وفي هذا الصدد قامت المكتبة البريطانية بتقديم تعريفاً شاملاً ل بمنظمات المجتمع المدني أو CSOs بأنها " تلك المنظومة واسعة النطاق من اتحادات العمل والمنظمات غير الحكومية والمجموعات القائمة على الأديان والمؤسسات والمنظمات القائمة على المجتمعات في المجتمع المدني ." ويذكر أن العديد من زعماء منظمات المجتمع المدني يمثلون شبكات ضخمة للمجتمع المدني وطنية وعالمية.
يعد مفهوم المجتمع المدني civil society مفهوم إروبي تم صوغه ابتداء من منتصف القرن الثامن عشر ، تجسيداً لتحول أروبا الغربية من الاستبداد السياسي إلي الديمقراطية البرجوازية ( اللبرالية ) ، حيث أكد أخلاقيو القرن الثامن عشر ، ومنتظرو العقد الاجتماعي ( هونز ، لوك ، وروسو ـ علي وجه الخصوص ) علي الأهمية التي تنطوي عليها العيش المشترك في تجمعات مدنية قابلة لمعانقة قيم التسامح والتفهم والتكافؤ والحرية ، وعاش المجتمع المدني ومفرداته مترعرعاً طوال قرن كامل (1750 ، 1850 ) ثم اختفي مع النصف الثامن من القرن التاسع عشر ولم يعاود الظهور إلي مع الإيطالي أنطونيو وبناءاً علي هذه التعريفات يمكن عرضها كالتالي :
المجتمع المدني :
أتفق الجميع على أن المجتمع المد ني هو المشاركة التطوعية للمواطنين العاديين وهي لا تشمل أي عمل تفرضه الدولة..." هذا يعني أن المجتمع المدني يشمل كل المنظمات والمؤسسات الأهلية والتطوعية التي يؤسسها المواطنين والتي يمكن أن تأخذ أشكال وأحجام متعددة. وهي تتكون من كل النشطاء العاملين في الدولة والذين يعبرون عن نظراتهم وآرائهم في بناء المجتمع وهو أيضا يشمل كل المنظمات والمؤسسات، والاتحادات، والنقابات، وكل قوى الشعب العاملة الموجودة في المجتمع ما عدا الحكومة."
نبذة تاريخية عن المجتمع المدني :
لقد أصبح مصطلح المجتمع المدني شائعا بصورة كبيرة ، وفيما يلي نبذه تاريخية مختصرة عن هذا المصطلح ودوره في الدولة. في الحقيقة يمكننا القول بأن مفهوم "المجتمع المدني" بالصورة والكيفية التي نعرفها اليوم هو مصطلح سياسي جديد في الفكر المعاصر وخصوصاً الفكر الرأسمالي الليبرالي. وبالتالي فهذا المصطلح لم يعتبره الكثير من المفكرين السياسيين شرط من شروط الحكم الناجح والعادل . فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن الإغريق والرومان وهما البداية الطبيعية لكل مفكري الغرب لم يعترفوا بهذا المصطلح ولم ينظروا لي الدولة الا على أنها تتكون من حكام ومحكومين وعبيد .
وعندما أصبح مصطلح "المدينة" مصطلحا متعارف عليه في علم السياسة لم يكن لمصطلح "المجتمع المدني" دوراً سياسياً يذكر. فمثلا عندما أدخل الفيلسوف الألماني (هيقل) مصطلح المجتمع المدني واعتبره أحد معالم "المدينة" لم يكن يقصد بذلك بعده السياسي وإنما بعده الاقتصادي والتجاري. لقد ربط (هيقل) ظاهرة ظهور"المجتمع المدني" بتطور السوق. ففي كتابه " فلسفة الحق" يعرف المجتمع المدني كمجموعة من الممارسات الاجتماعية التي صنعها الاقتصاد الرأسمالي والتي تعكس تصرفات السوق ... فهو بالتالي أداة لإنجاح القطاع الخاص في الدولة ليس إلا ؟ أما في الفكر اليساري فقد كان الماركسيون على سبيل المثال يعتقدون بأن المجتمع المدني وخصوصا الثقافة المدنية هما أدواتان للهدم والعرقلة من أجل تحقيق المجتمع الاشتراكي العادل! يقول ماركس في تعليق له على الحرية السياسية في مقال له بعنوان "في السوأل اليهودي:" بأن ما يعرف بحقوق الإنسان ما هي إلا حقوق الفرد في المجتمع المدني الإنسان الأناني الإنسان المعزول من مجتمعه ومن الناس الآخرين ....." ولم يتغير هذا الرأي عند اليساريين إلا حديثاً .
فلقد أقتنع اليسار وخصوصا في أمريكا اللاتينية أخيرا بأن دور المجتمع المدني ضرورة من ضرورات تحقيق النظام الاشتراكي المنشود ، النظام الذي سيحقق لهم لعب دور ريادي ومؤثر في المجتمع . بدأ اليساريون في أمريكا الاتنية في اوآخر السبيعنيات وبداية الثمانينات بإعادة النظر في إستراتيجيتهم خصوصا بعد الانقلاب الليميني الذي أطاح بالحكومة اليسارية بقيادة "السلفادور اللنذي" في شلي عام (1973) هذا الحدث إلي جانب شعور اليساريين بالخوف من الأنظمة العسكرية والإرهاب الحكومي شجعهم على التفكير في إيجاد وسائل أخرى للعمل السياسي من خارج أطر الحكومة. من هنا أنبتقت فكرة "المجتمع المدني" ودوره في اتاحت الفرصة لهم للعب أدوار في المجال السياسي وتمكينهم من الاتصال بالناس .... يقول عالم الاجتماع الأستاذ فرانسيسكو ويقورت بأن الاكتشاف من جانب اليسار وخصوصا في أمريكا الاتينية أن هناك مجالات أخرى غير المجالات الحكومية للمشاركة في النشاطات السياسية ان هذا الإدراك بدأ متأخرا في الثقافة السياسية اليسارية وكان ذلك نتاج للظروف الصعبة التي مّر بها اليسار في أمريكا اللاتينية. وبالتالي فيمكن القول بأن مصطلح "المجتمع المدني" في الفكر اليساري كان نتاج لمرحلة الإرهاب الحكومي وغياب التعديدة السياسية وانعدام استقلالية القضاء ولم يجد أمامه إلا الكنيسة الكاثوليكية الليبرالية التي حمتهم وآوتهم من الإرهاب الحكومي ... ثم يستطرد الأستاذ ويقورت في وصف دو ر الكنيسة في أمريكا اللاتينية فيقول".. لقد كانت هذه الكنيسة في طليعة مؤسسات المجتمع المدني حيث دافعت وحمت الكثير من المواطنين من الإرهاب الحكومي في أمريكا الجنوبية .(1)
لماذا أصبح المجتمع المدني ضروريا في مجتمعات اليوم ؟(3)
لقد أصبح المجتمع المدني ضرورة في هذا العصر وهذا لأسباب عديدة لعل من أهمها :
1. أن "حق التجمع" هو حق مشروع وأساسي من أجل النهوض بأي مجتمع. وبالتالي فأن حق أي شعب من الشعوب في اختيار الوسائل التي تمكنه من التعبير عن نفسه هو حق مشروع لكل مواطن في المجتمع .
