شاع استخدام هذا المصطلح في دنيا الإعلام وخرج في العقد الأخير من مجال المؤتمرات المتخصصة في البيئة للهيئات الدولية ليدخل اهتمامات الكتاب أو ببعضهم علي الأقل في الصحافة . وهو باختصار يدل علي حساب التكلفة البيئية لأي من الأعمال الاقتصادية علي مساحة البلد الواحد أو الإقليم أو العالم بأسره . والمقصود بالتكلفة البيئية درجة استخدام الموارد الطبيعية مياه عذبه وأراضي خصبة وغابات وحيوانات أو تلويثها أو الوصول بها إلي حد الضياع والإسراف أو حتى الفناء نتيجة للقيام بالمشروعات الزراعية والصناعية والخدمية المختلفة.
وقد نشأ هذا المصطلح أو المفهوم في خضم الاهتمام والقلق علي البيئة علي المستوي العالمي وتعرض هذه البيئة للتلف الذي لا يمكن تعويضه نتيجة للآثار المترتبة علي النشاط بل الحياة الإنسانية نفسها ليس فقط علي النشاط الاقتصادي بمعناه الدارج . والمصطلح يعد ترجمة لهذا الاهتمام ونقله من لغة الاصطلاح الأخلاقي أو السياسي إلي لغة الاقتصاد حيث تسود الأرقام بدل المفاهيم العامة الموصوفة بالمجردة. وهذا النقل يعكس في الواقع تركيز الاهتمام في الغرب بالذات علي الجانب الاقتصادي المادي وابتعاده عن الجانب الأخلاقي الإنساني التوجه الذي كانت بواعث القلق البيئية تجد التعبير عنه في البداية من جانب جماعات معينة ومحدودة في الغرب . إن ظهور هذا المفهوم يدل في الواقع علي نوع من التضحية قامت بها الجماعات البيئية لكي تؤمن نقل الاهتمام بالبيئة من المجال الضيق العلمي والنخبوي والأخلاقي إلي المجال الواسع في الغرب وهو المجال المصبوغ بالاهتمام المادي الاقتصادي الرقمي الكمي.
ويؤدي مفهوم المحاسبة البيئية علي المستوي العملي والفعلي والتفصيلي إلي إدخال تكلفة الموارد البيئية المستخدمة أو المستهلكة في النشاط الإنساني لتضاف إلي عناصر التكلفة الأخرى التقليدية التي يدخلها الاقتصاد في حسبانه عند وضع الميزانيات للمشاريع . وليس بالضرورة أن تترجم هذه التكلفة إلي أرقام مالية مباشرة ومحددة بل يمكن حسابها بشكل عام أو تصوري كما أنها توضع في الاعتبار علي أساس مستقبلي لأن الكثير من الموارد الطبيعية المستهلكة في النشاط الإنساني المتنوع لا تتجدد بحيث أن الأجيال القادمة سوف تخسرها لم تكون متاحة لهم مما قد يعرقل نشاطهم الإنتاجي أو الخدمي أو حتى المعيشي ذاته لآن هذه الموارد البيئية تدخل في هذا النشاط وهو يقوم عليها . والموارد ليس فقط ذات طابع إيجابي مياه أشجار معادن...الخ. وكذلك ذات طابع سلبي بمعني أنها تتمثل في إهدار مصادر أو في تلويث واسع النطاق يحد من النشاط الإنساني أو يمنعه تماما.
والميزة الأساسية لمفهوم المحاسبة البيئية هي أنه عندما نقل الاهتمام بالبيئة إلي دنيا الاقتصاد والمال وعالم المحسوس والتفصيلي كشف في الواقع مدي رفض الدول الغربية الكبرى وعلي رأسها الولايات المتحدة لتحمل التكلفة البيئية لرفاتها الاقتصادي وربحيتها العالية التي أوضح هذا المفهوم أنها تتحقق ليس فقط علي حساب السنوات الأخرى من ناحية بخسها حقها الاقتصادي واستغلالها حسب مفاهيم الفكر اليساري القديم بل تتحقق علي حسابها من ناحية إضاعة موارد هي ملك البشرية كلها ومن ناحية تلويث بيئة يعيش فيها الناس كلهم بعد ثبوت أن التلوث لا يقتصر أثره علي بيئة محددة أو حتى إقليمية بل يصل ليغطي العالم كله ومثال علي ذلك ثقب الأوزون وارتفاع درجة حرارة الأرض وتأكل الغابات الاستوائية واستهلاك موارد المياه العذبة والبترول . ولم تقف الدول الكبرى وحدها متهمة ومكشوفة في هذا الإطار بل إن دولا مثل الصين والهند والبرازيل كانت توصف حتى وقت قريب بالنامية تقوم الآن في بناء سبيل قوتها الجديدة باستغلال الموارد الطبيعية وتلويث البيئة إلي حد كبير كما تفعل الهند في حالة الوقود الأصفوري (الفحم) وكما تفعل البرازيل في حالة الغابات الاستوائية وكما تفعل الصين في حالة مياه الأنهار الكبرى . وهذه الأفعال وبالذات في حالة الهند والبرازيل كانت تثبت في أنها تؤثر علي مستوي التغيرات البيئية العالمي . وهي بالطبع تفعل ذلك متأسية بالدول الغربية التي بنت رفاهيتها وأوضاعها الاقتصادية علي حساب نهب واستهلاك الموارد الطبيعية غير القابلة للتجدد وعلي حساب تلويث البيئة العالمية بشكل يصعب أو يستحيل إصلاحه.
وقد حدث تحول غريب في مصطلح المحاسبة البيئية لأنه بعد أن بدأ بالفعل تطبق بعد جوانبه في بلدان غربية أوروبية أدلي ذلك إلي رفع تكاليف المنتجات وبالتالي أسعارها مما أضعف القدرات التنافسية لتلك البلدان ودفعها للمطالبة بفرض نفس المعايير علي البلدان النامية . وأثار ذلك احتجاجات علي تلك الدول التي خشيت علي مواردها وصادرتها بجانب تأثرها بارتفاع أسعار وارداتها . وهنا لاحت نذر المزيد من الحروب التجارية . لكن الدول النامية أخذت بدورها ترفض مبدأ المحاسبة البيئية رغم أنها هي الأشد تضررا من تلوث البيئة واستهلاك الموارد الطبيعية علي المستوي العالمي . وتظل البلاد العربية متخلفة بمراحل عن أنماط التفكير هذا في البيئة العالمية ومصيرها . ولا نتحدث هنا عن المحاسبة البيئية بل عن مجرد المحافظة علي الموارد الطبيعية ولا سيما المياه وإهدارها والإسراف في استخدامها علي أنماط متخلفة من النشاط الاقتصادي الصناعي والخدمي بجانب إضاعة الأراضي الصالحة للزراعة في استهلاك لا طائل من ورائه سوي تقليد ومحاكاة الغرب . وقد أظهرت تقارير أخيرة من مصر مثلا إلي فزع ورعب في أوساط الخبراء والمثقفين من جراءة ما ذكر حول التآكل السريع للتربة الزراعية الخصبة نتيجة لأعمال البناء فضلا عن إهدار مياه النيل التنمية في مشاريع صناعية قديمة ومتخلفة من أيام الستينات .
نشرت فى 24 مارس 2012
بواسطة Amany2012
موقع خاص لأمانى إسماعيل - باحثة دكتوراه فى العلوم الاقتصادية والقانونية والادارية البيئية »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
556,362
ساحة النقاش