أسهل وأسلم لكونها لا تستلزم تخريب الجنين فقد أخذ عليها أنها تتطلب بيوضًا تؤخذ بشكل حي وطازج من معط ٍ مأجور.

         لم يتردد ترنبل في الموافقة على كلام ميتاليبوف السابق, وأضاف: «إن أمامنا المزيد من العمل الواجب إنجازه قبل أن نتمكن من مقاربة العديد من الأسئلة حول الأمان والفعالية, ومحاولة الإجابة عنها, وبالتالي قبل أن تصبح إحدى التقنيتين - أو كلتاهما - متاحة للاستخدام السريري في الممارسة العملية».


برمجة جديدة للخلايا الحية
فواز عبد الرحمن


         لايزال حلم تجاوز الحدود والقيود التي تحول دون إحكام السيطرة الكاملة على الكائنات الحية يراود مخيلة علماء البيولوجيا، الذين يرون أن التوصل إلى إمكانية التعديل في آلية عمل الخلايا الحية قد يقودنا إلى تخليق أشكال جديدة للحياة.


بكتيريا إيكولاي المرشحة الأولى للبرمجة

         بَيّد أن سعيهم الحثيث وراء تحقيق ذلك الهدف أفضى أخيرًا لظهور مشروع بحثي عالمي جديد لتطوير خلايا حية «قابلة للبرمجة» بسهولة، من شأنه تمهيد الطريق أمام تخليق أشكال جديدة ومفيدة للحياة. ويعتقد العلماء أن التكنولوجيا المُطَبقة في المشروع الجديد، والتي ستغير من قواعد اللعبة الحالية، قد تساهم في تسريع وتيرة تقدم أبحاث وتطوير علوم البيولوجيا التخليقية (Synthetic Biology)، مما يفتح الباب أمام تخليق كل شيء من موارد غذائية جديدة إلى أعضاء بشرية جديدة.

         ويقول نتاليو كراسنوجور (Natalio Krasnogor)، أستاذ علوم الحاسبات بجامعة نوتنجهام البريطانية (University of Nottingham)، إن المشروع الجديد يبحث في تخليق نظام تشغيل بيولوجي للخلايا الحية يكافئ نظام تشغيل أجهزة الكمبيوتر، بذات الطريقة التي يمكن بها برمجة مجموعة من الخلايا بسلاسة لأداء أي وظيفة دون الحاجة لتعديل مكونات عتاده.

         والمشروع الجديد، «نحو نظام تشغيل للخلايا البيولوجية»، يحاول الذهاب إلى ما وراء علم «بيولوجيا الأنظمة»، ذلك العلم الذي يبحث فيما وراء فهم كيفية عمل الكائنات الحية، بهدف منح العلماء القوة لتطوير أنظمة بيولوجية. وستكون أولى خطواته محاولة جعل بكتيريا «إيكولاي» (e.coli) أكثر سهولة للبرمجة.


تعديل DNA الحمض النووي سيقوم بتعديل سلوك الخلية

         وفي كل مرة يحتاج العلماء لبرمجة خلية ما على أداء وظيفة معينة جديدة، فإنهم يضطرون إلى إعادة تخليقها من الصفر، وهي عملية شاقة وطويلة، بحسب وصف كراسنوجور الذي أشار إلى أنها ليست بالسهولة التي يتصورها أغلب الناس عندما يعتقدون أن كل ما عليهم فعله لتعديل سلوك الخلية هو تعديل حمضها النووي «دي إن إيه» (DNA)، فالنتيجة تكون عادة الحصول على سلوك خاطئ وعودتهم مرة أخرى إلى مربع البداية.

         وتوقع كراسنوجور، في حال نجاح المشروع، أن يتمكن العلماء في غضون خمس سنوات من برمجة الخلايا البكتيرية داخل أنظمة الكمبيوتر، ثم تخزين برمجياتها هذه داخل خلايا حية جديدة مُخَلقّة، وكما هو الحال مع أنظمة الكمبيوتر، يحاول العلماء تخليق نظام تشغيل أساسي للخلية الحية.


