يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمة الله
الاغترار بالمكاشفات والتصرفات الخارقة للعادة
وكل من خالف شيئا مما جاء به الرسول، مقلدا في ذلك لمن يظن أنه ولي لله، فإنه بنى أمره على أنه ولي الله، وان ولي الله لا يخالف في شيء، ولو كان هذا الرجل من أكبر أولياء الله، كأكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، لم يقبل منه ما خالف الكتاب والسنة، فكيف إذا لم يكن كذلك؟! وتجد كثيرا من هؤلاء، عمدتهم في اعتقاد كونه وليا لله، أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور، أو بعض التصرفات الخارقة للعادة، مثل أن يشير إلى شخص فيموت، أويطير في الهواء إلى مكة أو غيرها، أو يمشي على الماء أحيانا، أو يملأ إبريقا من الهواء، أو ينفق بعض الأوقات من الغيب، أو يختفي أحيانا عن أعين الناس، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه، فقضى حاجته، او يخبر الناس بما سرق لهم، أو بحال غائب لهم أو مريض، أو نحو ذلك من الأمور، وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي الله، بل قد اتفق أولياء الله، على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء، لم يعتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونهيه.
معنى الكرامة
وكرامات أولياء الله تعالى، أعظم من هذه الأمور، وهذه الأمور الخارقة للعادة، وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله، فقد يكون عدوا لله، فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الايمان والقرآن وبحقائق الايمان الباطنة وشرائع الاسلام الظاهرة.
مثال ذلك أن الأمور المذكورة وأمثالها، قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ، ولا يصلي الصلوات المكتوبة، بل يكون ملابسا للنجاسات، معاشرا للكلاب، يأوي إلى الحمامات والقمامين والمقابر والمزابل، رائحته خبيثة، لا يتطهر الطهارة الشرعية، ولا يتنظف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تدخل الملائكة بيتا فيه جنب ولا كلب " وقال عن هذه الأخلية: " إن هذه الحشوش محتضرة " أي يحضرها الشيطان، وقال: " من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين، فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ".
وقال: " إن الله طيت لا يقبل إلا طيبا " وقال: " إن الله نظيف يحب النظافة " وقال: " خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والفأرة والحدأة والكلب العقور ".
وفي رواية: " الحية والعقرب " وأمر صلوات الله وسلامه عليه بقتل الكلاب. وقال: " من أقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا، نقص من عمله كل يوم قيراط " وقال: " لا تصحب الملائكة رفقة معه كلب " وقال: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله، سبع مرات إحداهن بالتراب ".
وقال تعالى: " ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ".
علامات أولياء الشيطان
فإذا كان الشخص مباشرا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان، أو يأوي إلى الحمامات والحشوش، التي تحضرها الشياطين، أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير، وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق، أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان، أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات، ويتوجه إليها أو يسجد إلى ناحية شيخه، ولا يخلص الدين لرب العالمين، أو يلابس الكلاب أو النيران أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة، أو يأوي إلى المقابر، ولا سيما إلى مقابر الكفار، من اليهود والنصارى، أو المشركين، أو يكره سماع القرآن وينفر عنه ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن، فهذه علامات اولياء الشيطان، لا علامات أولياء الرحمن.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن، فهو يحب الله، وإن كان يبعض القرآن فهو يبغض الله ورسوله.
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله عز وجل.
وقال ابن مسعود: الذكر ينبت الايمان في القلب، كما ينبت الماء البقل، والغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل. وإن كان الرجل خبيرا بحقائق الايمان الباطنة، فارقا بين الأحوال الرحمانية، والأحوال الشيطانية، فيكون قد قذف الله في قلبه من نوره، كما قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم " وقال تعالى: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا " فهذا من المؤمنين الذين جاء فيهم الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " قال الترمذي حديث حسن .
المؤمن يفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
وقد تقدم الحديث الصحيح الذي في البخاري وغيره قال فيه: " لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل، حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. ( فبي يسمع، وبي بيصر، وبي يبطش، وبي يمشي) ، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله، ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ( ولا بد له منه) ".
فإذا كان العبد من هؤلاء فرق بين حال أولياء الرحمن وحال أولياء الشيطان، كما يفرق الصيرفي بين الدرهم الجيد والدرهم الزيف، وكما يفرق من يعرف الخيل بين الفرس الجيد والفرس الرديء، وكما يفرق من يعرف الفروسية بين الشجاع والجبان، وكما أنه يجب الفرق بين النبي الصادق وبين المتنبي الكذاب، فيفرق بين محمد الصادق الأمين رسول رب العالمين، وموسى والمسيح وغيرهم، وبين مسيلمة الكذاب والأسود العنسي، وطلحة الأسدي، والحارث الدمشقي، وباباه الرومي، وغيرهم من الكذابين، وكذلك يفرق بين أولياء الله المتقين، وأولياء الشيطان الضالين.
سيد الاستغفار
ففي صحيح البخاري عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأن عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي فأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها إذا أصبح موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنة ".
وهذه مختصة بالإيمان والعمل الصالح، قال الله تعالى: " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ".
من كتاب الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان لشيخ الاسلام ابن تيمية
أولياء أم سحرة؟؟؟؟