جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
(فاكهة الشِّتاء) - (محمد رشاد محمود)
في مُنتصف أكتوبر من عام 1980- وكنتُ فى السادسةِ والعشرين - لفَظَتني أثباجُ الحياةِ بعد التّقَلُّبِ في غياهب معتقلات العراق ثمَّ سوريا إلى غُرفَةٍ في مأدبا الأردن ، ألملِمُ جراحاتي وأنفضُ ركامَ المواجع التي تناهَبَتني ، لا عن جُرمٍ اقتَرَفْتُ ، وكان البردُ يُحِدُّ أسنانه ويلعَق الحوائِطَ بلسانٍ يَقطُرُ منه الشَّبَم ويَفِحُّ حتَّى لتنالني منه رِعدَةٌ لا تترُكني تحتَ لحافين من الصوف مُعالِجًا النَّوم - دون جَدوَى - في جُنح الليل وقد تآمَرَتْ معه نافِذّةٌ بلا زجاجٍ ، (شيشُها) من حديد وبابُها من فولاذ وكانَت الأمطار لا تكفُّ عن الوَبْل أيامًا مٌتتابعات .. وفي هذه الحال فتَّحْتُ عينَيَّ ذات نَهارٍ ، فإذا بوهَجٍ كوهَج مصابيح (النيون) حمَلَني على فتح الباب ، لِتَقَعَ عينايَ على مَشهَدٍ ما كُنتُ أحسبُ أني رائيه .. إنه الثَّلج على مدى البصَر ، يكسو الأرض ويُكلِّل الشجَر ويعلو هامَ الأكَــم ، ومع وضاءته واستشراف النفس إياهُ تَفَجَّرَ الحنينُ إلى الدفءِ ، ووددت لو أُحِطتُ بصُحبُةٍ طيبةٍ من ثُلَّةٍ كان ملءَ جوانِحها صريحُ الود ، مُتَحَلِّقينَ حولَ النار (فاكِهَة الشتاء) ، فكانت هذه الأبيات :
كَــــــفُّ الــشِّتـــــاءِ ثَقيـلَـــــةٌ
والنَّبــضُ فـي قلــبي خَفيــفْ
مَـصَّ الــصَّقيـــــعُ شَبــَـــابَــهُ
فَــذَوَى كــــأوراقِ الــخَريــفْ
مَــنْ لــي بِفـاكِهَــــةِ الشِّتـــــا
ءِ علَـى شَـــبا الــصِّرِّ العَنيـفْ
مُزِجَتْ بِقُرْبِ الـصَّحْبِ بالـسـ
سـرَّاءِ مِـنْ ظَــرفِ الــظَّريـفْ
مَشْــــداكَ لَــــحْــنُ جنـَــــازَةٍ
يــَــا وابِـــلَ الغَيـْـمِ الكَثيـــفْ
ذابَ الـحُبُــــــورُ بِمَتْنِـــهَــــــا
ذَوبَ الـدِّمـاءِ عَلَـى الـقَذيــفْ
واغرَورَقَــتْ عَيـــنُ الحَيـَـــــا
ةِ لِـذُكْــــرَةِ الـخِــلِّ الأليـــــفْ
(محمد رشاد محمود)
المصدر: محمد رشاد محمود