يتحور في سن متأخرة لكن آثاره المبكرة رائعة
جين الزهايمر يرفع معدلات الذكاء
هايدي عبد اللطيف


         بينما يشعر العالم بالقلق من مرض الزهايمر أو ما يعرف بخرف الشيخوخة أو فقدان الذاكرة الذي يأتي في سن متأخرة، كشف العلماء أخيرًا أن الجين الذي قد يسبب الزهايمر في سن الشيخوخة ليس بالسوء الذي قد يتصوره الكثيرون بل على العكس قد تكون له ميزات مهمة، إذ يبدو أن الشباب ممن لديهم الجين نفسه قبل تبدله في سن الشيخوخة، يميلون لأن يكونوا أكثر ذكاء، وأكثر تعليمًا ويتمتعون بذاكرة أفضل من أقرانهم.

         هذا الاكتشاف الذي قد يحسن من الصورة السلبية للجين المتغير، يشير أيضا إلى أن هذا التبدل الجيني شائع على الرغم من آثاره المدمرة في سن الشيخوخة. هذا الاختلاف الجيني قد يكون ميزة في سن مبكرة، بالسماح له بالتكاثر وتمرير هذا الاختلاف قبل أن تظهر آثاره السلبية. ويرى بعض العلماء أن اكتشافه أمر مهم يجب العمل عليه للاستفادة من منع تحوره في سن متأخرة والإبقاء على فوائده في سن الشباب فقط ولكن هذا لا يعني أن يعرف حاملوه الحقيقة حتى لا يشعروا بالقلق مبكرًا من احتمال إصابتهم بالزهايمر عندما يكبرون.

ما هذا الجين؟

         الأليل (عضو مفرد من الجين) محل السؤال هو «إبسيلون 4»، نسخة من البروتينات الدهنية للجين E. ووجود نسخة واحدة منه يزيد من خطر تطور مرض الزهايمر ما لا يقل عن أربعة أضعاف مقارنة بالأشخاص الذين لديهم أشكال أخرى من الجينات. وإذا كان لدى شخص ألف نسخة من «إبسيلون 4» فقد تتضاعف مخاطر إصابته إلى 20 مرة.

         وقد نشأت فكرة أن «إبسيلون 4» قد يكون مفيدا قبل عدة سنوات، عندما قام فريق من المركز الطبي لجامعة شيكاغو بتفحص البروتينات الدهنية للجين E في 78 جنديًا أميركيًا، كلهم عانوا من إصابات في الدماغ، أغلبهم أثناء تأديتهم للخدمة في العراق. وكان لدى ما لا يقل عن ست عشرة نسخة واحدة من «إبسيلون 4». وقد توقع فريق الباحثين أن من يحملون هذا الـ «أليل» ابسيلون 4 سيكونون في وضع أسوأ من زملائهم مما يحملون نسخًا مختلفة من البروتينات الدهنية للجين E، نظرًا إلى أن الدراسات السابقة التي أظهرت أن المسنين مع إبسيلون 4 يزدادون سوءًا بعد إصابة في الرأس. ولكن العكس كان صحيحًا مع الجنود الذين يحملون «أليل إبسيلون4» تمتعوا بذاكرة أفضل.

أبحاث أخرى سابقة:

         ولم تكن هذه أول دراسة تشير إلى أن «إبسيلون 4» قد يكون مفيدًا للشباب. بالعودة للعام 2000، أظهر الباحثون أن النساء الشابات ممن لديهن «إبسيلون 4» يتمتعن بنقاط أعلى في معدل الذكاء من أولئك اللاتي لا يملكن نسخًا من الجين البديل ويسجلن 7 نقاط أعلى على الجزء غير اللفظي من اختبارات الذكاء المشتركة. وفي جمهورية التشيك عام 2001، أظهر الباحثون أن 87 في المائة من حاملي «إبسيلون4 » يذهبون للجامعة، مقارنة بـ 55 في المائة ممن يحملون نسخًا أخرى من البروتينات الدهنية للجين E. وكانت المجموعة الأخيرة أيضا أكثر عرضة للتسرب من المدرسة.

