تعتبر معالجة المخرج الأمريكي ارسون ويلز المعروف بمفاجآته المذهلة دائما في وقت مبكر منذ بداية عمله في السينما الأمريكية عندما كان شابا يافعا، تعتبر معالجته لرواية كافكا الشهيرة (المحاكمة) وهي رؤية سينمائية متميزة وهامة جدا ليس في تاريخ هذا المخرج فقط، بل في تاريخ السينما بشكل عام، أو تحديدا في إشكالية تاريخ السينما وعلاقتها بفن الرواية بشكل خاص. وهي كأي عمل من أعمال ويلز الأخرى حازت على شهرة كبيرة، وأصبحت من كلاسيكيات السينما حيث تدرس في معاهدها الأكاديمية في مناطق مختلفة من العالم، ليس لأنها مأخوذة عن رواية كافكا فقط، بل لتفرد هذه المعالجة في تقديم قراءة جديدة لعمل أدبي ذائع الصيت كهذا، وهي بحق إعادة كتابة للرواية المذكورة بطريقة سينمائية مختلفة جدا عن الكتابة الأدبية التي جاءت فيها الرواية، ويحق لنا أن نفترض لو كان قد تسنى للمؤلف مشاهدة الفلم الذي أعد عن روايته لأعجب به كثيرا، ولما أمتعض كما يحدث لأغلب الكتاب في الوقت الحاضر عندما يشاهدون أعمالا روائية لهم على الشاشة، وخاصة عندما يكون العمل الروائي كبيرا ومشهورا وبحجم رواية (المحاكمة...!). لقد عرف عن أرسون ويلز براعته في التعامل مع الأعمال الروائية والدرامية المكتوبة سلفا، وابتكاره لتقنية أسلوبية سينمائية جديدة مع كل عمل سينمائي يشتغل عليه. فإضافة إلى تجربته الطويلة على أعمال حازت شهرة كبيرة في وقت مبكر من حياته الفنية، مثل (المواطن كين) و(أيام العذاب العشرة) و(عطيل) و(سيدة من شنغهاي) وأعمال سينمائية أخرى. فهو لم يترك لعناصر اللّغة المقروءة عادة وبلاغتها الأدبية التي تتميز بها تلك الروايات، فقد تميزت أيضا رواية (المحاكمة) أصلا بالتعبير الصوري بعيدا عن المجازات اللغوية والبلاغة المجردة.. أو فيما يخص الوقوع تحت تأثير الأساليب البلاغية اللغوية في الروايات ومناظرتها صوريا كما هو شائع، فقد أغرى هذا المؤثر الكثيرين قبله وبعده، ليذهب بهم الأدب بعيدا عن السينما، وتوقعهم الرواية في حبائل السرد الروائي وبلاغة اللغة الأدبية.. وكل ما يتمثل فيها من جماليات اللغة والأدب ومقارباتهما، وكل ما يتعلق بها من بلاغة وجناس وطباق صوريين شاع استخدامهما بعد الابتكارات الجديدة في فن المونتاج ومذاهبه المختلفة..!
عدد زيارات الموقع
41,193
ساحة النقاش