2. أن حق أي فرد من أفراد المجتمع في الاشتراك في أي مؤسسة غير حكومية - سواء أن كانت هذه المؤسسة هي قبيلة ،أو عشيرة، أو نقابة مهنية، أو أي مؤسسة أخري طالما أنها من أجل خدمة الدولة وفي ظل الدستور هو حق طبيعي ومصان لكل مواطن.
(3) المجتمع المدني هو الأداة التي ستجير(أو تفرض) على الحكومة أن تكون فاعلة ومؤثرة، وستقوم بمحاسبة الحكومة على ما تقوم به، والمجتمع المدني يشجع التفاعلات المدنية والمشاعر السياسية ما بين أعضاء المجتمع حول الشئون الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمشاركة فيها.
3. المجتمع المدني يساعد على تحقيق الاستقرار والتعامل مع القضايا غير العادلة في المجتمع وسوف يساعد على تقوية قضية الولاء في الدولة... والمجتمع المدني سيساعد المواطنين في لعب دوراً هامًا في إتخاذ القرارات التي تعينهم، وتبيح لهم الفرص للمشاركة في إعطاء الحلول لا مجرد التعامل مع المشكلات التي تواجه الدولة.
4. أن المجتمع المدني لا يمكن تحقيقه الآ إذا أتيح للمواطن فرصة المشاركة في شئون الدولة وحق الاختيار في اتخاذ القرارات. وعند ذلك يكون المجتمع المدني ضمانة من الضمانات التي تحمي كل المواطنين- وخصوصا الأقليات منه- ضد قيام الحكومة الدكتاتورية ومنعها بالتفرد بالسلطة .
5. لعل من الأسباب التي شجعت على تبني هذه الفكرة - فكرة المجتمع المدني - هو الفشل الذريع لمفهوم فكرة " الدولة القومية" وخصوصاً في العالم الثالث. هذه الفكرة التي سادة وانتشرت بسرعة فائقة وبدون دراسة لامكانية تطبيقها في بعض المناطق التي لا تسود فيها قومية واحدة. وهذا قاد إلي أن القومية التي سيطرة حاولت تسخير أدوات الدولة في السيطرة علي القوميات الاخري واضطهادها .
6. وأخيرا فانه من المتعارف- عند كل من لديه خبرة بالعملية السياسية أن دور الانتخابات- حتى ولو كانت عادلة وحرة- محدود في تحقيق المشاركة الكاملة لكل أنباء الشعب. فبرغم من أن الانتخابات الحرة ضرورة إلا أنها غير كافية في كثير من الأحيان. الانتخابات تقرر في العادة من الذي سيحكم ولكنها لا يمكن إن تكون أداة الاتصال الوحيدة بين الحاكم والمحكومين. وهنا يأتي دور الجماعات والمؤسسات الأخرى من أجل الدفاع والتعبير عن مصالحها بكل الطرق والوسائل المشروعة والمتاحة... من هذا المنظور يمكن اعتبار المجتمع المدني- بكل مؤسساته ومنظماته-- أداة أضلفية لتمكين شرائح الشعب من التعبير عن ارآئهم والمشاركة في القرارات المتعلقة بمصالحهم .......
العلاقة الجدلية بين المجتمع المدني والدولة:(4)
هناك حالتان أساسيتان وتتلخصان في مدي إمكانية المجتمع المدني أن يكون مسانداً للدولة أو معارضاً لها . ففي الحالة الأولى يشكل المجتمع المدني مصدر الشرعية عبر مشاركة منظماته وفئاته الاجتماعية المختلفة في صنع القرار .
أما الحالة الثانية التي تتصدى الدولة بجهازها ومؤسساتها القمعية لكل أشكال الاضطراب والثورة، تبدو الدولة وكأن المجتمع هو الذي وجد من أجلها لا العكس. ملاحقة التجمعات والتنظيمات المدنية بشتى وسائل الرقابة والقرارات التي تأخذ في النهاية صيغة حقوقية شرعية هي القوانين والأوامر.
بهذا المعنى يقول عالم الاجتماع ماكس فيبر: " الدولة هي احتكار العنف الجسدي المشروع " والدولة بهذا المعني أداة تنظيم تنطوي علي ثنائية السلطة والجهاز .
يلاحظ مما سبق أن تداخل وتفاعل الدولة والمجتمع المدني عبر توافقهما تارة وعبر تعارضهما تارة أخرى، فالدولة تنظم تعاملات الأفراد من خلال القوانين والقواعد، كما أن المصالح الخاصة يمكن أن تخترق نظام الدولة وتحتل وظائف معينة فيها .
والعلاقة الجدلية المبنية على الحوار والاعتراف بالآخر، القائمة بين السلطة السياسية الممثلة بالدولة وبين التنظيمات والأحزاب الممثلة للمجتمع، هي ضمان عدم تصلب النخب الحاكمة وتفردها بالسلطة.
حيث يشكل المجتمع المدني مع الدولة ما يعرف بالمنظومة السياسية في المجتمع. وبهذا المعنى قال غرامشي: "الدولة هي المجتمع السياسي زائد المجتمع المدني" فبينما يحتوي المجتمع المدني على التنظيم السياسي للمجتمع بأحزابه ونقاباته وتياراته السياسية، تحتكر الدولة السلطة السياسية عبر أجهزتها ومؤسساتها المختلفة .
بهذا المعنى تكون العلاقة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي علاقة جدلية. تستمد الدولة عبرها المشروعية من المجتمع المدني من خلال عمل آليات السيطرة والتحكم والتوجيه من جهة، وعبر الإقناع والقبول والرضا من جهة ثانية .
حيث أن المجتمع المدني يضم الأحزاب السياسية إضافة إلى المنظمات والنقابات والمؤسسات الأخرى، أي أن له بعداً سياسياً وهو يحتوي على التنظيم السياسي للمجتمع ككل.
ففي الوقت الذي يشتمل المجتمع المدني على الأحزاب والتنظيمات السياسية يختص المجتمع السياسي بالسلطة السياسية بمعناها الممارس .
ففي المجتمعات الديمقراطية لا تنحصر السلطة السياسية بالائتلاف الحاكم وأحزابه، حيث تشكل المعارضة ما يشبه حكومة الظل وتمارس سلطة سياسية بطرق غير مباشرة لكنها فعالة في أحيان كثيرة. والمهم هو تنظيم العلاقة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي بما يخدم تطور المجتمع ككل.
