تغيرات العادات الغذائية وطرق إنتاج الأغذية تغيرا جذريا في الدول النامية والصناعية نتيجة للتغيرات الإجتماعية والإقتصادية التي حدثت ونتيجة لذلك إرتفاع عدد المترددين على المطاعم ومحلات الوجبات السريعة كما زاد الطلب على الأغذية سهلة التحضير . تبعا لذلك فإن كثير من المستهلكين يقومون بإعادة تسخين هذه الوجبات في المنازل وحفظها لفترة طويلة قبل تناولها مما يساعد على توفير الظروف المناسبة لنمو الميكروبات المسببة لأمراض التسمم الغذائي كذلك العاملين في مجال تصنيع الأغذية ليسوا على درجة كافية من المهارة والتدريب من حيث تداول وتحضير وتخزين الأغذية تحت ظروف صحية جيدة مما يؤدي إلى زيادة فرصة تلوث الأغذية . كما أن معظم حالات التسمم الغذائي التي تحدث ترجع إلى نقص الوعي الصحي لدى العاملين في هذا المجال . وعدم الإلمام الكافي بالإجراءات والنواحي الصحية اللازمة لإعداد غذاء صحي متوازن .
التسمم الغذائي :-
تنشأ أمراض التسمم الغذائي ( Food done disease ) نتيجة لإحتواء هذا الغذاء إما على إعداد كبيرة من الكائنات الحية الدقيقة ( ميكروبات مرضية ) منتجة للسموم ( Food borne infection ) أو السموم المسببة للتسمم الغذائي (food borne intoxication ) وهذا يؤدي لظهور أعراض التسمم الغذائي . ومن أمثلة الميكروبات المحدثة للتسمم الغذائي بطريقة العدوى ميكروب السامونيلا والشيجيلا وبعض سلالات الميكروب القولوني . أما التي تسبب التسمم بطريقة ( السموم ) فهي مثل المكور العنقودي الذهبي وكلوسترديم برفرنجنس والباسيلس وكلوسترديم بوتيولنيم .
والتسمم الغذائي البكتيري بالتوكسين : Intoxication bacterial food poisoning يحدث هذا النوع من التسمم الغذائي عادة نتيجة تناول غذاء يحتوي على سموم . وقد يوجد السم ( التوكسين ) في الغذاء بالرغم من عدم وجود الميكروب المنتج للسم .
التسمم الغذائي بميكروب المكور العنقودي الذهبي :-
التسمم الغذائي بالمكور العنقودي الذهبي شائع الحدوث في الحفلات والرحلات والأفراح وغيرها من التجمعات الكبيرة ، حيث يحدث نتيجة لتناول السموم المعوية التي تتكون في الغذاء لنمو بعض سلالات الميكروب العنقودي الذهبي . مع توافر الظروف التالية :-
1. إحتواء الغذاء على أعداد كبيرة من ميكروب العنقودي الذهبي المنتج للسموم .
2. أن يكون الغذاء بيئة جيدة ومناسبة لنمو الميكروب وإنتاج السموم .
3. أن تكون درجة الحرارة مناسبة لنمو الميكروب ، والوقت يسمح بإنتاج السموم .
4. عند تناول الغذاء المحتوي على السموم .
ومن أهم مصادر التلوث بميكروب المكور العنقودي الذهبي المحدث للتسمم الغذائي هو الإنسان والحيوان ويتواجد هذا الميكروب ضمن الكائنات الدقيقة في التجاويف الداخلية للأنف وتجويف الفم وعلى جلد الإنسان . كما يوجد في الجروح الملوثة . وينمو هذا الميكروب وينتج السموم تحت الظروف الهوائية واللاهوائية ، بالرغم من أن كميات السموم الناتجة تكون أقل تحت الظروف اللاهوائية .
