لأن مصر تقع فى أقصى الشمال الشرقى للصحراء الافريقية الكبرى المصنفة بانها أشد صحراوات العالم قحولة  فهى تعانى من قلة و تفاوت و تقطع وعدم الانتظام المكانى و الزمانى   لهطول الأمطار . إلا أن طقسها أحياناً  يكون  شديد التطرف  ،  فتهطل  أمطار غزيرة على بعض المناطق خلال أحداث عاصفة محددة ولمدى زمني قصير , طبيعى ان يرقى هذا   الامر الى مستوى التهديد السنوى تقربياً . وهذا ماحدث امس الاول فى اسوان حيث دهمتها غضبة طقسية كانت مؤلمة,حيث تساقطت عليها الثلوج و سرت فى طرقاتها المياه متباهية بتجمعها, اشجار كثيرة سقطت بيوت تصدعت و ربما انهارت جزئيا استقبلت مستشفياتها عدة مئات من مصابين بلدغات العقارب و الثعابين, قضى منهم خمسة و ندعو للبقية بالشفاء, و لكن سوء الطقس لم ينته بعد ومرشح للامتداد الى مناطق مصرية اخرى.

وماجرى هل يمكن أن نعتبره محنة تتولد منها منحة  فتكون بمثابة تحدي يولد  أفكار عن إمكانية  تصميم  و تنفيذ طرق  و وسائل مستدامة تساعد في تخفيف العبىء عن الادارات المحلية   بل و ربما يمثل رقماً كبيراً يضاف الى مواردنا المائية التى تتآكل بفعل الزيادة السكنية وغيرها, فهل نحن مهيئون او مستعدون او لدينا الرغبة فى ذلك, فى العقود الاربع الاخيرة تكررت هذه الامور ومع الاسف فى كل مرة نفشل فى الاستفادة منها ونسجل تلافى اضرارها بأنه النجاح الكاسح.

 و لكن اعود فأسجل خلال الثمان و اربعون ساعة الماضية  هطلت الامطار و لازلت مرشحة للهطول ,فى اسوان و جنوب البحر الاحمر  و الساحل الشمالى الغربى و جنوب سيناء . واقع الامر انها تختلف من مكان لاخر فكانت  كثيفة او متوسطة أو قطيرات  وربما ارتفعت وتيرتها لتصل الى سيول  , وتسببت فى اضرار متباينه و اتخذت الجهات الحكومية اجرائتها لحماية المواطنين و ممتلكاتهم,    ومتوقع ان  تستمر خلال الايام القادمة.

 وفى مثل هذه الاحوال تأخذ المياه فى طريقها كل ما يعيق مسيرتها. و تتفاوت الخسائر, و فى كثير من الاحيان تتجاوز الخسائر المادية لتصل الى خسائر فى الارواح . تلك  هى المشكلة التى ما برحت مصرنا تعانى منها، وتضيق بها ذرعا لأنها تكشف عن أن مياه الأمطار التى يفترض أن نطوعها و نسيرها الى حيث نستفيد بها فى الاستعمالات المختلفة  لتكون نعمة،  الا انها و بسبب  بعض التقصير لاسباب متعدده قد تتحول الى معضلة يكون كل همنا التخلص منها حتى و لو بضخها فى المجارى.

ولكننى اود القول اننا اعتدنا على سقوط هذه الامطار و نستطيع القول انها تسقط على غالبية البلاد فى الصحراء الجرداء و الريف و الحضر , و لكن غالبا ما تكون اشد قطراً و اكثر مياهاً فى شمال  مصر بصفة عامة و الشمالى الغربى تحديداً  , فى حين تكون اقل  فى الجنوب على سلاسل جبال البحر الاحمر و تختفى فى الجبال .اما لو أزادات فانها تتحول الى سيل هادر يتجه الى الغرب بحثا عن نهر النيل فيصله من خلال العديد من مخرات السيول التى أقامتها الدولة منذ امد بعيد ولازالت مستمرة.

و أضيف فأقول تتباين لدينا  تقديرات كميات  القطر التى تسقط فى مصر ,أختلافاً ً كبيراً ما بين   3 الى 10  مليار متر مكعب فى العام  و لكن أتفق الجميع على ان الاستفادة منها  تتراوح ما بين 1,3- 2 مليار متر مكعب علماً بأن هذه التقديرات لخبراء و جهات موثوقه  كوزارة الموارد المائية و الرى  و منظمة الاغذية و الزراعة التابعة للامم المتحدة و العديد من الخبراء الوطنيين.  بل يمكننى ان اضيف ان هناك احتمالاً كبيراً لزيادة الكميات الهاطلة على مصر نتيجة التغيرات المناخية و توقع  تحلحل الحزام المطرى الى الشمال. و فى حالة زيادة   كميات المياه التي تسيل فوق سطح  الارض فتمتد لتغمر مساحات أوسع من الاراضى  ، ويكون تأثيرها ملحوظاً في مناطق البحر الأحمر وجنوب سيناء وفي حوض نهر النيل وكثيرا ما توقع  أضرار شاملة.