         وفي الآونة الأخيرة، كشفت جيني راستد من جامعة «ساسكس» ببريطانيا، وناتالي مارشانت من جامعة بيركلي بكاليفورنيا، المزيد من الفوائد للشباب الذي يحملون إبسيلون 4. فقد برع أولئك ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و30 من حاملي الجين المتغير في المهام التي تتطلب الفص الجبهي، وهي منطقة المخ المشاركة في المهارات المعرفية العليا. وعلى وجه الخصوص، نجح حاملو «إبسيلون4 » في اللعبة التي طلبت منهم تذكر خطة مستقبلية في أوراق اللعب أثناء انشغالهم بمهمة أخرى.


بعض العلماء لا يؤيدون أن يعرف شخصا أن لديه جينات الإصابة بالزهايمر مبكرا

         وقالت راستد إن «إبسيلون4 » يساعد الناس على التركيز على المعلومات المهمة. ولكن تذكر شيء ما يتطلب أيضا تشغيل الأجزاء الغير ذي صلة، وهي قدرة معروف أنها تتضاءل مع التقدم في العمر.

         وتضيف راستد أنه من دون هذه الإمكانية الثانية، قد تضيع فوائد إبسيلون 4 على الهامش. أما سبب تأثيرها السلبي في مرحلة الشيخوخة، فما زال لغزًا، على الرغم من أن الدراسة التي أجرتها كلير ماكاي جامعة أكسفورد في العام 2009 تقدم محاولة فرضية لفهم الأسباب.

         فقد طلب فريقها ممن تتراوح أعمارهم بين 20و35 عاما أن يتذكروا صور الحيوانات أو المناظر الطبيعية التي شاهدوها من قبل، بينما يتم فحص أدمغتهم وتصويرها بالرنين المغناطيسي الوظيفي. وقد كانت مهمة سهلة والجميع أدوا جيدًا على حد سواء. ولكن منطقة حرجة من الدماغ تتعلق بالذاكرة أضاءت بقوة أكبر لدى حاملي «إبسيلون4» مما كانت عليه في الآخرين، مما يزيد من احتمال أن عقول حاملي «إبسيلون4» تعمل أكثر من طاقتها في سن مبكرة، لذا تتهالك في سن الشيخوخة. وماكاي لا تذهب بعيدا عن هذا الحد، لكنها تقول: «من الممكن أن الدماغ تعمل كثيرا في سن الشباب وهذا له آثاره في وقت لاحق».

هل يجب أن يعرف حاملو «إبسيلون4» عن وجود الجين لديهم؟

         عندما قام العالم جيمس واطسون، الذي شارك في اكتشاف الحمض النووي «دي.إن.إيه»، بنشر الجينوم الخاص به عام 2007، ترك جزءا صغيرا، هو الخاص بكشف أي أنواع البروتينات الدهنية للجين E يحملها. واختار ألا يعرف ما إذا كان يحمل أي نسخ من إبسيلون4، التي يمكن أن تزيد كثيرا من احتمالات التطور لمرض الزهايمر.

         وهو ليس الوحيد الذي قام بعمل هذا الاستثناء، فالعالم النفساني بجامعة هارفارد ستيفن بينكر واحد من العلماء البارزين الذين ينوون إتاحة الجينوم الخاص به للدراسة كجزء من مشروع الجينوم الشخصي، سيحذو حذو واطسون، والحفاظ على تسلسل البروتينات الدهنية للجين E لديه لغز.