هذا الميكروب عادة لا ينتج روائح غير مقبولة في معظم الأغذية . كما يفرز الميكروب العنقودي الذهبي 8 أنواع سيريولوجية من السموم المعوية ( enterotoxins ) وهي لا تؤثر مباشرة على الأغشية المبطنة للقناة الهضمية ، ولكن تؤثر هذه السموم على الجهاز العصبي المركزي ، بإثارة مراكز القئ في المخ لذلك يعتقد أن هذه السموم عبارة عن سموم عصبية ( neurotoxins ) والعوامل التي تؤثر على إنتاج السموم في الأغذية هي درجة الحرارة ، (PH) الأس الهيدروجيني والرطوبة (Wa) ، والظروف الهوائية ووجود ميكروبات أخـرى وعادة يعتبر تواجد الميكروب بإعداد 10 5 / جم أو أكثر لتكوين السموم ، ولكن تحت ظروف التجارب المعملية بإستخدام البيئات والأغذية فإن السموم من الصعب الكشف عليها قبل أن يصل عدد الميكروبات إلى 10 6 أو أعلى ، وعموما فإن معظم حالات التسمم بالميكروب العنقودي تحدث عادة عندما يكون أعداد الميكروب 10 8 أو أعلى .
يختلف ظهور أعراض التسمم الغذائي من شخص إلى آخر حسب تناول كمية الغذاء الملوث وكذلك العمر ( اشد الأفراد حساسية هم صغار وكبار السن ) وكذلك درجة مناعة الأفراد . وفترة الحضانة لظهور أعراض هذا التسمم تتراوح من 1 – 6 ساعات من تناول الغذاء الملوث ومعظم الأعراض الشائعة الظهور في الإنسان تكون زيادة اللعاب وغثيان وقئ وتقلصات في البطن وإسهال وصداع ونادرا ما يحدث حمى .
عادة فترة المرض تكون قصيرة يوم أو يومين فقط بعدها يتم الشفاء بدون مضعافات مرضية وتعود الحالة إلى طبيعتها .
الوفاة نادرة الحدوث في هذا النوع من التسمم وفي معظم الحالات لا يعطى العلاج ما عدا في الحالات الشديدة حيث يعطى المريض محاليل ملحية وذلك لإستعادة التوازن الملحي ومعالجة الجفاف ويمكن القضاء على هذا النوع من التسمم بواسطة الطرق الصحية المتعارف عليها ومنها إستخدام مواد أولية ذات جودة عالية في التصنيع لمختلف الأغذية ومن مصادر تتبع الطرق الصحية في الإنتاج ، مع إستبعاد العاملين الحاملين للميكروب عن طريق الفحص الطبي لهم .
كما يمكن منع نمو الميكروب في الغذاء وذلك بالتبريد الجيد ، وفي بعض الحالات قد يحدث تعديل في الأس الهيدروجيني (PH) لزيادة حموضة الغذاء ، أو إضافة المواد المثبطة للبكتيريا bacteriostatic مثل السيرين أو مواد حافظة ، وكذلك بعض الأغذية قد يتم بسترتها للقضاء على الميكروب ، وذلك قبل حفظها على درجة الحرارة العالية .
وقد وجد أن حفظ الأغذية عند درجة حرارة أقل من 4.4 0 م ، أو أعلى من 60 0 م حتى إستهلاكه يمنع نمو البكتريا العنقودية ، حيث تبقى أعـداد هذه البكتريا منخفضة كما تبقى الأغـذية خالية من السموم .
التسمم الغذائي بميكروب كلوستريديم برفرنجنس perfringens food poisoning :
بدأ ظهور هذا التسمم في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1945 نتيجة حدوث تسمم جماعي من تناول لحم دجاج مطبوخ بعد تركه لعدة ساعات بعد التحضير . اصبح هذا التسمم من أنواع التسمم الشائعة منذ الثمانينات في جميع أنحاء العالم . يقترن هذا التسمم بصفة عامة بالتغذية الجماعية في المدارس ، المطاعم والمستشفيات وغيرها من التجمعات الكبيرة مثل المعسكرات والرحلات ، أما حدوث هذا التسمم على مستوى المنازل فهو محدود ، ويحدث عادة مع تحضير الأغذية مقدما ( قبل فترة طويلة من الإستهلاك بكميات كبيرة ، والتي يكون من الصعب تبريدها بكفاءة قبل الحفظ .