و نكرر بعد كل هطول شديد انه سقطت علينا الأمطار الغزيرة فتحولت الشوارع إلى برك من المياه الراكدة،  و قد تتحول الى سيول تأخذ فى طريقها كل شىء فتتاثر البنية الاساية و خدمات الكهرباء و المياه و الاتصالات ....الخ و قد يتطور الامر الى فقد الممتلكات  بل و الارواح، ناهيك عن هدر الأموال بإصلاح ما أتلفته و غالباً ماتكون الاضرار اشد  فى المناطق الآهلة خارج الوادى   نتيجة لعدم وجود مخرات السيول، كتلك التى فى الوادى حيث يتم  تحويلها لنهر النيل. هذا عن المناطق السكنية فماذا عن الاراضى الزراعية , يحدث  اغراق او  تلف للمحاصيل القائمة   نتيجة الغرق , بالاضافة  الى احداث تلفيات جسيمة فى البنية المزرعية ,  اضف الى ذلك احتمالية انتشار الافات و الامراض نتيجة نسبة الرطوبة المرتفعة الناجمة عن هطول الامطار, وفى حالة تحول الامطار الى سيول قد تودى الى اضرار جسيمة بالجسور و الطرق و القنى او انجراف التربة الزراعية او تغطيتها برمال مصاحبة للسيول القادمة من السلاسل الجبلية  وهذا غالبا ما يقع فى الاراضى المتاخمة لسلاسل جبلية مستقبلة للامطار.

ومما يؤسف له انه يتم التخلص من المياه التى تغمر الاراضى الفضاء بان يتم ضخها الى مخرات السيول ثم الى المصارف او الى نهر النيل مباشر و هو تصرف غير جيد جداً...و لكن  من المضحكات المبكيات  ان الجهات المعنية يكون اكبرانجاز لها هو تخليص المناطق السكنية من المياه بضخها الى شبكة المجارى سواء من خلال المجارى او باستخدام سيارت شفط و ضخ هذه المياه الى شبكة الصرف الصحى  بالله عليكم أهذا يعقل؟؟  

و لكل هذا و ذلك لابد من العمل على تلافى هذه الاضرار الجسيمة التى تنجم عن هذه الامطار سنوياً والتى تتراوح ما بين الخسائرة الشديدة  وادناها فقد هذه المياه وعدم الاستفادة منها .   و لذا طالما ناديت ولازلت انادى باتباع الاجراءات الاتية:

  ضرورة   عمل شبكة  خاصة لتجميع مياه الامطار بعيدا عن مجارى الصرف الصحى  فى المدن التى يتم انشاءها ,  و إعادة تهيئة كل الشوارع لتشتمل على قنوات صرف جانبية ذات ميول، لتصب في مجمعات  منفصلة عن الصرف الصحى ويتم تجميعها في محطات تنقية ويعاد استخدامها  هذا فى المدن القائمة.

 وضع خطّة  قومية للسيطرة على السيول، تشمل وضع الادوار والتدريب و الانذار المبكر و التدفق المعلوماتى  يكون هدفها الرئيس هو الاستفادة من المياه القاطرة من السماء.

 الاستمرار فى التوسع فى إنشاء  و صيانة و حماية مخرات السيول  للأستفادة من  مياه الامطار حتى ولو كانت كمياتها قليلة،  

تفعيل و تطوير  تشريعى لحماية المخرات من  الاعتداء عليها بالبناء  او بالزراعة.

 فى مناطق خارج الوادى  و سيناء ضرورة إنشاء سدود تغذية لحجز مياه السيول والأمطار حتى تتسرب مرة أخرى لباطن الأرض لاعادة تغذية الأبار الجوفية.

وقف الرى  وتجفيف المجارى المائية فى المناطق المعرضة للسيول قبلها بعدة ايام حتى تستوعب الترع والاراضى الزراعية من اكبر كمية من  الامطار او السيول.

تلك هى بعض النقاط التى يتوجب القيام بها بدقة و براعة و فعالية,حتى يمكننا تجاوز اخطارها و اضرارها, اما كيف نتمكن  من تحويل مياه الامطار من نقمة الى نعمة و علاقة  موجات الهطول الحادة بالتغيرات المناخية التى كثر الحديث عنها فهذا سيكون موضوع مقال قادم. اللهم حوالينا لا علينا.

المصدر: د احمد زكى ابو كنيز موقع الزراعة الالكترونى

ساحة النقاش

د أحمد زكى

Ahmedazarc
يحتوى الموقع على مجموعة من المقالات الخاصة بالزراعة و المياه و البيئة و التنمية المستدامة. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

201,389