قليلون هم الأشخاص الذين يرتدون عباءة الشر أو يسكنون معسكر الأعداء بالنسبة لك، ومع ذلك تجد نفسك مطالباً بأن ترفع لهم قبعة العبقرية احتراما، إنها الطبيعة الإنسانية التي تجبرك على احترام وتقدير مكانة عدو أو لنقل شخصية أصابت العالم بالكثير من الشرور، بالضبط كما تحب محمود المليجى وتقدره رغم أدوراه التي دائما ما تفرض أن تخرج من دائرة الشر.

 

 الأشرار المحبوبون في العالم قلة وكلهم متشابهين، وقد يكون هذا الحب أو التقدير نوعاً من الشفقة والعطف على ذلك الإخلاص وتلك العبقرية التي راحت في غير فائدة، أو هي تلك الرغبة المكبوتة في داخلك، والتي تقول "ياريته كان معانا ده خسارة فيهم".

نفس العبارة السابقة تنطبق بحذافيرها على "جوزيف جوبلز" مهندس الدعاية الألمانية والمسئول الأول عن (غسل هتلر بالشامبو والصابون)، وتحسين صورته وصورة ألمانيا النازية في وقت الحروب هو واحد من هذه الشخصيات التي ترفع قبعتك لعبقريته وأدائه في العمل الدعائي.

 عودة جوبلز

 جوبلز الذي عاش على الأرض في فترة السنوات التي تبدأ من 1897، وتنتهي 1945، واحد من الذين دخلوا إلى عالم الإرهاب الفكري بمقولته الشهيرة "كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي".

عاد جوبلز إلى الحياة مرة أخرى من خلال يومياته التي أثارت العالم عندما كتبها واكتشفت بعد رحيله، وأصبحت من أهم المناهج التي تدرس في مجال الدعاية والإقناع في العالم، عاد هذه المرة في كتاب يحوي يومياته جمعها مجموعة من المؤلفين وطبعتها دار نشر فرنسية "تالاباديه" لنتعرف على جوبلز وأكاذيبه الدعائية، تعالوا نتصفح يومياته.

 خبير بدرجة مغرور

 في هذه اليوميات تتضح رؤية جوبلز لكل شيء، رؤيته لنفسه ولهتلر ولحلفائه وأعدائه ولمستقبله وأحلامه، فقد كان واحد من الذين قالوا "لا " لهتلر في البداية، ثم تحول ليصبح أحد عبيده المخلصين؛ فجوبلز هو أفضل من يقوم بهذا الدور، فقد قاد الهجوم النازي على العالم بمفرده.

شخص متميز ومعتز بموهبته بغض النظر عن آراء الآخرين، فحينما نشرت الصحف الإنجليزية تصفه بأنه الرجل الأخطر في العصابة النازية كتب في يومياته يقول بأنه "فخور بمثل هذا المديح".

فالغرور صفة ملازمة لجوبلز، تظهرها يومياته بلا خجل، فهو يبدي سعادته بأنه الخبير الأول في التضليل الإعلامي ويتفاخر بأنه قادر على تعبئة الجمهور وتعزيز معنويات جيشه ويستشهد في قدرته على ذلك برأي هتلر فيه، فقد كتب في إحدى يومياته "كان الفوهرر هتلر يقبل بكل ما كنت أقترح عليه دون أي صعوبة".

 بحبك.. يا هتلر!

 ويكمل في يومية أخرى، فيقول: "أنا سعيد جدا بثقة هتلر الكاملة بي، وإنني أتمنى أن أساعده في جميع همومه الكبرى"، ويتفاخر في يومية أخرى بأن هتلر كان دائما ما يبدي سعادته واطمئنانه بوجود جوبلز بجواره.

هذا الرجل الذي كان يؤكد أنه كلما كبرت الكذبة كان سهل تصديقها، كان يعشق هتلر بجنون لدرجة أنه كتب في احد يومياته تعليقا على المحاولة الفاشلة لاغتيال هتلر يقول: "لقد انتابني إحساس إنني أمام رجل يعمل تحت حماية الآلهة".

وفى يومية أخرى، كان يقول: "خوفي الوحيد من هذه الحرب هو أن يحصل أي مكروه للفوهرر"، هكذا كان جوبلز يرى هتلر لدرجة أن يده لم ترتعش وهو يقدم حبوب السيانيد السامة لأطفاله وزوجته؛ لأن هتلر أخبره بأن الانتحار أفضل من أن يعتقله الروس.

 جوبلز وساعة الرجال!

 جوبلز أظهر في يومياته رؤيته لليهود، حينما كتب في 14 مارس عام 1945 يقول: "هؤلاء اليهود ينبغي إبادتهم مثل الفئران عندما يمكن عمل ذلك"، وأضاف: "في ألمانيا، تخلصنا منهم وللإله الشكر".

جوبلز أيضا يرى الإيطاليين جبناء رغم أنهم حلفاؤه، فهم في نظره "عصابة قليلة الشجاعة"، أما سياسة الإنجليز، من وجهة نظر أخلاقية تحتوي على قدر كبير من الخساسة".

لعب جوبلز دوراً كبيراً للتخفيف عن هتلر، حينما حاول بصعوبة أن يزرع الأمل في قلب هتلر وفى قلب جيشه حينما كان يهاجم ستالينجراد، وأعلن مبادرته لإعادة تنظيم الوطن، ووضع مبدأ يعرف بـ (قيادة الحرب الشاملة)، الذي قام على أساسه بتوجيه كل جهود ألمانيا المدنية نحو الحرب.

وبالطبع لم ينس جوبلز أن يؤكد في مذكراته أنه تواجد بجانب هتلر في الوقت الذي كان كل من حوله شخصيات ضعيفة لا يمكن الإعتماد عليها في الأوقات الصعبة.

ولهذا كان من الطبيعي أن يصف نفسه قائلا: "لقد دقت ساعة الرجال ذوي التصميم الكامل والأفعال التي لا نقص فيها، فمهما يكن الوضع صعبا يمكن الوصول إليه إذا جرت تعبئة القوى كلها".

هكذا كان يفكر جوبلز، وهكذا كان يدير ألمانيا وحملتها النازية، ولذا لا يستطيع التاريخ أن يسقطه من حساباته أبداً؛ فالتاريخ لا ينسى أبدا رجل ضحك على العالم كله، وأجبرها على تصديقه وحرك الدنيا وفقا لرؤيته هو..

ترى.. هل تود أنت أن تصبح مثله في يوم من الأيام؟!

 

 

المصدر: محمد الدسوقي http://www.20at.com/20at/lifestyle/1974.html
  • Currently 120/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 1379 مشاهدة
نشرت فى 30 أغسطس 2010 بواسطة bios

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

477,287