فالمجتمع السياسي يوجه قطاعات المجتمع المدني المختلفة عبر الآلية القانونية والقضائية للدولة، بما يكفل حق أفراده وحريتهم في المبادرة والعمل وفقاً لأحكام الدستور، في الوقت الذي يمنح المجتمع المدني المشروعية للسلطة السياسية وهي إحدى أهم أسباب بقائها واستمرارها. بصيغة أخرى لا بد من رصد التفاعل المتزايد بين المدني والسياسي ونبذ جميع الاحتواء والتهميش أو الإقصاء لأي منهما على حساب الأخر.
والجدير بالذكر أن المجتمع المدني لا يعد هو الحل الشافي لكل القضايا والمشكلات التي تعيشها المجتمعات المعاصرة، وهو ليس مفهوماً خلاصياً أو وصفة يمكٌن تعاطيها وتداولها من تجاوز الراهن المأزوم إلى مستقبل مأمون .
كما أنه بصفة أدق حقل للتنافس وفضاء للصراع، وميدان لعمل القوى الاجتماعية ذات المصالح والرؤى والمواقف المختلفة بل والمتناقضة، فالميدان منفتح على ممكنات عديدة واحتمالات متعارضة، يتوقف تحقيق بعض منها دون البعض الآخر على إمكانيات وبرامج وتحالفات تلك القوى، أي أنه نتاج تشابك علاقات القوة والسلطة والمعرفة بتغير حواملها الاجتماعية واستراتيجيات إدارة الصراع، التي يتبناها كل طرف.وهذا يعني أن المضمون السياسي والإيديولوجي للمجتمع المدني ليس معطى متجانساً محدداً سلفاً، بل يتشكل ويعاد بناؤه في كل مرحلة انطلاقاً من موازين القوى الاجتماعية المكٌونة له .
حدود وضوابط المجتمع المدني :
قد يتبادر إلي الذهن ما إذا كانت فكرة المجتمع المدني تقوم على أساس تنظيم الشعب في مؤسسات ومنظمات مستقلة عن الحكومة، فما هي حدود وضوابط المجتمع المدني؟وهنا يمكن اختصار الإجابة كالأتي ؟
(1) الضابط الأول هو الدستور والقوانين، فهم الذين يحددوا ألأطر القانونية، والمالية، والهيكلية للمجتمع المدني. فما يمنحه الدستور من حقوق وحريات للمواطنين وما يمليه من واجبات يعتبر السقف الذي لا يمكن تجاوزه ... فالدستور هو المرجعية النهائية في الدولة... وهو الأداة التي تساعد على وجود مواطنين مسئولين يشعرون أنهم يكونون جماعة واحدة وتجمعهم مبادئ وأهداف مشتركة .
(2) أما الضابط الثاني فهو الالتزام الذاتي من كل الجماعات والأفراد بمفهوم المجتمع المدني واحترام مبادئ العمل الجماعي وممارسة مبدأ المتسامح والاحترام للجميع .
(3) يجب على كل منظمات ومؤسسات المجتمع المدني ألاّ تستخدم العنف ولا أي وسيلة غير دستورية
كويسة من وسائل التغير والإصلاح .........
(4) لا يجب أن يكون لأي مؤسسة أو منظمة من منظمات المجتمع المدني أي ارتباط- غير دستوري- مع أي قوى أو جهة أجنبية أو خارجية .....
ما مكونات المجتمع المدني ؟
ينقسم المحللون السياسيون - في هذا الشأن- إلي فريقين: فالفريق الأول يعتبر المجتمع المدني كل المؤسسات غير الحكومية التي ترغب في بناء المجتمع وتطوره .... أما الفريق الثاني فيشمل تعريفهم كل أشكال المشاركات التطوعية سواء كانت عامة أو خاصة ، سياسية أو غير سياسية ، اجتماعية ،أو ثقافية . وهذا التعريف - في تصوري- هو أقرب للواقع خصوصا في مجتمعات نامية كمجتمعنا الليبي الذي هو في حاجة إلي كل عمل جماعي بناء . ولعل من أهم المؤسسات الاجتماعية في مجتمعنا الليبي والتي ستقوم بدور هام في ترشيد وتطوير المجتمع المدني الآتية :
(ا) النقابات المهنية( كنقابات العمال، والطلاب، والأطباء، والحامين، والمرأة، ... وغيرها).
(ب) النوادي الرياضية والاجتماعية
(ج) القبائل: والقبيلة في ليبيا لها تعريفان .. في الشرق تعرف القبيلة - في العادة- على أساس القرابة والنسب كأن يقال ( قبيلة البراعصة) أ و (قبيلة العبيدات ) أما في أغلب المنطقة الغربية من ليبيا فتعريف القبيلة يغلب عليه البعد الجغرافي، كأن يقال " قبيلة قصر حمد" في مدينة مصراته. فهذه القبيلة هي نسبة إلي المنطقة وليس للنسب أو القرابة... وللقبيلة- مهم كان تعريفها- دورا اجتماعي وسياسي مهم ومن الممكن أن تلعب دورا رائدا إذا ثم توظيفها التوظيف المناسب وثم الاعتراف بها في داخل الإطار السياسي للدولة .
(د) أما المؤسسة الرابعة والتي سوف تلعب دورا هاما في بناء المجتمع المدني فهي "الجامع" وهنا أذكر مصطلح الجامع بدلا عن "المسجد" وذلك لان الجامع هو المفهوم الأشمل والأعم ودوره أكثر من مجرد تأدية الصلوات فيه فحسب بل فيه يلتقي الناس للصلاة ولإدارة شئونهم العامة والخاص. وفيه تتم الكثير من النشاطات الاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية.... فلقد كان لدور الجوامع في ليبيا دورا رياديا يفتخر به كل ليبي منصف وعاقل. فمن الجوامع انطلق الجهاد وتخرجت القيادات، ومن الجوامع أعلن أول نظام جمهوري في الشرق الأوسط، "الجمهورية الطرابلسية" في بداية القرن العشرين وكانت أول جمهورية تعلن في تلك المنطقة. وهذا دليل علي وعي وسعت إطلاع النخبة الليبية والتي قادت الجهاد وأعلنت قدرتها على إدارة البلاد في ذلك الحين .... هذا قامت الجوامع بدور اجتماعي وثاقي رائد في تاريخ ليبيا المعاصر.
