إن تأمين الأسس الطبيعية للحياة الانسانية من خلال حماية مسؤولة للبيئة متمثلة بالوقاية الاحتياطية ضد الأخطار البيئية على ضوء وجهات النظر الايكولوجية والايكونومية والاجتماعية يُعتبر اليوم وعلى المستويين الوطني والعالمي اجراءً أساسياً لضمان مستقبل آمن من المشاكل البيئية. هذا و يمكن تحقيق ذلك عن طريق إدراك و نشر و تطبيق ما يسمى بمفهوم السياسة البيئية.
تمثل السياسة البيئية جزءاً من السياسة العامة والضرورية لمستقبل إنسان أفضل، كما أن مهمة السياسة البيئية لا تنحصر فقط في معالجة الأضرار البيئية المتواجدة أصلاً وإنما تتعدى ذلك للمطالبة بتجنب المشاكل البيئية وتقليل الأخطار الناجمة عنها قدر الامكان، كما تسعى إلى إيجاد وتطوير الاجراءات الضرورية والفعّالة لحماية صحة الانسان وحياته و قيمته من كافة أشكال التلوث.
إن الدور الذي ينبغي على السياسة البيئية أن تلعبه مرتبط و بشكل وثيق بالثقافة البيئية. ففي الوقت الذي تطمح فيه السياسة البيئية لحل المشاكل البيئية باستخدام اجراءات تقنية وإدارية تسعى الثقافة البيئية على التوازي وباهتمام متزايد لإحداث تغييرات في طرق التفكير و السلوك البيئي عند الإنسان. حيث أن جسر العبور إلى مجتمع يمتلك صفات الاستمرارية يتم تأسيسه بتوجيه المجتمع والنهوض به بحيث يتصرف كل شخص وكأنه صاحب قرار ناضج. هذا وتهدف الثقافة البيئية إلى تطوير الوعي البيئي وخلق المعرفة البيئية الأساسية بغية بلورة سلوك بيئي ايجابي ودائم، والذي هو بمثابة الشرط الأساسي كي يستطيع كل شخص أن يؤدي دوره بشكل فعّال في حماية البيئة وبالتالي المساهمة في الحفاظ على الصحة العامة. وهنا تكمن أهمية الثقافة البيئية والسعي الدؤوب لتطويرها، بغية نشرها و إنضاجها لتتحول بذلك إلى مجال خاص مهم وقائم بذاته قادرعلى أن يأخذ دوره في المناهج التدريسية في كافة المراحل المدرسية و الجامعية بهدف تنشئة أجيال بعقول جديدة تعي مفهوم الثقافة البيئية وتعمل على تطبيقها.
إن الثقافة البيئية كمرادف غير مباشر للتعلم الايكولوجي و التربية البيئية هي عملية تطوير لوجهات النظر والمواقف القيميّة وجملة المعارف و الكفاءات والقدرات و التوجهات السلوكية و جملة النتائج الصادرة عن عملية التطوير هذه من أجل حفظ وحماية البيئة.
الثقافة البيئية تتحقق في كل المراحل و تجهيزات جوهر العملية الثقافية وفي مجال متابعة التعلم الحر و أيضاً في كافة المنظمات و الجمعيات التي تسعى لحماية البيئة والطبيعة. ذلك من خلال عمليات تعلم وتعليم ممنهجة ومنظمة ومبرمجة زمنياً وذلك بهدف بناء جيل ذا كفاءة عالية و استعداد للتعامل بخبرة وبكامل المسؤولية مع قضايا البيئة. من خلال هذه التحديدات تكتسب الثقافة البيئية مفهوماً مختلفاً يميزها عن الشكل الإخباري للإهتمام بقضايا البيئة و الذي يضع بالاعتبار الأول الطريقة العفوية المشروطة بحالة ما.
