شهر رمضان هو حالة مختلفة عند المسلمين المقيمين في لندن، فهو شهر لا يعرف الكسل؛ بل قراءة القرآن والعمل والعبادة. أما ليل رمضان عند أغلب الجالية المسلمة في بريطانيا فهو لا يعرف إلا «الجد والاجتهاد» أيضا لصلاة التراويح في المساجد أو المراكز الإسلامية أو في المنازل مع العائلات.

ولكن هذا الشهر أيضاً يحفل بما لذ وطاب على المآدب، وتحظى تلك الموائد بأطباق عامرة، وهو الشهر الذي يتضاعف فيه العمل والجهد من أجل الدعوة إلى سبيل الله عز وجل.
ويتم يومياً إقامة صلاة التراويح  مع ترتيل كلام الله المنزل بأصوات كأنها تنزل من السماء، حيث يستمع إليهما أبناء الجالية المسلمة في صلاة التراويح.
كما تكون هناك محاضرات يومية باللغة العربية والإنجليزية والأوردو والبنغالية بعد صلاة العصر يلقيها علماء ودعاة أفاضل بالإضافة إلى محاضرات صحية يلقيه أطباء ومستشارون كبار تتحدث عن الصوم وأمراض القلب والسكري، والنصائح الواجب اتباعها من المرضى من أبناء الجالية المسلمة، وهناك محاضرات فقهية ومواعظ في الرقائق والسلوكيات.

ويقوم مسجد ريجينت بارك بتقديم وجبة الإفطار أيضا، وهي عبارة عن تمر قبل صلاة المغرب، ثم يتحلق الصائمون جماعات لتناول وجبة الرز بالدجاج أو اللحم، ومنهم من يبقى لسماع دروس الوعظ أو المشاركة في حلقات الذكر حتى صلاة العشاء ثم التراويح ومنهم من يعود إلى عمله أو يلتحق بأصدقائه لبدء السهرة الرمضانية.

هذا النسق اليومي لا تشذ عنه أغلب المساجد في لندن وفي عموم بريطانيا التي تشهد إقبالاً كبيراً من المصلين، وسخاء منقطع النظير من رجال الأعمال العرب والمسلمين الذين يتبرعون بوجبات الإفطار ويسألون عن حاجات المسجد من المال لإعانة المحتاجين، حيث يقدم المركز الإسلامي في لندن نحو 1200 وجبة إفطار مجانا للصائمين.
كما ينظم المركز الإسلامي مسابقة لتحفيظ القرآن الكريم خلال يومي 19 و20 من شهر رمضان بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية، ويكون المحكمين في تلك المسابقة من الأئمة والمشايخ في المركز
يذكر أنه يعيش في بريطانيا نحو 1.7 مليون مسلم ومسلمة، ولا تكف هواتف المساجد عن الرنين قبل شهر رمضان حيث يسأل المسلمون عن توقيت الإمساك والإفطار وعن المحظورات في رمضان وعن مسائل تهمّ دينهم، خاصة الوافدين الجدد الذين لم يتعودوا بعد على الصيام ساعات طوال في بلد غير مسلم، وكذلك مواعيد صلوات التراويح.

إن رمضان بالنسبة للمسلم في الغرب يمثل أهمية كبرى أكثر من المسلم في الشرق، لأن ساعات الصيام ستكون أطول، إضافة إلى أن مظاهر الإسلام في بريطانيا قليلة، ورمضان يمثل ركيزة أساسية من ركائز الإسلام، فهو الركن الرابع، ويحرص عليه المسلمون الملتزمون في الغرب، أكثر من أشياء أخرى، والآباء والأمهات في الغرب يحاولون أن يربطوا أولادهم بالإسلام من خلال المناسبات مثل صوم الشهر الفضيل، وما فيه من تهجد وعبادات وقيام الليل.