         في المقابل أعلن رائد الجينوم جريج فنتر، أن لديه نسخة واحدة من «إبسيلون4»، مما يزيد أيضا احتمالات الإصابة بأمراض القلب، لذا بدأ في اتخاذ دواء لخفض الكولسترول ويأمل أنه قد يؤخر الزهايمر أيضًا. مشاهير العلماء ليسوا الوحيدين الذين يأملون في الكفاح أكثر مع وضع البروتينات الدهنية للجين E الخاصة بهم. يمكن لأي شخص صرف مئات الدولارات لمعرفة خريطة الجينوم الخاص به، أن يقررمعرفة ما إذا كان وضع البروتينات الدهنية للجين E لديه يضعه في خطر متزايد للإصابة بالزهايمر.

         معرفة وضعك قد لا تكون أمرًا سيئًا، كما يرى روبرت غرين من جامعة بوسطن في ولاية ماساشوستس، الذي رصد أكثر من سنتين كيف كان رد فعل عدد من الأشخاص حول أي نسخ من الجين يحملونها. ويقول، «ولم تكن هناك ردود فعل كارثية». والناس الذين شعروا بالقلق هم من اكتشفوا أنهم لا يحملون الجين المتغير.

         ولكن إذا كان «إبسيلون4» يحسن الإدراك لدى البالغين الشباب، فهل تعزز هذه الحقيقة أهمية معرفة من يحملونه لهذه المعلومة؟

         كلير ماكاي، التي تدرس تأثير «إبسيلون4» على الإدراك في جامعة أكسفورد لا تعتقد ذلك. وتقول «لا أريد أن أعرف ما إذا كنت أحمله وبالتأكيد لا أريد للآخرين أن يعرفوا أيضا». وتمنع العاملين في مختبرها من الإفصاح للمتطوعين عن حقيقة حملهم أبسيلون4، وتضيف: «ستكون فقط فكرة جيدة لمعرفة إذا كنت تحمله أم لا، عندما يكون هناك ما نستطيع فعله لوقف نشاطه لاحقًا ومعرفة كيفية التعامل معه».

العلم يبرئ الإنسان من تهمة «الوحشية»
غادة الحلواني


         كشف عالم بارز في علم سلوك الحيوانات الرئيسة؛ أن البحث البيولوجي يكشف يومًا بعد يوم زيف وجهة النظر التي سادت عن طبيعة الإنسان بأنه ذو نزعة تنافسية وعدائية ووحشية.

         كشف فرانس دي وال، عالم بيولوجي في جامعة إيموريفي أطلنطا، أمام المؤتمر السنوي للرابطة الأمريكية من أجل النهوض بالعلم أن: «الإنسان يمتلك كثيرًا من النزعات الاجتماعية».

         فقد أظهر بحث جديد أجري على الحيوانات العليا من الرئيسة والفيلة إلى الفئران قاعدة بيولوجية للسلوك مثل التعاون، جاء هذا على لسان دي وال مؤلف كتاب «عصر التقمص العاطفي: دروس الطبيعة من أجل مجتمع ألطف».

         لقد كانت النظرة وسط صفوف العلماء، حتى اثنى عشر عامًا مضت، أن الإنسان جوهريا «شرير»، لكنه طور قشرة خارجية من الأخلاق السلوكية - ولو أنها قشرة رفيعة، كما صرح دي وال أمام علماء وصحفيين من أكثر من خمسين بلدًا.

         وأضاف دي وال أن طفل الإنسان - وطفل معظم الحيوانات العليا - «أخلاقي» بالمعني العلمي، لأنه يحتاج إلى التعاون مع أقرانه للتوالد وإمرار جيناته. كما قال إن البحث العلمي أثبت عدم صحة النظرة التقليدية للأطروحة، التي سادت منذ القرن التاسع عشر، التي قدمها عالم الأحياء توماس هنري هكسلي التي تنص على غياب الأخلاق عن طبيعة الإنسان وأنها شيء يقوم بخلقه. كما قال أن الفرضيات العامة إن تشارلز داروين، مؤسس علم التطور، هو من أرسى وجهة النظر القاسية، خاطئة أيضًا.

         يشرح والبأن «داروين كان أكثر ذكاء من معظممن ينتمون إلى مذهبه» ويستشهد من كتاب داروين «أصل الإنسان» أن تلك الحيوانات التي طورت «غرائز اجتماعية واضحة يمكن أن تكتسب حتميا حس أخلاقي أو ضمير».