(هـ) أما المؤسسة الخامسة والأخيرة والتي يمكن اعتبارها من مؤسسات المجتمع المدني فهي مؤسسة "الأعلام" وبالرغم من إن البعض قد يعتبرها من مؤسسات (أو شركات) لسوق- وذلك لان أغلبية الأعلام في الدول الليبرالية- يكون من شركات خاصة تسعى- بالدرجة الأولى- إلي الربح إلا إن الأعلام من المؤسسات والركائز الهامة التي لابد إن تلعب دورا ايجابيا في تطوير وبناء الدولة، وفي نفس الوقت يجب إن يتم ذلك في استقلالية كاملة عن الحكومة وعليه فلابد من النظر إلي الأعلام على أنه مؤسسة هامة من مؤسسات المجتمع المدني الذي يحقق للحكومة المشاركة فيه ولكن لا يمكن أن يسمح لها بالسيطرة عليه. ومن جهة أخرى يمكن اعتبار الأعلام جزء من السوق ولكن لا يجب أن يكون الهدف الوحيد لأعلام هو"الربح." إن الدور الأساسي للإعلام في أي دولة هو التثقيف، والتوعية، والترفية ، والتنوير .
مخاطر المجتمع المدني :(2)
يرى بعض علماء السياسة أن فكرة المجتمع المدني تحتوي على مجموعة من المخاطر المبنية على العلاقات الغير متساوية بين جماعات المجتمع المختلفة . فعلى سبيل المثال قد تتوفر لبعض الجماعات- كالمحامين والأطباء- إمكانية الوصول والسيطرة على مصالحها في السلطة بينما لا تستطيع الجماعات الأخرى القيام بذلك .... وبالتالي فوجود لازدواجية بين الحكومة والمجتمع المدني قد يشكل خطرا يهدد مصالح الشعب كلها .ولعل من الأمور الهامة والتي لابد من التأكيد عليها - قبل تأسيس هذه الازدواجية وفتح الباب علي مصراعيه ـ هو الأتي :
(1) التأكيد على الضوابط التي لابد لكل مؤسسات ومنظمات وشخصيات المجتمع المدني الالتزام بها. بمعني تحديد الخطوط الحمراء- إن جاز التعبير- الفاصلة بين الحكومة والمجتمع المدني.
(2) يجب تحديد المؤسسات أو المنظمات التي لا يمكن السماح بها ولا يجب اعتبارها من مكونات المجتمع المدني .
(3) إذا أردنا أن نفصل بين الحكومة والمجتمع المدني فلابد من تحديد نوع وطبيعة هذا الفصل . فمثلا هل يمكن اعتبار الفصل بين الحكومة والمجتمع المدني كالفصل بين السلطات الحكومية الثلاث- بمعني الفصل بين السلطة التشريعية، والسلطة التنفدية، والسلطة القضائية. وإذا كان كذلك فكيف يمكن للمجتمع المدني مراقبة ومحاسبة الحكومة والعكس صحيح .
(4) أن يدرك المواطنين أن المجتمع المدني ليس بديلاً عن الحكومة ولا يجب أن تسيطر الحكومة على المجتمع المدني. وذلك لأنه من المعروف أن المجتمع الذي يفقد حكومته بصبح أقرب إلي حالة الفوضى منه إلي حالة المدنية، وفي نفس الوقت ستصبح الحكومة دكتاتورية إذا غاب المجتمع المدني عنها .
(5) وأخيرا لابد إن نعي بأن من أكبر- وأخطر- عيوب تأسيس المجتمع المدني هو انتهاك "مبدأ المساواة السياسية" بمعني ستكون طبقات وشرائح المجتمع غير متساوية وغير متوازية. وهذا الانتهاك لمبدأ المساواة بين أفراد المجتمع قد يكون نتيجة لعدة أسباب مثل عدم تساوي المصادر المالية أو الموارد الطبيعية للمؤسسات أو الأفراد. وعدم المساواة هذا في العادة يقود إلي إقصاء بعض شرائح المجتمع عن العملية السياسية .
ما علاقة المجتمع المدني بالحكومة ؟
إذا تم التسليم بأن المجتمع المدني هو المجتمع الذي تتاح فيه الفرص لكل أبناء الشعب في المشاركة الحرة في كل المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ودون مراقبة الحكومة وتدخلها في شئون هذه المؤسسات. إذا سلمنا بهذا فيمكن لعنا إن يتسأل عن طبيعة وكيفية هذه العلاقة بين المجتمع المدني والحكومة؟ بمعنى: هل هي علاقة هيمنة أم هي علاقة فصل؟ وإذا كانت هي علاقة فصل: فهل هي علاقة فصل كامل بينهما- بمعنى ان الحكومة شيء والمجتمع المدني شيء آخر- وهل لابد من فصل أو(استقلالية) المجتمع المدني عن الحكومة؟ وهنا لابد من البدء بالإشارة إلي أن علماء السياسة قد انقسموا- في الإجابة على هذه الأسئلة إلي ثلاث فرق :
فريق ينادي بنظرية هيمنة أو سيطرة الحكومة على المجتمع المدني وخصوصاً فيما يتعلق بالشئون السياسية. وهذا الفريق يؤمن بنظرية الّدمج بين الحكومة والمجتمع المدني في تحالف واحد أطلق عليه البعض - مثل الناصريون في الوطن العربي -" بتحالف قوى الشعب العامة." وهذا ما آمن به كل الاشتراكيون عندما كانوا في سدّة الحكم في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، وما أمن به الاشتراكيون العرب عندما كانوا في قيادة المعترك السياسي في الستينات والسبعينيات وعند بعضهم حتى الآن كما هو حادث اليوم في ليبيا.
أما الفريق الثاني فهو الذي يؤمن بأن الفصل بين الحكومة والمجتمع المدني لابد ان يكون كاملا بمعنى الحكومة شيء والمجتمع المدني شيء آخر. فالمجتمع المدني في نظر هؤلاء هو المجال الذي لا تتدخل فيه الحكومة ولا تسيطر عليه و لمؤسسات المجتمع المدني ان تفعل ما تشاء متي شاءت.
والفريق الثالث ينظر إلي هذه العلاقة على أنها علاقة تقوم على التكامل والتعاون والتنسيق بين الطرفين. وهذه العلاقة تقوم على مجموعة من الحقائق المعطيات لعل من أهمها الأتي:
1. فالحقيقة يمكن القول بأنه من الصعب على الحكومة- التي تقوم على حق الاختيار والساعية من أجل تحقيق العدل- أن تنشيء وتطور المجتمع المدني، وذك لأن الحكومة - بطبيعتها- هي أداة قهر وأحبار. أو بمعني آخر أن علاقة الحكومة في المجتمع علاقة مبنية على درجة من المتسلط. وبناءً على هذه المعطية فإن الفصل غير الكامل أمر ضروري ومهم بين الحكومة والمجتمع المدني .
2. الحقيقة الثانية التي لابد من التأكيد عليها- إذا أردنا أن نطبق مفهوم المجتمع المدني بنجاح هي الإدراك بأنه من الممكن للحكومة أن تقوم وتستمر بدون وجود مجتمع مدني فيها، ولكن ليس من الممكن للمجتمع المدني أن ينجح ويزدهر بدون وجود حكومة تحميه وتناصره.... وذلك لن يستطيع المجتمع المدني تقديم العديد من الخدمات والحاجات العامة.
