في الوقت الذي انهارت فيه محادثات وزراء المياه لدول حوض نهر النيل وأصبح  لكلا من دول المنبع و المصب في اتجاهين مختلفين بدأت تتضح أمور كثيرة كانت متوارية عن أعين الناظرين منها الدور الاسرائيلى و الصيني و الأمريكي و الأوروبي  و ما هي مبررات تدخل كلا منها على الخط. كما بدا واضحا للعيان تضاؤل التأثير المصري في منطقة أو إقليم هو نطاق نفوز تقليدي لها  من المفترض أن تتمتع فيه   بعلاقات قوية و أن تكون لها فيه ,,قوى ناعمة ,, كاسحة. كل هذا أدى إلى تأثيرات قاتلة على الاستدامة المائية لمصر  و السودان.

  فمنذ توقيع اتفاقية مبادرة حوض النيل عام 1999 كان الشغل الشاغل هو الوصول إلى رؤية إقليمية مشتركة للتنمية المستدامة والمتوازية والمتوازنة والبحث عن سبل للاستفادة من  المياه التي تسقط على حوض النيل  وهى حوالي 2147 مليار متر مكعب سنويا في المتوسط  و التي يفقد 96.5 % منها . و كان يتوجب أن يمثل هذا الفاقد المائي الكبير المحور الأساسي للتعاون بين دول الحوض و البحث عن سبل تقليله و يتم هذا بقيادة مصر كبرى هذه الدول وأكثرها تقدما و سكانا بالتعاون مع الممولين الدوليين وعلى رأسهم البنك الدولي خاصة وان مصر تمتلك إستراتيجية واضحة لهذا الأمر ولديها مخططات  لمشروعات كثيرة  في هذا الصدد , وهى مشروعات أعالي النيل منها عدة مشروعات على بحيرة فيكتوريا و المناطق المتاخمة لها. ومن أشهر ها  مشروع قناة جونقلى و التي بدء العمل فيها منذ فترة طويلة وكادت أن تتم وتؤتى ثمارها  وهى تتمثل في ضخ 15 مليار متر مكعب من المياه سنويا إلى نهر النيل لولا تصدى حركة التمرد في جنوب السودان لهذا المشروع والاستيلاء على معداته والاعتداء على الخبراء و المهندسين والعاملين بالمشروع مما أدى إلى وقفه تماما.

وفى الفترة التي أعقبت انهيار محادثات  الاتفاقية الإطارية للتعاون الفني بين دول حوض النيل  ظهرت عدة تقارير صحفية تتهم إسرائيل على وجه الخوص بضلوعها في إفشال المحادثات والأكثر من ذلك أن جريدة الوفد في عددها الصادر في 27 ابريل 2010  كشفت عن وثيقة إسرائيلية   أعدها السفير الأسرائيلى السابق في القاهرة يطالب بتدويل المفاوضات حول مياه النيل, و يزعم أن هناك حقوق مهدرة لدول المنبع, وان مصر والسودان تتحكمان في مياه النيل دون مراعاة الحقوق الشرعية لدول المنبع, ويزعم  أن مصر  سوف تستخدم القوة للحصول على المياه, وفى نهاية التقرير يطالب بتدخل الأمم المتحدة في القضية. هذا هو الموقف الاسرائيلى تحريض واضح ومحاولة إشعال  المنطقة للحيلولة دون قيام دول الحوض بالتعاون معا لتنمية موارد النهر وزيادة فرص التنمية في كافة إرجاء الإقليم. وبدون شك فأن التدخل الاسرائيلى ذو صبغة سياسية بحتة يهدف إلى إضعاف مصر و السودان و العمل على قتل فرص الاستدامة المائية لهما. ففي الوقت الذي تسعى مصر  والسودان فيه إلى زيادة حصتيهما من مياه النيل عن طريق تقليل الفاقد,فان التدخل الاسرائيلى يجعل كل مجهوداتهما تنصرف إلى محاولة الحفاظ على الحصة الحالية فحسب.