         وقد عرض دي وال على الحضور أفلامًا مسجلة من مختبرات علمية تكشف عن الاضطراب العاطفي الذي يشعر بها قرد رفض معاملة يتلقاها قرد أخر، وفأر يتخلى عن قطعة من الشوكولاته لكي يساعد فأر آخر على الهرب من المصيدة.

         يصرح دي وال عالم الأحياء الهولندي بجامعة إيموري في أطلنطا بجورجيا أن هذه الأفلام تظهر أن الحيوانات طبيعيا تمتلك نزعات اجتماعية نحو «التبادلية (المعاملة بالمثل) والإنصاف والتقمص العاطفي والعزاء والسلوى».

«الأخلاق السلوكية الإنسانية أمر غير وارد بدون التقمص العاطفي»

         وفي معرض إجابته عن سؤال طرح عليه ما إذا يمكن أن يغير القبول العام للتقمص العاطفي التنافس الحاد الذي تقوم عليه النظم الرأسمالية الاقتصادية والسياسية، راوغ مازحا «أنا لست إلا مراقب قرد».

         لكنه صرح للصحفيين أن البحث العلمي يظهر أيضًا أن الحيوانات تضفي التقمص العاطفي على الحيوانات التي تألفها ضمن «جماعتها التفضيلية الخاصة» - وأن هذه النزعة الطبيعية تمثل تحديًا في عالم إنساني عولمي. وأضاف أن «الأخلاق» (التي تتطور في الإنسان في المجتمعات الصغيرة) تمثل تحديًا... إنها تجربة يخوضها النوع البشري بأن يطبق نظامًا نشأ أصلاً ليلائم (الجماعات التفضيلية الخاصة) على العالم كله».


فرط نشاط المخ قد يفسر أعراض الاكتئاب المتنوعة
صلاح الدين علي أبوشحمة


         كلنا نعرف معنى أن نَصِفَ شخصًا ما بأنه مكتئب, فكلمة اكتئاب مفهومة عندنا بداهة وهي تعبير عن حالة مزاجية تظهر آثارها جلية على ذلك الشخص, ولكن الاكتئاب كحالة مرضية تصحبه الكثير من الأعراض كالقلق وضعف التركيز واضطرابات في الذاكرة والنوم وغيرها.


الاختلاف في درجة الوصلات في دماغ شخص مريض بالاكتئاب (يسارا) ودماغ شخص سليم (يمينا)

         في الماضي اقتصرت محاولات العلماء المهتمين بالاكتئاب على تحديد المناطق المسئولة عن هذه الأعراض في الدماغ, ولكن كثرة الأعراض المصاحبة للاكتئاب دلت الباحثين في جامعة كاليفورنيا (UCLA) على اقتراح أن الأعراض المتعددة للاكتئاب قد تكون ناتجة عن اختلال وظيفي في الشبكة الدماغية التي تربط المناطق المختلفة في الدماغ.

         اليوم تمكن العلماء في جامعة كاليفورنيا من إثبات أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب لديهم زيادة في الوصلات بين معظم مناطق الدماغ, وهذا يسلط الضوء على طبيعة الاضطراب الدماغي في مرضى الاكتئاب وسبب الطيف الواسع من الأعراض المصاحبة له.

         يقول الدكتور أندرو لوشتر أستاذ الأمراض العصبية في معهد سمل للعلوم العصبية والسلوكية في جامعة كاليفورنيا «الدماغ يجب أن يكون قادرًا على تنظيم وصلاته العصبية كي يؤدي وظائفه بشكلها الصحيح, وعند مريض الاكتئاب يستطيع الدماغ تكوين وصلات وظيفية بين أجزائه المختلفة ولكنه يفقد القدرة على إلغاء هذه الوصلات. ففشل الدماغ في جعل المناطق المختلفة تعمل مع بعضها باتزان قد يفسر حدوث أعراض الاكتئاب المختلفة».

