ويمثّل البكاء مشهداً من مشاهد الإنسانية عند رسول الله 
صلى الله عليه وسلم ، 

حين كانت تمرّ به المواقف المختلفة، فتهتزّ لأجلها مشاعره ، وتفيض منها عيناه ، ويخفق معها فؤاده الطاهر .






ودموع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن سببها الحزن 
والألم فحسب ،

ولكن لها دوافع أخرى كالرحمة والشفقة على الآخرين ، والشوق والمحبّة ، وفوق ذلك كلّه : الخوف والخشية 
من الله سبحانه وتعالى .




فها هي العبرات قد سالت على خدّ النبي صلى الله عليه وسلم 
شاهدةً بتعظيمة ربّه وتوقيره لمولاه ، وهيبته من جلاله ، عندما
كان يقف بين يديه يناجيه ويبكي ، ويصف أحد الصحابة ذلك المشهد فيقول 



" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم 

 


{ وفي صدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء }


رواه النسائي .




وهو الصوت الذي يصدره الوعاء عند غليانه 



وتروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها موقفاً آخر فتقول 


قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم - 

ليلةً من الليالي 


فقال 


( يا عائشة ذريني أتعبد لربي ) ،



فتطهّر ثم قام يصلي ،



فلم يزل يبكي حتى بلّ حِجره ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ لحيته ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض ،



وجاء بلال رضي الله عنه يؤذنه بالصلاة،

فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله ، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم منذنبك وما تأخر ؟ فقال له : 


( أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ ) 

رواه ابن حبّان .








وسرعان ما كانت الدموع تتقاطر من عينيه إذا سمع القرآن : 


روى لنا ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال :

" قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اقرأ عليّ ) ، قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ ، فقال : ( نعم ) ، 

فقرأت سورة النساء 


حتى أتيت إلى هذه الآية : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} 

( النساء : 41 )

فقال : ( حسبك الآن ) 

فالتفتّ إليه ، فإذا عيناه تذرفان " ، 


رواه البخاري .






كما بكى النبي – صلى الله عليه وسلم – 

اعتباراً بمصير الإنسان بعد موته ، فعن البراء بن عازب ضي الله عنه قال : " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة ، فجلس على شفير القبر أي طرفه، فبكى حتى بلّ الثرى ، 

ثم قال : ( يا إخواني لمثل هذا فأعدّوا ) 

رواه ابن ماجة ،

وإنما كان بكاؤه عليه الصلاة والسلام بمثل هذه الشدّة لوقوفه
على أهوال القبور وشدّتها ،

ولذلك قال في موضعٍ آخر : 

( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ) متفق عليه.

وبكى النبي – صلى الله عليه وسلم – رحمةً بأمّته وخوفاً عليها من عذاب الله ، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، 



يوم قرأ قول الله عز وجل : { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } 

( المائدة : 118 ) ،


ثم رفع يديه وقال : ( اللهم أمتي أمتي ) وبكى .




وفي غزوة بدر دمعت عينه - صلى الله عليه وسلم – خوفاً من أن يكون ذلك اللقاء مؤذناً بنهاية المؤمنين وهزيمتهم على يد أعدائهم ، 


كما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله : 

" ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة يصليويبكي حتى أصبح ) رواه أحمد .






وفي ذات المعركة بكى النبي – صلى الله عليه وسلم -

يوم جاءه العتاب الإلهي بسبب قبوله الفداء من الأسرى 

قال تعالى :

{ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } 

( الأنفال : 67 )




حتى أشفق عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كثرة بكائه.

ولم تخلُ حياته – صلى الله عليه وسلم – من فراق قريبٍ أو حبيب ، كمثل أمه آمنة بنت وهب ، وزوجته خديجة رضي الله عنها ، وعمّه حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وولده إبراهيم ، أوفراق غيرهم من أصحابه ، فكانت عبراته شاهدة على مدى حزنه ولوعة قلبه .




فعندما قُبض إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم – 

بكى وقال :


( إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) متفق عليه.



أحلى حياة في طاعة الله 


ولما أراد النبي – صلى الله عليه وسلم -


زيارة قبر أمه بكى بكاءً شديداً حتى أبكى من حوله ثم قال : 



( زوروا القبور فإنها تذكر الموت)




رواه مسلم .




ويوم أرسلت إليه إحدى بناته تخبره أن صبياً لها يوشك أن يموت ، لم يكن موقفه مجرد كلمات توصي بالصبر أو تقدّم العزاء ، ولكنها مشاعر إنسانية حرّكت القلوب وأثارت التساؤل ، خصوصاً في اللحظات التي رأى فيها النبي – صلى الله عليه وسلم - الصبي يلفظ أنفاسه الأخيرة ، 


وكان جوابه عن سرّ بكائه 

( هذه رحمة جعلها الله ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) 

رواه مسلم .






ويذكر أنس رضي الله عنه نعي النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد وجعفر وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه يوم مؤتة ، 

حيث قال عليه الصلاة والسلام :


( أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله )

رواه البخاري .

ومن تلك المواقف النبوية نفهم أن البكاء ليس بالضرورة أن يكون مظهراً من مظاهر النقص ، ولا دليلاً على الضعف ، بل قد يكون علامةً على صدق الإحساس ويقظة القلب وقوّة العاطفة ، بشرط أن يكون هذا البكاء منضبطاً بالصبر ، وغير مصحوبٍ بالنياحة ، أو قول ما لا يرضاه الله تعالى .

كتبه / صهيل الخيل 


نسألكم الدعاء بظهر الغيب .

 

AlaaMarei

Alaa Marei Export Logistics Section Head

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 90 مشاهدة
نشرت فى 12 إبريل 2012 بواسطة AlaaMarei

Alaa Marei

AlaaMarei
دراسه اللوجستيك والتجا ره الخا رجيه والتصدير والاستيراد والجما رك والامداد والتموين »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,048,148