في الوقت الذي ينشغل المصريون بثورتهم الشعبية الكبرى وانشغالهم بما  ستؤول إليه الأحداث و انشغالهم أيضا بأحداث ثورة ليبيا وتأثيراتها على مصر و المصريين القادمين من السلوم و العالقين في الأراضي التونسية بعشرات الآلاف  مما أدى إلى  صعوبة على الأسطولين الجوى و البحري في نقلهم إلى مصر في وقت وجيز للحد الذي أدى إلى تدخل انجلترا وفرنسا واسبانيا و الولايات المتحدة الأمريكية  للمساعدة بالإضافة إلى متابعة المصريين ما يحدث في كلا من اليمن و البحرين  و السودان. في خضم هذه الأحداث المتسارعة و التي لا  تعطى من يراقبها فرصة لالتقاط الأنفاس  تفاجئنا بورندى في الأول من مارس 2011  بتوقيها على الاتفاقية الإطارية للتعاون الفني لدول حوض النيل و التي تقع عليها الخلافات بين مصر و السودان من جهة وعدد من دول الحوض من الجهة الأخرى. و يقع الخلاف في الاتفاقية  بين  دول المنبع و دول المصب على بندين  هما بند  الأمن المائي بمعنى انه لابد من ضمان توارد المياه الى مصر و السودان بدون تأثير على كمياتها أو جودتها ( عدم تلوثها)  أو ميعاد وصولها و البند الأخر هو الإبلاغ بمعنى إبلاغ مصر و السودان عن أية  مشروعات سيتم تنفيذها والتأكد من إنها لن تمثل ضررا على الأمن المائي لدولتي المصب.

و هذين البندين  موجودان الاتفاقيات التي تناولت مسألة مياه النيل منذ نهاية القرن التاسع عشر (1896 م) وحتى اتفاقية مبادرة حوض النيل (1999م) وكانت بشكل واضح ومركز ومحدد في اتفاقية 1929م وتم التأكيد على ذلك في اتفاقية   1953 م  والتي وقعت عند رغبة أوغندا في بناء سد أوين بمدينة جنجا في منطقة  منابع النيل و ارتكزت هذه الاتفاقية على مبدأ الإبلاغ كما تمت توقيع اتفاقية  عام 1991م بين مصر وأوغندا لتؤكد على احترام الدولتين للاتفاقيات السابقة.

 و تكمن  تبعات توقيع بورندى على اتفاقية الإطارية لتنمية حوض النيل فى خلق واقعا جديدا وهو  التمهيد لدخول الاتفاقية حيز التنفيذ بتوقيع الدولة السادسة فقد سبقها خمس دول هي أثيوبيا,  أوغندا, رواندا,تنزانيا, كينيا. وهنا ننتظر فترة للتصديق علي الاتفاقية من برلمانات الدول الست, ثم بعد ذلك نرى ما سوف تؤول له الأحداث حيث سيدور جدل وصراع قانوني  بين دول المنبع ودولتا المصب على هذا التساؤل  وهو هل الاتفاقية الجديدة التي بدأ فتح التوقيع عليها في الرابع عشر من مايو 2010 أم مجموعة الاتفاقيات التي وقعت على مدار قرن وربع من الزمان بخصوص مياه النيل و ما اشتملت عليه من ضمانات وما تحصنت به من حقوق تاريخية معتبرة من القانون الدولي لدول المصب في مياه النيل لا يحق لدول المنبع المساس بها. مثل مبدأ الحقوق التاريخية  ومبدأ عدم الإضرار ومبدأ توارث الالتزام بالاتفاقيات  الدولية من الدول المستعمرة إلى الدول المتحررة, بالإضافة إلى عدم وضوح الرؤية حول إمكانية تطبيق الاتفاقية الإطارية  موضوع هذا المقال فوفقا للقانون الدولي، إذا قام ثلثا بلدان حوض النيل بالتوقيع على الاتفاقية الإطارية للتعاون الفني  بين الدول الأعضاء، فإن ذلك يجعل الاتفاقية كيانا قانونيا، فهل نعتبر  ستة  دول من عشرة - أو من احد عشر  دولة بالنظر إلى انفصال جنوب السودان- تعتبر ثلثي الدول, بالإضافة إلى  أنها أي الاتفاقية تحتاج إلى التصديق من برلمانات الدول الموقعة  حتى تدخل  حيز التنفيذ , وهذا يعطى دولتا المصب فرصة لتحسين وضعهما القانوني في الاتفاقية.

وهنا يبرز دور البيئة المحيطة بهذه الاتفاقيات واقصد هنا العلاقات و التعاون بين دول الحوض وكذا الدول  من خارج الإقليم التي لها أجندات تريد تنفيذها في الإقليم وكذا الأسرة الدولية بالكامل وكيفية تعاطيها مع القضية, بالإضافة إلى الإرادة السياسية لدول المنبع ودول المصب و سبل وصور التعاطي بينها في الأزمة الحالية و لا يخفى على احد أن دولتي المصب مصر و السودان تمران بظروف مفصلية خاصة بكلا منهما لوجود تطورات داخلية تتعلق بملف الثورة  في مصر, ومسألة انفصال الجنوب و المشكلات الداخلية الأخرى في السودان. هذه الظروف قد يكون لها تأثير سلبي على تعاطي الدولتين مع المشكلة, وحتى المحيط العربي الذي يفترض أن يكون مساعدا لهما في هذه الظروف,  ولكننا نراه وقد انكفئ على نفسه لتوقع المد الثوري لأغلب أن لم يكن لكل دول المنطقة العربية.

كل هذه ربما تكون عوامل محبطة لموقف دولتي المصب, ولكن ما هي العوامل الدافعة لها لاتخاذ موقف ايجابي؟ هذا ما يمكننا تناوله في مقال قادم.

ساحة النقاش

د أحمد زكى

Ahmedazarc
يحتوى الموقع على مجموعة من المقالات الخاصة بالزراعة و المياه و البيئة و التنمية المستدامة. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

226,176