         في هذه الدراسة - وهي الأكبر من نوعها - قام الباحثون بدراسة الروابط الوظيفية قي أدمغة 121 شخصًا يعانون من اضطراب اكتئابي رئيسي (major depressive disorder) حيث قاموا بقياس تزامن الإشارات الكهربائية في الدماغ بغية دراسة شبكة الاتصال بين أجزائه المختلفة.

         وبينما كان العلماء في السابق يركزون على دراسة الأنماط غير الطبيعية من الروابط في مرضى الاكتئاب، قام هؤلاء الباحثون باستخدام طريقة جديدة لفحص جميع الروابط في الدماغ, وقد وجدوا أن هناك زيادة في التزامن بين جميع ترددات النشاط الكهربائي, وهذا يشير إلى اضطراب في شبكات الاتصال في الدماغ.

         المنطقة الدماغية التي أظهرت أكبر درجة من الاتصالات غير الطبيعية هي المنطقة قبل الجبهية (prefrontal cortex) وهي مسئولة بشكل كبير عن المزاج والقدرة على حل المشاكل. والسؤال الذي يطرحه العلماء الآن هو ما درجة تأثير كل هذه الاضطرابات في التغيرات الكيميائية في الدماغ التي نلاحظها عند مرضى الاكتئاب؟ والاجابة عن هذا السؤال قد تعطي العلماء معلومات أكثر في فهم عمل الأدوية المضادة للاكتئاب.


روسيا تعلن عن نيتها زرع مخ إنساني حي في الإنسان الآلي
خلال عشر سنوات
غ . ح


         أعلن القطب الإعلامي الروسي البارز ديمتري أتسكوف في المؤتمر الدولي لمستقبل العالم 2045، أنه بصدد اطلاق مشروع أطلق عليه اسم «أفاتار». ينطوي هذا المشروع على زرع مخ إنسان حي في الإنسان الآلي. وقد ردد اتسكوف في مواقع إعلامية عديدة أنه قام بتعيين فريق من ثلاثين عالمًا للبدء في مشروعه.

         إن الهدف الأول لدى أتسكوف هو أن يزرع مخ إنسان حي في إنسان آلي خلال عشر سنوات، ثم يرغب في أن يقدر على أن يحمل وعيًا بشريًا في مخ اصطناعي خلال ثلاثين عامًا. كما يرغب أتسكوف في تحميل عقول بشرية في أجساد ثلاثية الأبعاد (المجسمات). وهذه الأجساد هي هدفه النهائي وحلمه الأخير. إن الفكرة التي تكمن خلف كل من أهداف أتسكوف الثلاثة جوهرها أن الإنسان الحي يمكن أن يمتد نطاق حياته امتدادا لا نهائيًا.

         يقول اتسكوف إننا دخلنا «مرحلة جديدة من تطور علم الأحياء الذي يمكن التحكم به»، وفي سياق شرحه الوجيز حول تفاصيل مشروعه، أشار أتسكوف إلى العسكرية الأمريكية التي أعلنت أخيرًا عن مشروع أفاتار، حيث يمكن لجنودها من خلال مشروعها أن يقوموا بتشغيل الإنسان الآلي البديل، عن بُعد. يقول أتسكوف أن هذا النمط من التكنولوجيا يجب أن يكون متاحا لكل البشر وأن تكون كلفته في متناول الجميع.


«الأولمبياد الحيواني الشامل»: البشر لا يفوزون في غياب ذكائهم!
أحمد مغربي


         اقترب «أولمبياد لندن 2012». وينشغل أبطال الجسد البشري بالاستعداد لإظهار الحدّ الأقصى من قدراته حاضرًا. منذ وقت طويل لم تعد القوة الجسدية للبشر رهنًا بمعطيات الطبيعة، بل باتت موضعًا لتدخل ذكاء الإنسان في تنمية قدراته وقواه وعضلاته. باتت تلك الأمور موضع علوم مستقلة. ليس عبثًا أن الدول الكبرى والأكثر اهتمامًا بالعلم هي الأكثر حصدًا لميداليات التفوّق في أولمبياد الرياضة.