3. لنجاح المجتمع المدني لابد وأن بنظر له على شكل مكمل وليس نقيض أو مضاد للحكومة. فالحقيقة أن الحكومة والمجتمع المدني هما شيئان مكملان لبعضها البعض - فيمكن أن نقول بأن المجتمع المدني هو الأداة التي تهتم بقضية المشاركة في شئون المجتمع والحكم وإدارة شئون الدولة .
4. الحقيقة الرابعة- وهي مكملة للحقيقة الثالثة- هي إن الحكومة والمجتمع المدني أصبحتا في حاجة ماسة- أكثر من أي وقت مضى- إلي بعضهم البعض، فلا الحكومة تستطيع النهوض والتقدم بدون مجتمع مدني يقدم لها البدائل والموارد والقدرات. وفي نفس الوقت لا يستطيع تحقيق أهدافه بدون وجود حكومة قوية تحكم بالعدل وتسعى من أجل تحقيق الأمن والأمان لكل أفراد المجتمع .
ما هي علاقة المجتمع المدني بالسوق؟
باختصار شديد، يقصد بالسوق- هنا- القطاع الخاص - وخصوصاً دور الشركات الكبرى والغرف التجارية في المشاركة في شئون الدولة عموماً، والشئون السياسية خصوصاً. والسؤال الأساسي هو "ما علاقة السوق (إذا وجدت) بالمجتمع المدني في الدولة؟ وبمعني أخر:
(أ) هل السوق منفصل عن الحكومة؟ ولا يمكن للحكومة إن تتدخل فيه؟
(ب) إن تتدخل فهل يمكن اعتبار السوق جزء من المجتمع المدني؟
(ج) هل يمكن اعتبار السوق جزء من المجتمع المدني؟ فعلى سبيل المثال : هل يمكن اعتبار الشركات
الكبرى والغرف التجارية من مكونات المجتمع المدني - وكلنا يعلم بأنها منظمات غياب ديمقراطية
(د) حق لقوي السوق أن تعلب دورا سياسيا؟
(هـ) إن كانت الإجابة بنعم على السؤال ، فكيف سيتم ذلك والي أي مدى؟
هذه مجرد مجموعة من الأسئلة التي هناك ضرورة للإجابة عليها لتأسيس دولة نموذجية، تسيطر فيها الحكومة، ويزهر فيها المجتمع المدني، وتسود فيها التجارة العادلة والحرة. بعد نهاية ما عرف "بالحرب الباردة" والتي استمرت أكثر من أربعين عاما- وكان نتيجتها انهيار الاتحاد السوفيتي- وكل الأنظمة الاشتراكية في شرق أوروبا- وإعلان الغرب والدولة الرأسمالية انتصارهم. منذ ذلك الحين أصبح الفكر الليبرالي الرأسمالي هو سيد الميدان رغم انه في الحقيقة لم ينتصر في تلك الحرب وكل الذي حدث- باختصار شديد - هو انهيار المنظومة الاشتراكية والهيكلية اليسارية قبل انهيار الرأسمالية ومنظمتها الليبرالية وهي أمر طبيعي - لان هذه المعركة كانت بين خصمين في سباق لانهاية له !!! فمن الحتمي ان ينهار أحدهما أو الاثنين معا .
ونتيجة لهذه النهاية تبنة قيادات الرأسمالية والتيار الليبرالي- وفي مقدمتهم الشركات متعددة الجنسيات- فكرة "المجتمع المدني" ليس حبا في هذا المصطلح وإنما كسلاح لاتساع حرية رأس المال وحرية التجارة خصوصا في الدولة التي لا تزال تحكمها أنظمة دكتاتورية. وهنا لا بد من الإشارة إلي حقيقتان هامتان :
(أ) الحقيقة الأولى هي إن الكثيرون لا يختلفون مع السلوك الرأسمالي في مواجهة الأنظمة الدكتاتورية والقضاء عليها والسعي من أجل تمكين المجتمع المدني من لعب دوره الضروري والطبيعي في الدولة .
(ب) إما الحقيقة الثانية فلابد أن نعي بأن وقوف التيار الرأسمالي الليبرالي ضّد الأنظمة الدكتاتورية ليس حبا في الحرية والديمقراطية للشعوب الآحرى، وإنما تحقيقا لمصالحهم الذاتية .
أما عن علاقة السوق بالمجتمع المدني - وإذا تركنا مفهوم التيار الرأسمالي الليبرالي جانبا - فيمكن القول بان هناك مجموعة من الأمور التي لابد من الإشارة إليها وأخذها في الاعتبار عند الحديث عن العلاقة بين السوق والمجتمع المدني. ولعل من أهم هذه الأمور الأتي:
(1) أن دور السوق في الدولة هو دور متميز عن كل من الحكومة والمجتمع المدني. فدور السوق هو خلق وسائل الإنتاج والتبادل وزيادة رأس المال وترشيده بما يخدم العاملين فيه في إطار دستور البلد وقوانينها... وهو قطاع يقوم على "عامل الربح" أصلا ولا شيء غير ذلك . بمعنى إذا غاب الربح انتهاء دور القطاع الخاص وأصبح شيئا أخر .
(2) في تصوري لابد إن يقوم المجتمع المدني لتحقيق الخدمات لكل ما لا ترغب أو (لا تريد) الحكومة أو السوق القيام به.... ومن هذا فلابد ألاّ يقوم هذا المجتمع على أساس الربح ولا يجب إن يسعى له ... فكل مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني يجب إن تكون خيرية و تطوعية، شعبية، وايجابية من اجل بناء وتطوير
المجتمع .
(3) أما عن العلاقة بين السوق والمجتمع المدني فهي ليست علاقة انفصال مطلق بمعنى لا يوجد تعامل ولا تداخل مع بعضهم البعض، ومن جهة أخرى ليست علاقة اندماج كلي كما يعتقد البعض بأن الحديث عن السوق هو أيضا الحديث على المجتمع المدني، وثقافة السوق هي ثقافية المجتمع المدني .
ويمكن القول أن النظرة الصحيحة والسليمة هي التي تنظر إلي السوق والمجتمع المدني نظرة تعاون ومشاركة وهذا يعني إن يتعاون السوق مع المجتمع المدني في حل التحديات المشتركة . فعلى سبيل المثال تعاون أداة الشركات الكبرى مع اتحادات العمال سيخدم الجميع وسيقود إلي تقدم البلد واستقرارها. والمثال الثاني - الذي يمكن أن يوضح العلاقة بين السوق والمجتمع المدني هو مؤسسة(أو المؤسسات) الأعلام المدني. فبرغم من أن الأعلام يمكن اعتباره من مكونات المجتمع المدني إلا أن بعض مؤسسات الأعلام قد تسرى لتحقيق الربح وبالتالي فهي جزء من السوق .