وبناءً عليه فإن السياسة البيئية بارتباطها الوثيق مع الثقافة البيئية لها أهداف جوهرية أساسية وأخرى ثانوية. إن الأهداف الجوهرية يمكن حصرها بالنقاط الرئيسية التالية:
• إن حماية وحفظ صحة و حياة الانسان هي التزام وواجب أخلاقي من المفروض أن يؤخذ بعين الاعتبار عند القيام بأي عمل من قبل المجتمع والدولة.
• إن الحماية و التطوير المستديم للنظام الطبيعي و النباتي والحيواني وكافة الأنظمة الايكولوجية في تنوعها وجمالها وماهيتها ما هو إلا مساهمة رئيسية من أجل استقرار المنظر الطبيعي العام وكذلك لحماية التنوع الحيوي الشامل.
• حماية المصادر الطبيعية كالتربة والماء والهواء والمناخ والتي تعتير كجزء رئيسي من النظام البيئي و في الوقت نفسه كأساس للتواجد و المعيشة للإنسان والحيوان و النبات ولمتطلبات الاستثمار المتنوعة للمجتمع الانساني.
• حماية وحفظ الموارد المعنوية والتراث الحضاري كقيّم حضارية و ثقافية و اقتصادية للفرد و المجتمع.
• العمل على حفظ و ترسيخ و توسيع فضاءات حرة و ذلك لخدمة الأجيال المستقبلية و أيضاً بهدف الحفاظ على التنوع البيئي الحيوي و الأماكن الطبيعية.
• استبدال المصادر الاحفورية بالمصادر الطاقية البديلة.
أما الأهداف الثانوية للسياسة البيئية تنحصر بحل المشاكل التالية:
• الادارة المتكاملة للمخلفات و المواد الخطرة و المواد الكيميائية .
• حماية الصرف الصحي .
• نظافة الهواء.
• تجنب الضجيج.
• مكافحة التصحر و إنقاذ المنظر الطبيعي العام من الهلاك الناتج عن التلوث البيئي.
إن حماية البيئة الموجهة حسب الأهداف الأساسية والثانوية المذكورة أعلاه، هو عمل احتياطي وقائي موجّه تقع مسؤوليته بالدرجة الأولى على عاتق الدولة وذلك بالتعاون الفعّال مع كافة الجمعيات المدنية بهدف معالجة النقاط الرئيسية التالية:
• إزالة أو معالجة الأضرار البيئية القائمة.
• تجنب أو التقليل من االمشاكل والأخطار البيئية الراهنة.
• الوقاية الاحتياطية من المشاكل البيئية المستقبلية والتي قد يكون من الممكن تداركها.
إن إحدى أهم التزامات الدولة وأكثرها خصوصية تكمن في تحديد الشروط الضرورية لحماية البيئة و تجنب المشاكل البيئية والتي يمكن تلخيصها بمايلي:
• إصدار القوانين والأوامر الإدارية المتعلقة بكافة مجالات حماية البيئة عل أن تتضمن هذه القوانين الشروط الكافية لتحقيق الأهداف المرجوة من السياسة البيئية. هذا بالإضافة إلى إمكانية فرض ضرائب و رسوم بيئية بحسب المبدأ : من يستهلك البيئة و مواردها أكثر يدفع أكثر، هذا و يمكن استخدام الضرائب المقررة لدعم مشاريع حماية المناخ أو كاستثمارات في مجال الطاقات البديلة . كذلك ينبغي منح إعانات مالية و إيجاد وتطوير مواد استعمال ذات مواصفات رفيقة بالبيئة ، وتطوير عمليات انتاجية فقيرة العوادم والعمل على تطوير مشاريع واساليب إعادة الاستثمار الفعّال عن طريق إيجاد تقنيات مناسبة للتخلص من النفايات بكافة اشكالها بطرق بيئية سليمة. ومن الطبيعي ضمن هذا الاطار أن تسعى قو انين حماية البيئة لتحقيق الاستعمال الأمثل للمصادر الطبيعية بما فيها الماء والتربة وذلك عن طريق ايجاد طرق و وسائل رفيقة بالغابات و الأراضي والطبيعة بشكل عام.