الميكروب المسبب لهذا التسمم هو الكلوستريديم برفرنجنز ، الذي ينتشر في كل مكان ، ومصادره التربة ( يوجد في جميع أنواع التربة ما عدا الصحراوية ) والماء والغبار ، كما يتواجد في براز الإنسان والحيوانات الداجنة والذباب . وهذا الميكروب عصوي متحوصل وموجب لصبغة الجرام ، ويعتمد على وجود البيئة اللاهوائية في النمو . وميكانيكية حدوث هذا التسـمم يكون نتيجة لطهي الغذاء الملوث ( اللحوم ) ، وطرد الأكسجين الذائب بواسطة الحرارة مما يساعد على تكوين الجراثيم .
وعندما يتم تبريد الغذاء تبريدا سريعا وحفظه مبردا حتى يعاد تسخينه جيدا قبل تناوله وهذا الميكروب قادر على التكاثر في نطاق واسع من ( 15 – 50 0م ) ، وينمو بطريقة مثلى عند درجة حرارة ( 43 – 47 0م ) .
يحدث هذا التسمم الغذائي للإنسان على النحو التالي :-
1. تناول أغذية تحتوي 10 6 – 10 7 خلية / جم من الغذاء .
2. تكاثر الخلايا وتكوين الجراثيم داخل الأمعاء الدقيقة للإنسان أو الحيوان .
3. تكوين السموم المعوية Enterotoxin .
4. خروج السموم من الجراثيم بعد تحلل جدارها الخلوي في الأمعاء الدقيقة .
5. يسبب السم أضرارا للخلايا الطلائية في الأمعاء مما يؤدي إلى حدوث الإسهال .
تختلف طبيعة التسمم الغذائي بميكروب الكلوستريديم برفرنجنس عن كل من كلوستريديم البتيولينم والتسمم العنقودي ، حيث يقترن التسمم البرفرنجي بدخول أعداد كبيرة من الخلايا في الطور الخضري مع الأغذية إلى الجهاز الهضمي ، حيث تنمو وتتكاثر مكونة جراثيم بداخلها ، التي ينطلق منه بعد تحلل جدار الجراثيم داخل الأمعاء ليسبب التسمم . بينما في النوعين الأخرين تقترن طريقة التسمم بتواجد التوكسين في الأغذية التي يتناولها الإنسان . لكي يحدث التسمم فإنه يجب توفر الظروف التالية :
1. تلوث الغذاء بميكروب CI. Perfringens ( حوالي 10 6 / جرام ) .
2. طهي الغذاء عادة يؤدي إلى توفير ظروف لاهوائية مناسبة .
3. توفير درجة حرارة مناسبة نتيجة عدم تبريد الغذاء بكفاءة ، مع مرور فترة من الزمن تسمح بنمو الميكروب بدرجة كافية .
4. تناول الغذاء بدون إعادة تسخينه ، حيث أن أعداد كبيرة من الميكـروب يتم تناولها مع الغذاء . ثم إفراز السم داخل الجسم فتظهر أعراض التسمم الغذائي .
تظهر خلال 8 - 24 ساعة ، من تناول الغذاء الملوث ، ويكون في صورة ألام في البطن وإسهال مع غثيان ، وعادة بدون حدوث مضاعفات مرضية ، إلا في حالات كبار السن والأطفال ، الذين قد يعانون من الإجهاد . هذه الأعراض عادة تكون مصحوبة بحمى أو قئ . فترة المرض تكون قصيرة نسبيا مع إختفاء الأعراض في 12 – 24 ساعة ، قد تحث وفاة أحيانا بين المرضى كبار السن والضعفاء نتيجة الجفاف .
طرق الوقاية من التسمم الغذائي بواسطة CI.Perfringens :-
1. التبريد السريع ولدرجة مناسبة للحوم المطهية والأغذية ، عادة يجب حفظ اللحوم ومنتجاتها تحت درجات حرارة 5.5 0م أو أقل ، وذلك لمنع الجراثيم من النمـو وتكاثر لحين إستهلاكها .
2. حفظ الأغذية الساخنة عند درجات حرارة أعلى من 60 0م .
3. إعادة التسخين الكامل للأغذية المحفوظة أو المتبقية لدرجة حرارة 65 0م أو أعلى قبل إستهلاكها ، ضروري للقضاء على الخلايا الخضرية الموجودة .
4. عدم إطالة الفترة الزمنية بين طهي الأغذية وحفظها بالتبريد .
5. الإعتماد على العاملين في مجال الأغذية ، الذين يكون لديهم خبرة جيدة في تحضير وتخزين وتداول الأغذية .