ويقدم المسجد الكبير في لندن يقدم موائد إفطار يومية بعد أداء صلاة المغرب، ويحضر الصائمون المسلمون بالآلاف في صحن المسجد عربا وباكستانيين وبريطانيين في لقاء يومي حميم؛ يبدأ بالصلاة ثم تناول الإفطار والاستماع إلى آيات الذكر الحكيم من أئمة وقارئين، يرسلهم الأزهر الشريف كل عام إلى لندن لمواصلة هذا التقليد الإسلامي، ويقدم مسجد شرق لندن الذي أنشئ عام 1910 أنشطة إسلامية متنوعة خلال رمضان تشمل موائد الإفطار الكبرى وصلاة التراويح وقراءة القران والأدعية، ويحضر ليالي رمضان مئات المسلمين من جنسيات مختلفة.
وقبل أعوام قليلة كان اللندنيون من العرب يستفسرون عن دينهم ويفطرون على رفع أذان الإفطار من خلال إذاعة «سبيكتروم» الدولية، ولكن اليوم توزع في الأسواق إمساكية الشهر الكريم، وتقدم الفضائيات العربية شريطا عن مواعيد الإفطار.

ويفضل أغلبية المسلمين شراء لحم «الحلال»، بل حتى غير المتدينين منهم يفضل لحم الذبيحة ويقولون إنه صحي أكثر من غيره، وهذا ما يملأ الأسواق والمحلات العربية في هذا الشهر. الصائمون يشترون حاجاتهم من محلات «إيدجوار راود»، و«بايز ووتر»، و«كوينز واي»، و«تشيرش ستريت» و«غرين لين»، وكذلك من منطقة أكتن، وإيلينغ، وويمبلي،، ففي الساعات التي تسبق الإفطار تكثر الطوابير أمام محلات بيع اللحوم الطازجة، ومن الملاحظ أن لكل جنسية عربية محلاتها الخاصة، التي تتفنن في تقطيع اللحم وتتبيله، غير أن المحلات الكبرى مثل «تيسكو» تفطنت إلى هذا الإقبال الذي يدر الملايين فبادرت إلى بيع اللحم الحلال ولوازم السهرات الرمضانية مثل الحلوى التركية.

وهناك أيضا موائد الرحمن في مساجد بريطانيا تقدم وجبات الإفطار الجماعي التي يقبل عليها الصغار والكبار أغنياء وفقراء كنوع من التقارب والتآلف الاجتماعي في الشهر الكريم، ورمضان أيضا يذكر المسلمين بالارتباط بالأمة وقضاياها الأساسية العادلة.
ومع أذان المغرب تشهد الشوارع ذات الكثافة العربية فتورا في الحركة وما هي إلا ساعة حتى يخرج المفطرون فرادى وجماعات للاستمتاع بالسهرة الرمضانية فأغلبهم يفضل تبادل الزيارات مع الأهل والأصحاب. أما العائلات فتعترف أغلبها بأن رمضان أرجع الدفء إلى علاقاتها، فمع انشغال الجميع بمتاعب الحياة اليومية وانهماكهم في العمل تلاشت بعض القيم التي تتمتع بها المجتمعات الشرقية.

وتحرص الجالية العربية في بريطانيا على أن تعيش رمضان في أجواء تذكرها بالوطن، فالجالية الباكستانية والخليجية والعراقية تجتمع في مساجد أو قاعات تؤجر لهذا الغرض حيث تعقد الأمسيات الرمضانية التي تبدأ بالإفطار وتنتهي بالأحاديث في المواضيع ذات الاهتمام المشترك وقراءة القران. ويمتلئ المسجد الجامع في ريجينت بارك عن آخره فيفرش المصلون سجاداتهم في باحته التي تمتلئ بدورها بالآلاف من المصلين حتى تصل الصفوف إلى خارج المسجد. إنها صلاة الجمعة في رمضان في مسجد ريجينت بارك التي يزداد فيها عدد المصلين بمئات الأضعاف طلبا للرحمة والمغفرة في شهر الصيام، وهذا لا يعني أن المصلين يعزفون عن تأدية صلاة الجماعة خلال أيام الأسبوع؛ بل يتضاعف عددهم عن بقية أيام السنة؛ ويغتنمون فرصة عطلاتهم الأسبوعية وراحتهم اليومية للالتحاق بالصفوف الأولى.

المصدر: الشرق الأوسط/ لندن: محمد الشافعي، بتصرف
  • Currently 171/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
56 تصويتات / 1549 مشاهدة

ساحة النقاش

رمضانيات

ramadaniat
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

155,700

شراب قمر الدين