أما الصين فأن تدخلها بدافع اقتصادي بحت بغرض تحقيق  نفع اقتصادي لها بغض النظر عما يترتب على ذلك من صعوبات  ومشكلات بين دول الحوض وإنها تعمل مع الجانب الاثيوبى بشكل مكثف ,

أما الدور الامريكى والأوروبي فهو الدور القديم الجديد المتجدد الذي دائما ما يبحث عن مناطق  يؤجج فيها الخلافات حتى يجد لنفسه موضع قدم يحقق من خلالها أغراضه بالتواجد الدائم في هذه المناطق سواء بطلب من الدول المعنية  أو من خلال فرض آمر واقع متذرعا بالشرعية الدولية دونما نظر إلى التأثيرات العكسية التي يحدثها تدخله.

ومما يؤكد هذا الطرح أن احتياجات دول المنبع متواضعة جدا بالمقارنة مع الضجيج الذي تحدثه فمثلا الكنغو الديمقراطية و أوغندا لا تحتاجان أي مياه من النيل أما كينيا  وتنزانيا  اللتان  لها موقف متشدد في المفاوضات  حاجتهما من مياه النيل هي 2%   من اجمالى الاحتياج المائي لهما   وإثيوبيا لا يزيد احتياجها من مياه النيل  عن 6 %    من اجمالى  احتياجاتها المائية , في حين أن بورندى تحتاج من نهر النيل إلى 15% فقط من احتياجاتها المائية الكلية  أما بقية الاحتياجات المائية لهذه الدول  فتحصل عليها من مصادر أخرى  الأمطار وهذا ينطبق عليها جميعا  أو انهار أخرى مثل نهر الكنغو أو الزامبيزى   و بحيرات خارج الحوض  وهذا ينطبق على والكونغو  و تنزانيا أثيوبيا في حين أن شمال السودان و مصر تعتمدان  بشكل كامل علي مياه النيل .

أذن فأن المؤكد أن انهيار المحادثات جاء نتيجة طبيعية لتدخلات دول من  خارج الحوض  تريد أن تحقق أهدافها هي من خلال تلك المنطقة. فلم يتركوا هذه الدول لتحل خلافاتها معا بل أججوا تلك الخلافات. والواقع يقول أن الأجدى لهذه الدول واقصد بها دول حوض نهر النيل هو أن يكون البحث في كيفية الاستفادة من المياه الفاقدة التي تذهب سدى في المستنقعات وتمتصها الحشائش أو تعود إلى السماء في صورة  بخار ماء قد تأخذها الرياح إلى خارج الإقليم. فكان يجب أن تتركز الجهود على الأساليب الفنية للاستفادة من المياه وكذلك تنمية الإقليم باستخدام الموارد الذاتية به وهى كثيرة لو أحسن استغلالها ولكن ما العمل في عالم يستكثر على الفقراء فقرهم فيريد أن يضيف إلى فقرهم حروب وخلافات ليستفيد هو وتصبح التنمية المستدامة لهذه المنطقة في مهب الريح.

أذن على مصر والسودان العمل معا على الدفاع عن فرصة الاستدامة المائية لهما  أولا بالتعاون مع دول الحوض وثانيا بالتفاوض و التفاهم مع الجانب الصيني و لا يمنع الضغط عليه وبمواجهة الأجندات الأوربية والأمريكية وتعقب ومواجهة وإفشال خطط الجانب الاسرائيلى ومنعه من الإضرار بمصالح دول حوض نهر النيل. ويجب أن تكون كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع هذه الأجندات الدولية التي ستوقع ضررا مؤكدا بنا لان الأمر بحق جلل وخطير و لا يمكن السكوت عليه.

المصدر: بيئتى

ساحة النقاش

د أحمد زكى

Ahmedazarc
يحتوى الموقع على مجموعة من المقالات الخاصة بالزراعة و المياه و البيئة و التنمية المستدامة. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

201,382