أولمبياد خيالي

         ماذا بالنسبة للحيوانات؟ كيف تبدو الأمور بالنسبة للكائنات التي تعتمد على قدراتها البيولوجية الطبيعية وحدها، بمعنى أنها تملك القوى الموجودة فيها طبيعيًا. لم يُشاهد الأسد مثلًا في «جيم» مُتدرّبًا على زيادة قوة عضلات فكّه، التي ربما لا تحتاج للمزيد، إذ تستطيع أن تمزّق جسد أي حيوان على الأرض، بما في ذلك البشر أيضًا. ورغم استخدام الفيلة في الهند مثلًا لنقل الأخشاب بخراطيمها، إلا أنها لا تفعل ذلك على سبيل التدريب ولا تمهيدًا لخوض مباريات في رفع الأثقال! ماذا لو أطلقنا العنان للخيال قليلًا؟ ماذا لو نظّمنا أولمبياد من نوع آخر، تتبارى فيه الحيوانات كافة، بمشاركة البشر أيضًا؟ لنعط هذا الأولمبياد الوهمي اسمًا. لنقل إنه « الأولمبياد الحيواني الشامل».

         تبدو قواعد هذا الأولمبياد الحيواني الخيالي سهلة تمامًا. لا تزيد قائمتها عن القول بأن أحدًا لا يدعس الآخر ولا يأكله ولا يلتهمه ولا يمزّقه إربًا. لقد جاء اللاعبون من «قارات» متباعدة تمامًا. لكن ما يفصلهم ليس الجغرافيا وحدها على الأقل. تتباعد هذه «القارات» بموجب القوانين الصارمة لبيولوجيا الكائنات الحيّة التي تعيش على الأرض. ربما تصلح الكلمات السابقة إعلانًا خياليًا عن «الأولمبياد الحيواني الشامل». ويتبارى في هذا الأولمبياد الأفضل بين البشر في الألعاب كلها، مع « أنداد» لهم من عوالم الحيوانات والوحوش والزواحف بل والحشرات.

فريق البشر وقطيع الحيوان: لا منافسة

         بحكم الحال، لن يجدي أن يتضمن هذا الأولمبياد ألعابًا جماعية يخوضها فريق ضد آخر. الأرجح أن تلك البطولات حكرٌ على البشر، رغم أن كثيرًا من البحوث العلمية أثبتت أن بعض الحيوانات تتصرّف كـ «فريق» أحيانًا، لكن الأمر يتصل بسلوكيات القطيع، وليس الفريق الرياضي. واستطرادًا، يستطيع البشر أن يطمئنوا إلى أنهم يحصدون كليًّا نتائج المنافسات في الألعاب الجماعية، التي تُظهر ذكاء البشر أفرادات وجماعات. وبإمكان عُشّاق لاعب كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسّي أن يطمأنوا إلى أنه لن يواجه منافسة في هذا الأولمبياد أيضًا.

         مهما قيل في قوة الإنسان البيولوجية أو ضعفها، فان العمق الأبعد غورًا في هذا الكائن وهويته، إنما يكمن في العقل والذكاء. وحدهم البشر يقدرون على تأليف فرق تتفاهم بالكلمة والنظرة، وتفهم القوانين وتتصرف بناء على هذا الفهم. واستطرادًا، تذهب الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية لألعاب الفرق، مثل كرة القدم والسلة والطائرة واليد، وسباقات البدل والتتابع. لكن البشر لن يضمنوا فوزًا سهلًا في أي من الألعاب الفردية.