ما الفرق بين المجتمع المدني وجماعات المصالح؟
يمكن تعريف جماعات المصالح ( أو الضغط ) كآلاتي: " كل جماعة منظمة من المواطنين الذين تجمعهم مصلحة واحدة يسعون جاهدين للضغط على الحكومة من أجل تحقيق هذه المصلحة أو حماتيها ...." وبناء على هذا التعريف يمكن القول بأن جماعات المصالح هي جزء لا يتجزءا من المجتمع المدني .... ولكن لابد أن نعي بأن مفهوم المجتمع المدني أشمل وأعم من جماعات المصالح. فالمجتمع المدني يشمل كل قوى الشعب العاملة التي خارج أطر الحكومة ونفوذها. فهو يشمل كل المؤسسات والمنظمات والجماعات - سواء إن كانت من أجل الضغط على الحكومة أولا وسواء إن كان تأسيس هذه الجماعات على المصالح أو لأغراض أخري.
ما دور المجتمع المدني في التنمية :
خلال العقدين الماضيين،أصبح للمجتمع المدني دوراً هاماً في التنمية. ويرجع ازدياد قوة المجتمع المدني إلى انتشار النظام الديمقراطي و العولمة. ذلك إلى جانب عدم قدرة الدولة وحدها على سد احتياجات المجتمع مما أسفر عن ظهور أهمية المجتمع المدني أو القطاع الثالث في المشاركة الفعلية في العملية التنموية. و قد أوضحت الإحصاءات زيادة عدد منظمات المجتمع المدني الدولية من 6.000 منظمة في عام 1990 إلي 26.000 منظمة في عام 1999.
ولقد أصبح دور منظمات المجتمع المدني بارزاً في مساندتها للتنمية علي مستوي العالم. و قد أتضح ذلك من خلال إحصائية صدرت عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) موضحة أن مساهمات منظمات المجتمع المدني تتراوح ما بين 6-7 بلايين دولار سنوياً في أواخر القرن العشرين.
كما أن تأثير المجتمع المدني في تشكيل السياسات العامة العالمية ظهر واضحا في الأونة الأخيرة من خلال حملات الدعوة الناجحة و التي تخص موضوعات متعددة منها حظر زرع الألغام الأرضية، و إلغاء الديون، وحماية البيئة. و قد استطاعت هذه الحملات أن تنمي الوعي عند الملايين في العالم وتستقطب تأييدهم ومساعداتهم العملية.
ومن الملاحظ أن هناك اختلافاً أو لبس في فهم دور المنظمات غير الحكومية في التنمية ومصدر هذا اللبس هو تأييدها من تيارات فكرية وأيديولوجيا مختلفة. فالهيئات الدولية المؤيدة للخصخصة تنظر إليها كجزء من إستراتيجية تقلص البيروقراطيات الحكومية والارتقاء بدور القطاع الخاص، بينما يعتبرها آخرون وخاصة الحكومات وسيلة لزيادة طابع المشاركة والشفافية في عملية التنمية).5 )
المجتمع المدني ومنظماته في مصر:
يتكون المجتمع المدني في مصر من أنواع مختلفة من الهيئات غير الحكومية يصل عددها حالياً إلى حوالي 25 ألف جمعية أو هيئة. من هذه الجمعيات أو الهيئات يوجد الجمعيات الأهلية و الجمعيات التعاونية و مراكز الشباب و الغرف التجارية والصناعية و النقابات المهنية والتجارية و الأحزاب السياسي. )6(
و تمثل الجمعيات الأهلية الجزء الأكبر من المجتمع المدني في مصر حيث بلغ عددها حتى عام 1996، 14 ألف جمعية و قد وصلت إلى 18 ألف في عام 2004. و قد بلغ عدد الأحزاب السياسية عام 1999 14 حزباً في حين أن عدد النقابات المهنية بلغت 24 نقابة مهنية في عام 1999. أما عن جماعات رجال الأعمال، فعددها حوالي 16 جماعة في عام 1999، بينما بلغ عدد النقابات العمالية 23 نقابة يضمها الاتحاد العام للعمال. و قد وصلت منظمات الدفاع و مناصرة الحقوق إلى 23 منظمة أكثرهم مسجلين كشركات غير ربحية في إطار القانون المدني.)7 (
العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في مصر:
أما عن العلاقة الفعلية الممارسة بين منظمات المجتمع المدني والحكومة في مصر في الوقت الحالي، فتتصف بالتعقد و التباين. فأحياناً يسودها روح الصداقة و التعاون و أحيانا أخرى يسودها العداء والصراع. وهذا التباين في العلاقات يتحدد وفقاً لظروف وأهداف كل منهما ومن الواضح أنه لكي تستطيع مؤسسات المجتمع المدني أن تخدم المجتمع بشكل فعال، فإنه من المهم خلق علاقة متوازنة بين الحكومة والمجتمع المدني تحقق نتائج مرضية لكل منهما. فمع انتشار منظمات المجتمع المدني و زيادة أنشطتها و تأثيرها، تعمل الحكومة على فرض سيطرتها و رقابتها عليها و لكن دون التخلي عن الفوائد التي تقدمها هذه المنظمات للمجتمع. و من ناحية أخرى، تسعى الكثير من هذه المنظمات إلى خلق دور مؤثر و فعال في المجتمع يهدف إلى التنمية مع وجود علاقة متوازنة بينها و بين الحكومة أساسها الاحترام المتبادل.)8 )
كيف يمكن النهوض بالمجتمع المدني ؟
هناك عدة عوامل أساسية وضرورية للنهوض بالمجتمع المدني حتى يمكنه الاستمرار والمساهمة الفعالة نحو التنميةالشاملة للمجتمع وهي :
تعزيز الديمقراطية حيث أن قدرة المجتمع على العمل بفاعلية نحو التنمية تزداد مع ازدياد
مساحة الديمقراطية.
التعلم من الخبرات السابقة و تطبيقها بما يتناسب مع الظروف و المتغيرات المعاصرة.
عدم الاعتماد على الحكومات المحلية أو الأجنبية حيث أن من السمات الأساسية للمجتمع المدني
الاعتماد على الذات و الموارد المحلية المتاحة).9(
المجتمع المدني والديموقراطية:
تكثر الرهانات على أحقية العلاقة بين المجتمع المدني والديموقراطية في عالمنا العربي , ويصح القول أن المجتمع المدني والديموقراطية وجهان لعملة واحدة , غير أن ظاهرة المجتمع المدني لم تكن يوماً وليد المجتمعات العربية والإسلامية على الإطلاق , المنشأ الأول له كان في ربوع الغرب وتحديدا في كنف الكنيسة وأباطرتها , الذين اتخذوا قراراً حاسماً فيما يخص تنظيم حياتهم السياسية وإعادة هيكلتها وفقاً للمبدأ الذي توافقوا على نجاعته لنقل مجتمعاتهم من عهود مغرقة بالبطش والطغيان الديني إلى عهود أكثر تسامحاً وانفتاحاً تجاه الآخر , واحترام خصوصياته , فالصيغة التي توافقوا عليها تجلت بفصل الكنيسة عن جسم الدولة , أي فصل الدين عن مؤسسات الدولة .
