السؤال: أنا فتاة تعاني من مشكلة " عدم الحياء " ، وهذا أمر يزعجني كثيراً ويشغل بالي ، والسبب في ذلك : أني كنت من قبل فتاة ضالة ، لم أكن أصلي ولا أقرأ القرآن ولا ذكر ولا ..ولا ..، وكان لي رفقة كان كل وقتنا يذهب في الحديث عن المطربين والمطربات أخبارهم وعن العلاقات مع الشباب ومشاهدة الأفلام المليئة بالمشاهد الساخنة ، فترتب عن ذلك أن أصبحت فتاة شهوانية ، ووسط كل هذا كان من الصعب عليَّ السيطرة على غريزتي ، فكنت ألجأ إلى العادة السرية عن طريق الخيال الجنسي دون أن ألمس جسدي بشيء ، كان الأمر يقتصر على الخيال فقط ، ولم أكن أعرف خلالها أن هذا الفعل حرام ، فكما تلاحظون إن العيش في هذه الظروف من الطبيعي ألا يكون لدي حياء ، لكن الآن بعد أن منَّ الله عليَّ بالهداية واستقمت بدأت بالصلاة وحفظ القرآن وإشغال علاقتي بالله ، لاحظت أن عدم الحياء لا يزال بداخلي أي أني يمكن لي أن أذهب إلى طبيب رجل ليفحصني ولو في أماكن خاصة من جسدي دون أن أشعر أن هذا الفعل حرام أو لا يجوز . الخلاصة : أريد أن أكون فتاة حيية ، كيف السبيل إلى ذلك ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
إن شكواك – أيتها الأخت السائلة – من عدم وجود الحياء في حياتك ، وبحثك عن الوسائل التي تستطيعين تحقيق ذلك الخلق : ليدل – إن شاء الله – على صدق في الالتزام ، وحب في الانقياد لشرع الله تعالى ، فالمعاناة هذه لم تصدر من فراغ ، بل هي دالة – إن شاء الله – على خير دفين تستطيعين – بإذن الله - إخراجه ليكون درة في يديك وتاجاً على رأسك .
ثانياً:
قال ابن رجب رحمه الله :
" واعلم أنَّ الحياء نوعان :
أحدهما : ما كان خَلْقاً وجِبِلَّةً غيرَ مكتسب ، وهو من أجلِّ الأخلاق التي يَمْنَحُها الله العبدَ ويَجبِلُه عليها ، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : ( الحياء لا يأتي إلاَّ بخير ) ، فإنَّه يكفُّ عن ارتكاب القبائح ، ودناءةِ الأخلاق ، ويحثُّ على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها ، فهو مِنْ خصال الإيمان بهذا الاعتبار ، وقد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنَّه قال : من استحيى اختفى ، ومن اختفى اتقى ، ومن اتقى وُقي .
وقال الجَرَّاح بنُ عبد الله الحكمي - وكان فارس أهل الشام - : تركتُ الذنوب حياءً أربعين سنة ، ثم أدركني الورع . وعن بعضهم قال : رأيتُ المعاصي نذالةً ، فتركتها مُروءةً ، فاستحالت دِيانة.
والثاني : ما كان مكتسباً من معرفة اللهِ ، ومعرفة عظمته وقربه من عباده ، واطلاعه عليهم ، وعلمِه بخائنة الأعين وما تُخفي الصدور ، فهذا من أعلى خصالِ ، الإيمان ، بل هو مِنْ أعلى درجات الإحسّان " انتهى من " جامع العلوم والحكم " (1/501) .
ثالثاً:
وتستطيعين – بإذن الله – تحقيق خلق الحياء في حياتك إذا استطعتِ تحقيق ما نوصيك به وما ندلك عليه ، ومن ذلك :
1. تقوية الإيمان بالله تعالى ، فكلما قوي إيمانك ازداد حياؤك .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ ) .
رواه البخاري ( 24 ) ومسلم ( 36 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وقال ابن قتيبة : معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان ، فسمِّي إيماناً كما يُسمَّى الشيء باسم ما قام مقامه .
" فتح الباري " ( 1 / 74 ) .
2. استشعار نِعَم الله تعالى الجليلة عليك ، فمن شأن التفكر في تلك النعَم أن يولِّد حياء من الله عظيماً أن يكون منك مثل تلك الأفعال المناقضة للحياء ، فهل يُشكر الله بما وهبه لك من نعمة الجمال أن تعرضيه على الأجانب ؟! وهل من شكر نعمة الصحة والعافية في البدن أن يُكشف على رجل أجنبي ؟! والمسلم مقصِّر أصلاً في شكر نعَم الله تعالى عليه ، وهو يعجز عن إحصائها فكيف له أن يشكرها ؟! فهل يصلح أن يكون مع هذا التقصير في الشكر شيء من المعاصي التي نهاه ربُّه تعالى عنها ؟ .
قال الجنيد - رحمه الله - :
الحياء : رؤية الآلاء ، ورؤية التّقصير فيتولّد بينهما حالة تسمّى : الحياء .