• العمل على الارتقاء بمستوى الوعي البيئي بين السكان ومتابعة تطوره من خلال برامج ثقافية وإعلامية وكذلك تقديم الاستشارات والنصائح البيئية بغية الوصول إلى الهدف الأكبر وهو خلق نهضة وطنية ذات عزيمة وتصميم على حماية البيئة والوقاية من التلوث و الوقوف في وجه المحاولات الرامية لنقل الصناعات الملوثة إلى بلدان العالم الثالث بحجة تشجيع الاستثمار.
• خلق حالة من الإنسجام والتعاون المشترك وتبادل الخبرات بين البلد المعني والبلدان المجاورة بالإضافة إلى تأمين و تفعيل جسور التعاون التقني مع بعض البلدان و الجامعات الأوروبية بهدف تطوير مشروع مشترك ضمن إطار تفعيل السياسة البيئية وابراز دورها الرئيسي في درء المخاطر البيئية و اتخاذ التدابير المناسبة للحد من ظهور مشاكل بيئية مستقبلية.
• تقتضي الضرورة تنفيذ دراسات تقييم الأثر البيئي للمشاريع الاستثمارية و مراقبة تطبيقها بالإضافة إلى الاعتماد على ما يسمى باختبار حساسية البيئة ومدى امكانية التعايش معها، ووضع هذا الاختبار موضع التنفيذ على أن يمتد ليشمل كافة مجالات التخطيط لمشاريع الاستثمار بكافة اشكالها بما فيها الصناعية والإنتاجية أخذين بعين الاعتبار أنواع المنتجات وطرق الانتاج وكذلك طرق التخلص من النفايات الصادرة عن العملية الانتاجية.
• تشجيع ترجمة العلوم البيئية في المجال القانوني البيئي و الهندسي و الاقتصادي و التربوي البيئي إلى اللغة العربية و زيادة فرص التخصص العالي في المجال البيئي من أجل خلق كيانات علمية بيئية قادرة على نشرالثقافة البيئية التقنية الحديثة و فرض تواجدها عالمياً باعتمادها أسلوب ضمان الجودة الشاملة.
إن السياسة البيئية الناجحة هي تلك السياسة التي تمهّد الطريق أمام نشوء وعي وثقافة بيئية ، وهي التي تربط النظام الايكولوجي بالنظام التعليمي وكلاهما بالنظام الاقتصادي ونظام السوق وتحترم وتشجع المسؤولية الذاتية لكل من نظام السوق والاستثمار، وتعمل على إزالة كافة اشكال البيروقراطية أمام التراخيص الهادفة لتخطيط مشاريع رفيقة بالبيئة والانسان وتمكين المستثمرين و الباحثين من الوصول إلى دراسة و فحص كل النواظم و اللوائح و المعايير التقنية المتواجدة و اعطاء الضوء الأخضر أمام إدخال نورمات جديدة و كذلك التقرب من الشركات الصناعية عن طريق تقديم عروض للمشاركة بنظام جماعي مهتم بإدارة البيئة و اختباراتها، و إشراك المواطنين عن طريق وسائل الإعلام مثلاً لإبداء الرأي حول البعد البيئي للمشاريع معزمة الإنشاء وكذلك اشراكهم في الاتفاقات الصناعية المزعم عقدها. وبهذا الشكل يمكن الشروع بمحاولة للإتحاد و التعاون بعيداً عن أي تعارض بين النظام الايكولوجي والنظام الاقتصادي.
نشرت فى 16 مارس 2012
بواسطة Amany2012
موقع خاص لأمانى إسماعيل - باحثة دكتوراه فى العلوم الاقتصادية والقانونية والادارية البيئية »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
557,242
ساحة النقاش