التسمم الغذائي بميكروب الباسلس سيرس Bacillus cereus food poisoning :-
من المعروف أن Bacillus cereus يسبب تسمم غذائي منذ بداية 1906 ، نتيجة تناول وجبات من كفتة اللحم meat balls ، وتناول مهروس البطاطس ، وتناول قشدة مبسترة . وقد تم التعرف على نوعين من هذا التسمم ، يسبب كل منهما نوعين مختلفين من السموم ، إحدهما يسبب القئ emetic والثاني يسبب الإسهال diarrheal .
يتجرثم Bacillus cereus بسهولة في الغذاء على عكس CI.Perfringens فإنه يقاوم المعاملة الحرارية ، وبالتالي تنمو الجراثيم وتتكاثر وتسبب التسمم . الميكروب المسئول عن هذا التسمم هو Bacillus cereus وهو ميكروب عصوي ، متجرثم وينمو في الوسط الهوائي واللاهوائي .
أ) تسمم القئ : يحدث هذا التسمم عقب تناول أغذية ملوثة بالسم المعوي المسبب للقئ يتكون أثناء تكون الجراثيم ، ويعتقد أن تأثير هذا السم مماثل لتأثير السم الذي يفرزه S.aureus حيث تظهر أعراض هذا التسمم بعد 1 – 6 ساعات ، وغالبا ما تكون 2 – 5 ساعات عقب تناول الغذاء المحتوي على السم .
أعراض هذا التسمم مشابه لأعراض التسمم العنقودي ، حيث تكون الأعراض غثيان وقئ ونادرا ما يحدث إسهال ، يتم الشفاء الكامل في خلال 24 ساعة ، ونادرا ما يحدث مضاعفات .
يمثل Bacillus cereus مشاكل خطيرة عندما يوجد بأعداد كبيرة ، أو عندما ينتج السم . ولتجنب ذلك يجب منع إنبات الجراثيم ومنع الخلايا الخضرية من التكـاثر في الأغذية المطهية ، وذلك عن طريق حفظ الأغذية المطهية وخاصة الأرز تحت درجات حرارة منخفضة ( أقل من 4 0م ) ، للحد من نمو هذه الميكروبات وإنتاج السموم .
ب) تسمم الإسهال B. cereus diarrhoeic type. :
يتكون من هذا السم نتيجة نمو الجراثيم الباسيس سيرس في القناة الهضمية بعد تناول الغذاء الملوث ، وتأثير هذا السم مماثل لسموم الكوليرا ، حيث إفراز السوائل في تجويف الأمعاء نتيجة لتنشيط أنزيم adenyate cyclase مما يؤدي إلى حدوث الإسهال .
هذا السم غير مقاوم للحرارة ، وينخفض نشاطه عند درجات حرارة أعلى من 45 0م ، تظهر أعراض هذا التسمم في خلال 8 – 16 ساعة ، وتكون الأعراض أساسا من غثيان ، ألم في البطن مع تقلصات وإسهال مائي شديد ونادرا ما يحدث قئ وحمى . تتشابه أعراض هذا التسمم مع أعراض كلوستريديم البرفرنجي والوقاية من هذا التسمم مماثلة للوقاية في كل من التسمم القئ والتسمم البرفرنجي .
مما سبق نستخلص أن للوصول لغذاء صحي وآمن يجب إتباع الطرق الصحيحة من حيث تحضير المواد الغذائية الخام وانتقالها وكذلك اتباع طرق حفظ الأغذية بدرجات الحرارة المناسبة والتبريد الصحيح كذلك حماية المواد الخام والمنتجات من الأتربة والحشرات والملاصقة لأيد العاملين عن طريق حفظها في عبوات محكمة الغلق ومصنوعة من خامات عالية الجودة حتى لا تؤثر في المنتج النهائي أثناء فترة تخزينه لحين وصوله للمستهلك .
وكذلك يجب على العاملين في مجال تصنيع الأغذية وتجهيزها وتغليفها أن يكونوا حاصلين على شهادة صحية تفيد خلوهم من الأمراض المعدية التي تؤدي إلى حدوث التسمم الغذائي نتيجة لتلامسهم المباشر والغير مباشر للأغذية المصنعة والمطهية .
ساحة النقاش