انظر : " مدارج السالكين " ( 2 / 259 ، 260 ) .
وقال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :
وقد يتولد الحياء مِن الله مِن مطالعة النِّعَم ، فيستحيي العبدُ مِن الله أن يستعين بنعمته على معاصيه ، فهذا كله من أعلى خصال الإيمان .
" فتح الباري " لابن رجب ( 1 / 51 ) .
3. استشعار مراقبة أحدٍ من النَّاس ممن ترين فيهم الصلاح والتقوى عند فعل أي شيء يخدش الحياء أو يناقضه .
عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْصِنِي ، قَالَ : ( أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ ) .
رواه الإمام أحمد في " الزهد " ( 46 ) ، وصححه الألباني في " الصحيحة " ( 741 ) .
وانظري شرح هذا الحديث الجليل في جواب السؤال رقم ( 106249 ) .
4. اتخاذ القدوة الصالحة فيمن حقق خلق الحياء ، ومصاحبة الخيِّرات الحييات من النساء .
ويكفيك قدوتان : أحدهما من الرجال ! والآخر من النساء :
القدوة الأولى : هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : " كَانَ النَّبيُّ صلَّى الله عَلَيهِ وسلَّم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ - أي : البكر - في خِدْرِهَا " . رواه البخاري ( 5751 ) ومسلم ( 2320 ) .
والقدوة الثانية الثانية : ابنة الرجل الصالح في " مَدْين " .
قال تعالى – واصفاً مشيتها لما جاءت لموسى عليه السلام - : ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) القصص/ 25 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
أي : مشي الحرائر ، كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال : كانت مستتَرة بكُم دِرْعها .
وقال ابن أبي حاتم : ... : قال عمر رضي الله عنه : " جاءت تمشي على استحياء ، قائلة بثوبها على وجهها ، ليست بسَلْفَع خَرَّاجة ولاَّجة " هذا إسناد صحيح .
قال الجوهري : السلفع من الرجال : الجَسور ، ومن النساء : الجريئة السليطة ، ومن النُّوق : الشديدة .
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 228 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
وهذا يدل على كرم عنصرها ، وخُلُقها الحسن ؛ فإنَّ الحياء من الأخلاق الفاضلة ، وخصوصاً في النساء .
" تفسير السعدي " ( ص 614 ) .
وفي صحبة الحييات من النساء قال ابن القيم – رحمه الله - :
ومن كلام بعض الحكماء : أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيى منه ، وعمارة القلب بالهيبة والحياء ؛ فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير .
" مدارج السالكين " ( 2 / 260 ) .
5. تذكر القبر واليوم الآخر والحشر والصراط ، فإن المسلم إذا علم أن حاله سيصير إلى دنيا أخرى يحاسبه ربه تعالى على ما فعل في دنياه : منعه ذلك من اقتراف السيئات ، ودفعه إلى تحقيق خلق الحياء من ربِّه تعالى .
قال ابن مسعود رضي الله عنه: " الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ : أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ : تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ : فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ) رواه الترمذي ( 2458 ) مرفوعاً للنبي صلى الله عليه ، والأصح أنه موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه .
6. التفكر في أسماء الله التي من معانيها مراقبة العبد ورؤيته له واطلاعه على أحواله ، كأسمائه تعالى : الشهيد ، والرقيب ، والعليم ، والبصير .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
العبد متى علِم أنَّ الرب تعالى ناظر إليه : أورثه هذا العلم حياءً منه يجذبه إلى احتمال أعباء الطاعة .
" مدارج السالكين " ( 2 / 264 ) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وقد قال بعض السلف : خفِ الله على قدْر قُدرته عليك ، واستحي منه على قدْر قُربه منك .
" فتح الباري " ( 1 / 75 ) .
قال حاتم الأصم – رحمه الله - :
تعاهد نفسك في ثلاث : إذا عملتَ : فاذكر نظر الله إليك ، وإذا تكلمتَ : فاذكر سمع الله منك ، وإذا سكتَّ : فاذكر علم الله فيك .
" سير أعلام النبلاء " ( 11 / 485 ) .
وفيما ذكرناه كفاية ، والمطلوب منك الآن أن تبدئي بعلاج نفسك وتهذيبها وتحقيق ما ذكرناه لك من الوصايا ، وسترين أثر ذلك على نفسك وفي حياتك ، ونسأل الله تعالى أن يعجِّل لك الخير .
وللوقوف على حكم التخيلات الجنسية ووسائل التخلص منها : فلُينظر جواب السؤال رقم ( 84066 ) .
7. مجاهدة النفس وإلزامها بترك كل ما يخالف الحياء ، ومكارم الأخلاق ، ومحاسن الآداب : من الأقوال والأفعال ، ومعاندة الشيطان الذي يجر النفس إلى مثل هذه البذاءات ، ويزينها له .
وينصح بمراجعة رسالة " الحياء خلق الإسلام " لفضيلة الدكتور محمد إسماعيل المقدم ، حفظه الله ، فهي نافعة في بابها .
والله أعلم
موقع الإسلام سؤال وجواب