هذا الفصل التاريخي ترتب على أثره تحولات رأسية نقلت المجتمعات الغربية من النظام الإقطاعي السائد بأدواته وأزلا مه إلى النظام البرجوازي , حيث استطاع أن يوظف رأس المال لخدمة سلطاته التي كرسها مع بروزه الأول , عن طريق إيجاد نموذج ديموقراطي تمت قولبته حسب المصالح والأولويات المحددة بدقة تامة , لكن يبقى التساؤل دائراً حول جدوى قيام مجتمع مدني في عالمنا العربي على أن تكون الديموقراطية أولى ثمراته ؟
وبالنظر إلى ماهية المجتمع المدني يلاحظ أن حدوده ليست محصورة بالتركيبات الأثنية والعرقية التي تحتويها الدولة , وما يلوكها من نزاعات طائفية متوالية , وانتماءات قبلية ضيقة , ومرد كل ذلك يعود إلى أن المجتمع المدني بلا حدود ، وهو يعلو علي
مما سبق ذكره من تركيبات إنسانية مختلفة جلها يتوضع في قلب دولة واحدة , كونها تمثل الحوض الواسع لجميع النماذج دون استثناء . وعليه, أن ما يجري من صراعات طاحنة وحروب طائفية غير منقطعة هنا وهناك في الشرق الأوسط , وما يدور حاليا في العراق والسودان والصومال مجددا وسابقا في اليمن ينفي وجود مجتمعات مدنية , كما أن هذه النزاعات والمصادمات الأهلية , تدفن المجتمع المدني بتراب خلافاتها المستمرة وبالتالي والديمقراطية تباعا.
إن طبيعة الصراعات القائمة يجب أن تتحدد وفق آليات الديموقراطية السليمة , التي لا تخرج عن نطاق المجتمع المدني طالما استمر الصراع بين المتخاصمين , فتجديد هذه الآليات يقوم على الخروج من حالات التشرذم والتقوقع ذات الدائرة الضيقة , وتعزيز الدخول إلى الدائرة الأوسع وطنياً, بدلاً من التحصن في جحور معتمة تنتج في نهاية المطاف مجتمعات تتباكى على ما فاتها من فرص ديموقراطية ضائعة .
هناك محددات أساسية يرتكز عليها جوهر المجتمع المدني وتتمثل في :
1- رفع المستوى المعاشي لأفراد المجتمع والابتعاد عن تقسيمه إلى طبقات تتباين في دخولها .
2-إنضاج الحالة الثقافية بتوفير مناخ تعليمي يحظى بهامش من الحرية ولا يخضع لفلسفة السلطة .
3- تخصيص أمن الوطن والمواطن محليا ودوليا .
وبموجب هذه المحددات يمكن البدء بتشكيل نويات المجتمع المدني المستقل عن السلطة, لأن دمج قوى المجتمع المدني بالسلطة الممثلة للدولة سيؤدي إلى هيمنة الأخيرة على المجتمع المدني وعلى حرية أفراده ؛ فالعلاقة بينهما ينبغي ترسيخها طبقا لمبادئ الديموقراطية وقيمها , التي تشكل ركناً أساسياً من أركان المجتمع المدني .
مصطلح الحكومة :
هذا المصطلح :يعرّفه (روسو) بأنه هيئة وسيطة بين الرعايا وصاحب السيادة من أجل الاتصال المتبادل بينهما مكلفة بتنفيذ القوانين وبالمحافظة على الحرية المدنية والسياسية على السواء لأوامر رئيس الدولة.وهذا التعريف يصدق على بعض الحكومات لا كلها.كما أن هذا المصطلح يشير إلي الهيئة الكلية التي تشرف وتنظر على إدارة الشؤون العامة في المجتمع بطرق وآليات مختلفة.
أنواع الحكومات:
تنقسم الحكومة إلى أنواع متعددة منها:
1- الحكومة الاستبدادية: ويقصد بها تلك الحكومة التي لا تخضع للقانون ولا تتقيد بأحكامه فيما تتخذه من تصرفات وما يصدر عنها من أعمال وقرارات.
وينقل عن سقراط أنه قسم هذا النوع إلى قسمين هما:
أ- حكومة السلطان العادل.
ب- حكومة السلطان المستبد.
ويطلق على هذين النوعين من الحكومة اسم (الاوتوقراطية)
2- الحكومة الأرستقراطية (حكومة الأقلية): يتولى السلطة في هذه الحكومة عدد محدد من الأفراد بحيث لا ينفرد بالسلطة فرد واحد، كما هون الحال في الحكم الفردي.
وتمثل حكومة الأقلية مرحلة انتقال أو مرحلة وسطي بين الحكومة الفردية والحكومة الديمقراطية التي تستند إلى أغلبية شعبية.
3- الحكومة الديمقراطية: حيث يكون الشعب هو مصدر السلطات، وتكون الحكومة معبرة عن الأغلبية الشعبية ومستندة إليها وليس إلى فرد واحد أو عدد محدود من الأفراد يشكلون حكومة أقلية.
ورغم أن النظام الديمقراطي قد أضحى الهدف الذي تسعى إليه الشعوب في العصر الحديث للتعبير عن سيادتها وكفالة حريات أفرادها، ولتحقيق غاياتها في الحياة الحرة الكريمة، فإن جذور الديمقراطية ضاربة في الماضي البعيد، حيث يعود تاريخها إلى المدن اليونانية القديمة مثل أثينا وأسبارطة التي تم فيها تطبيق نوع من أنواع الديمقراطية. ومن هنا اشتقت الكلمة من اللغة الإغريقية، إذ إنها تتكون من مقطعين _ديموس Domas) بمعنى الشعب، و(كراتوس Kratos) بمعنى الحكم فيكون معنى الكلمتين مجتمعتين (حكم الشعب).
4- الحكومة الثيوقراطية:وهي نظرية في السلطة أوسع من الحكم الديني، وأساسها إرجاع الحق في ممارسة السلطة إلى كونه حقاً إلهياً، ويرتبط مباشرة بالإرادة الإلهية، وقد سيطرت هذه النظرية على أوروبا في العصور الوسطى وأعطتها الكنيسة المسيحية دعماً شرعياً.
