بمدادٍ من دم


لم أكن أريد لمداد قلمي إلا أن يكون مزيجاً من عطورٍ بعبق روائع الأزهار المنتشرة في سهول و جبال و صحاري وطننا العربي الحبيب , لم أكن أريد لهذا القلم إلا أن يستمر في تزيين حروفي بالشكر و الثناء على مصر و أهلها الطيبين . لم أكن أعلم أن هذا المداد سيتحول إلى دم يأخذ طاقته من نزف شراييني و أوردتي , ليحمل القلب المزيد و المزيد من أعباء الحزن التي طالما حاول التخلص منها بسرقة البسمة من بين ثناياها . كنت أتابع ما يحدث في ملعب بورسعيد من مباراة لكرة القدم بين قريقي النادي الاهلي و الاسماعيلي ظاناً انني سأستمتع بمشاهدة لعب جميل و راقي و لكن أبت يد الحقد و الكراهية إلا أن تطاردنا حتى في مجال تسليتنا لتطعن مصر طعنة غادرة في ظهرها , مصر التي هي منبع للحب و الحنان . مصر أرض العطاء و أمه تطعن في ظهرها و من مَن , ممن يدعون بأنهم أبناءها , الذائدون عن حماها الحامون لأرضها و من أجل ماذا ؟ هذا السؤال الذي لم أستطع أن أجد له إجابة , من أجل لعبة , لا و الله ليست اللعبة هي السبب و لا يمكن أن تكون و لكنها الأيدي الخفية التي لا تريد خيراً لمصر و لا أهلها . لم أكن أعلم ان الوحشية وصلت بأهل مصر هذا المستوى و هم المعروفون بطيبتهم و سماحتهم , فهل يعقل أن يلى أطفال من ارتفاعات شاهقة و يقتل الآخرون تحت الأقدام , أي زمن هذا الذي أوصلتم مصر إليه و أخذتمونا فيه , أنا لا أصب حقدي على القتلة هنا و لكن على السلبيين أيضاً الذين رأوا مشاهد القتل و رأوا القتلة و لم يفعلوا شيئاً و لم يحركوا ساكنا و بات لسان حالهم يقول اللهم نفسي , فبئس النفس تلك . تسارعت الأحداث في هذا الملعب ليتسارع الجميع في البحث عن شماعة يعلقون عليها خطاياهم , فكل طرف يحاول أن يبحث عمن يحمله المسؤولية و كأنهم جميعاً أبرياء و كأن أيديهم طاهرة مطهرة من هذا الدم الذي جرى على أرض بورسعيد , لا بل كلكم مسؤولون و مشاركون في هذه الجريمة بتغييبكم للقانون و بصمتكم على القاتل و القتلة و لا أعتقد ان هؤلاء المجرمون قد سقطوا عليكم من السماء , بل انهم خرجوا من بينكم و من بين ظهرانيكم و ليس صعباً الوصول إليهم في ظل التغطية الإعلامية الكثيفة المتواجدة على أرض الملعب و لا أعتقد أن جمهور بورسعيد كان أعمى بحيث لا يستطيع اليوم أن يتعرف على القتلة , أقول هذا حتى لا نظلم أحداً و تبدأ العمليات العشوائية الانتقامية مما سيولد المزيد من الفلتان الأمني في مصر و أقول لأهلنا في مصر اسألوا أنفسكم من المسؤول عن قتل هيبة الشرطي و يتبعها بقتل هيبة الجيش و لمصلحة من ؟ أسئلة كثيرة و تساؤلات تحتاج إلى عقولٍ متفتحة لا تفكر بعقلية الانتقام و الثأر فقط بل إلى عقول تبحث لتصل إلى الحقيقة , كل الحقيقة , فمصر اليوم و قبل أي يوم مضى مستهدفة من أطراف كثر , الخارجية و جميعنا يعرفها و الآن يجب البحث عن الأطراف الداخلية و لا أستثني هنا أحد من أحزاب و غيرها .

حمى الله مصر و أهلها من الأيدي العابثة بها الخارجية و الداخلية و وقاها كل سوء.  

. أقول للحكماء في مصر الحقوا مصر , فمصر اليوم تستصرخكم و تطلب الغوث , فهل أنتم ملبون هذه الصرخة و معيدوها إلى وضعها الطبيعي و الريادي الذي طالما قامت به على أحسن أوجه و أعيدوا لي مداد قلمي الذي طالما تغنى بمصر و أهلها و غنى لفلسطين و القدس , إدراكاً منه بدور مصر و ريادتها .


الشاعر د . عبد الجواد مصطفى عكاشة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 191 مشاهدة
نشرت فى 4 فبراير 2012 بواسطة AJawad

عبد الجواد مصطفى عكاشة

AJawad
مدير عام الموقع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

119,980