الأسرع: الفهد الأبيض


أولى الذهبيات للفهد الأبيض الذي يعدو حتى سرعة 135 كلم/س

         أولى ذهبيات الحيوان يحصدها الفهد الأبيض «الشيتا». إذ يعدو هذا الراكض على أربع، لكنه أسرع عدّاء على الأرض. وتصل سرعته إلى 135 كيلومترًا في الساعة، ولا تأتي سرعة «الشيتا» من ساقيه وحوضه، مثل حال الإنسان، بل من قوى جسده المليئة بالعضلات القوية. إذ تدفعه أطرافه الخلفية والأمامية بحجمها الضخم، قياسًا إلى مجمل الجسم. ويستفيد «الشيتا» أيضًا من ليونة ظهره وغياب عظام الكتف في هيكله العظمي، لأن سواعده تتصل مع الجسم بالعضلات وحدها. وعندما يقلّص جسده ليقارب أطرافه الأربعة، يتقوّس ظهره إلى حدّه الأقصى. ويعقب ذلك دفع مذهل، فكأنه زنبرك ضُغِط بأقصى قوة، ثم أُفلِت. ويدعم «الشيتا» هذا الاندفاع الانفجاري، بقذف قوائمه الخلفية إلى الأمام. وتكفل هذه القوة الرهيبة للفهد الأبيض الميداليات الذهبية لسباقات الركض من مسافة مائة متر حتى ألف وخمسمائة متر. إذ لا يحتاج لسوى خمس عشرة ثانية ليقطع أربعمائة متر، أي أقل من ثلث الوقت الذي يحققه أسرع عدّائي البشر. وفي سباق الألف وخمسمائة متر، يعاني أبطال الجنس الإنساني إرهاقًا شديدًا، فيما «الشيتا» ينهي السباق بدقيقة وحيدة، بمعنى أنه أسرع بمرتين ونصف من الرقم العالمي القياسي للبشر في هذه المسافة.

أُحجية الماراثون

         ثمة وميض أمل، إذا قرر الفهد الابيض اختبار قواه الهائلة في مسابقات المسافات الطويلة، فإنه يخسرها كلها، بدءًا من سباق الخمسة آلاف متر. إذ تحتاج الاندفاعات القوية للـ«شيتا» إلى حرق كميات كبيرة من السعرات الحرارية داخل جسده الحار أصلًا. لا تنخفض الحرارة الداخلية لهذا الحيوان عن 7.83 درجة مئوية. وفي جري المسافات القصيرة، تتسرب الحرارة الإضافية من العضلات إلى الخارج. أما في سباق المسافات الطويلة، فإن تسعين في المائة من الحرارة تحتبس داخل الجسم. ولدى بلوغ الحرارة 40.5 درجة مئوية، يصدر مخيخ الـ«شيتا» أمرًا صارمًا لجسده بوقف الحركة كليًّا، تحت طائلة تَلَف الأعضاء الحساسة بفعل الحرارة اللاهبة. بينما يتابع عداؤو البشر جريهم، معتمدين على نظام «تبريد» مزدوج من العرق ومسامات الجلد.

         وهكذا يتنفس الجمهور البشري الصعداء, مع فوز العداء الإثيوبي هايلي جيبري سيلاسي بسباق الخمسة آلاف متر. ماذا عن الأحصنة والكلاب؟ أوليست عدّاءات يُعتدّ بها؟

         مع الاقتراب من المسافات الطويلة جدًا، لا يعود الفوز مرهونًا بقوه العضلات، بل بقدرتها على الابتراد أولًا، إضافة إلى استمرار إمدادها بكميات مناسبة من الأكسجين على نحو متواصل. وبذا تظهر ميزة المشي المَرِن والمنتصب على القدمين التي يتمتّع بها الكائن البشري. أما الحيوانات التي تجري على أربعة قوائم، فإنها تحرق سعرات كثيرة لتمد بالطاقة عضلات الأطراف كلها. ويعني هذا أنها تحتاج إلى ابتراد س�

Around-theworld

علوم الحياة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 153 مشاهدة
نشرت فى 3 أغسطس 2012 بواسطة Around-theworld

ساحة النقاش

Around the world

Around-theworld
الكون المعجز شاهد عجائب الكون الان من خلال علوم الحياة »

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

36,458