5- الحكومة الإلهية: كان الحديث في الأنواع السابقة يكمن حول طبقات الأفراد والعلاقات القائمة بين الناس والحكومات، لكن الوضع يختلف تماماً في الحكومة الإلهية.. فالمسألة الأكثر أهمية في هذا النوع من الحكومة هي علاقة الخالق بعباده.
ومن خلال العرض السابق للمجتمع المدني والحكومة يتضح أن المجتمع المدني له أهميتة ودوره في احداث التنمية المجتمعية ، وفي مساندة الحكومة للارتقاء بمستوي المجتمع وتحقيق أهدافهل . كما أن الحكومة تساند المجتمع المدني في تحقيق ما يصبو اليه من أهداف ، كما أن تكاتف الجهود فيما بينهما من شأنه أن يعزز قدرات الأفراد ومن ثم المجتمع ..............
خاتمة
-- مؤسسات المجتمع المدني تختلف عن المؤسسات والأحزاب السياسية التي تسعى للسيطرة على السلطة المؤسسات المدنية المقصودة هي تلك الجمعيات الخيرية ومجموعات الضغط وغيرها
-- مؤسسات المجتمع المدني لا تستهدف قلب النظام، وإنما تستهدف رعاية مصالح المجتمع والحد من تسلط الدولة على تلك المصالح ومؤسسات المجتمع المدني يستفاد منها في الدول المتقدمة من أجل ممارسة التطوير والإصلاح المستمر للدولة ولهذا فإن "تسييس" المؤسسات المدنية يجعلها وجها لوجه مع مؤسسات الدولة وفي المجتمعات التي تسيطر عليها الدكتاتورية، فإن المواجهة هذه تكون حتمية وغير مريحة، ولا بد أن ينتصر فيها أحد الطرفان (القوى الاجتماعية أو الدولة) أو يتم التنازل من أجل خلق التوازن بين الدولة والمجتمع
-- المجتمع المدني يتطلب أن تتحول "الحالة الجماهيرية" أو"الحركة الجماهيرية" إلى مؤسسات أكثر تنظيما لكي تستفيد تلك الحركة من إنجازاتها والنخبة السياسية المنتظمة في الأحزاب السياسية التي قد تحظى بدعم تلك الحالات الجماهيرية لا تستفيد كثيرا، على المستوى البعيد، إذا لم تتحول الجماهير لوحدات اجتماعية منظمة ضمن إطار المجتمع المدني بل على العكس، فقد تصبح الجماهير عبئا على نفسها وعلى النخبة السياسية التي تؤيدها أن العمل الجماهيري يعتمد على التفاعل والحضور الجماهيري المباشر في الساحة ولكن هذا الحضور بحاجة للانتظام "مدنيا" لكي يستمر في عنفوانه وهناك حالة جماهيرية جديدة خلقتها شبكة الإنترنت وعززتها ثورة الاتصالات التي تحرك الجماهير وهذه الجماهير أصبحت أكثر تعليما وثقافة من الماضي ولكنها أيضا تخضع لنفس الأمر، بمعنى، أن عليها أن تتحول لمؤسسات اجتماعية طوعية ومنظمة لكي تستفيد علي المدى البعيد .
-- المجتمع المدني يعتمد على التفاهم المستمر بين أفراد المجتمع ويعتمد على الحديث المستمر والتفاعل مع القضايا وهذه الأفكار تتشكل في مؤسسات بصورة "غير مركزية"، مكونة شبكة كثيفة من الهيئات المدنية لحفظ حقوق المجتمع ضمن الإطار الدستوري المتفق عليه بين الحاكم والمحكوم
-- المجتمع المدني ليس هو فقط جانبه المؤسساتي، بل بالخصوص القيم والأخلاقيات والثقافة المدنية التي يساهم في نشرها داخل الجسم الاجتماعي بحيث تتحول إلى معايير وأسس تحكم السلوكيات
-- إن هذه القيم والمبادئ العامة، إذا ما ترسخت داخل مجتمع معين، لا بد أن تسمح بانبعاث مجتمع مدني قوي وفعال ينقذ المواطن الفرد من عزلته، ويضع أسسا واضحة للتعامل والتفاعل مع الدولة على قاعدة قانونية ودستورية وقع الإجماع عليها من طرف أغلب القوى والتيارات والتشكيلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولعله من المفيد في نهاية هذه المحاولة التركيبية أن نشير إلى بعض المؤشرات الكمية والكيفية التي تمكن من قياس فاعلية المجتمعات المدنية كما تم الاتفاق عليها بين أغلب الباحثين في مجال السوسيولوجيا السياسية
وإن أردنا نحن العرب بزيادة فعالية مؤسسات المجتمع المدني لدينا فعلينا أن نضع أمامنا العديد من المحددات والمعالجات التي تضعنا في أول طريق فعالية مؤسسات المجتمع المدني و هي
تدفق المعلومات والمشاركات حول ثقافة منظمات المجتمع المدني عربيا ودوليا تجربة المجتمعات
الإقليمية في إطار برنامج مكافحة الفقر تعزيز دور المجتمع المحلي
إن تطويرا أداء الحكومة في إطار الحكم الصالح لابد أن يشمل ذلك تعزيز وظيفة المجتمع
تعميق ثقافة المجتمع المدني وتعزيز ثقافة العمل التطوعي من أجل التنمية
تعزيز البنية المؤسسية للمنظمات وتحديد احتياجاتها التنموية من منظور التنمية
تحديد مهام وادوار الشراكة المرحلية
إعطاء أهمية وخصوصية للنهوض بوضع المرأة دون التعدي على الخطوط الحمراء للإسلام والأخذ بالحسبان تقاليد بعض المجتمعات العربية
تعزيز مبدأ الشراكة في التنمية في إطار الشراكة مع الحكومة والقطاع الخاص
امتلاك رؤية منهجية تنسيقية واضحة وقائمة على الشفافية و خلق علاقة وثيقة مع اللجان الوطنية وفي مجلس النواب الشورى للحريات الديمقراطية .
تحديد أدوار ومهام منظمات المجتمع المدني باعتبار المرأة شريكة فاعلة في التنمية،
توحيد جهود منظمات المجتمع المدني ووضع خطة عمل لتقوية بنيتها تنظيميا ومؤسسيا ومنهجيا
الاهتمام ببناء قاعدة معلومات عن نشاطات المنظمات قابلة للتداول والاستفادة
توسيع قاعدة المشاركة و تأهيل المنظمات غير الحكومية وفق الدور المكلفة به تنمويا, تعزيز مبادئ العمل غير الحكومي ، والاستفادة من برامج الجهات الحكومية والمانحين بشكل منظم ومنسق
تحقيق تمكين ذاتي من خلال اكتساب مهارات مختلفة
العمل على أساس من قانون الإسناد الذي يمكن المنظمات غير الحكومية من إسناد الحكومة<