فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

authentication required

متى يموت لاعب الشَّدَّة الفلسطيني؟

فراس حج محمد| فلسطين

كثيرا ما أجد في الأغنية الشعبية بعض الظلال السياسية، حتى لو تكن الأغنية سياسية، إنما يمكن للقارئ أن يرى فيها شيئا من ذلك، لاسيما في مجال العلاقات الإنسانية، بين شخصين أو جماعتين، ولأجل ذلك في التجريد العام الذهني يمكن لأي علاقة بين اثنين أن تشكل مجالا انحرافيا سياسيا؛ لوصف العلاقة بين الحكومة والشعب، بوصفهم كلا واحدا طرفا متجانساً على الأقل فيما يخص ما تجمع عليه الشعوب من أمور عيشها اليومي أو كرامتها الوطنية أو حقوقها المسلوبة منها. فيما يأتي قول على قول مع انحراف معياري سياسي حكوماتيّ فلسطيني وآخر احتلالي صهيوني لترويدة شعبية قصيرة، رباعية، طريفة المعنى، مفتوحة على النكتة والسخرية أكثر من التأويل الجاد.

هذه الترويدة الشعبية الريفية، كان أبي- رحمه الله- يرددها منتشياً بها، وهو يسامرنا ونحن صغار، بلحن جميل، كنت أشعر بالنشوة وأنا أسمعه، فقد كان وما زال يهزني الطربُ، ويصيبني الحنين لصوت أبي وأهازيجه الهادئة المطمئنة. تقول كلمات الترويدة:

هيه يا سمرةْ يا جميلةْ    جيبي شدّة ولاعبيني
وِنْ غلبتك لوخذ امّك    وِنْ غلبتيني خذيني

تمثل الترويدة موقفاً طريفاً، فالقائل يلعب "الشدة"- الورق أو الكوتشينة- كما يسميها الأخوة المصريون، وتشاركه اللعب امرأة سمراء جميلة، وفي نهاية اللعبة سيكون إما غالبا وإما مغلوباً، ولكنه يحدد الثمن إن غالبا أو مغلوبا، إما أن يتزوج الأم إن غلب أو يتزوج البنت إن غُلب، فهو الرابح في الحالتين. على ما يبدو أن هناك صراعا مخفيا بين الأم وابنتها على الفوز بالقائل، مع ميله هو ناحية الأم وليس البنت، لأنه يقول إن غلبتيني خذيني وكأنه يتحدى البنت، ولكن إن غلبتك ستكون أمك لي. واضع الشروط لن يسمح لأن يخسر، وكما قيل في المثل الشعبي "ما بِنَيّمْ ابنه برّةْ".

من هذا المثل يبدأ الانزياح السياسي، فكل من "يلعب" مع الحكومة التي تسمى زورا "حكومة وطنية" سيجد نفسه خاسرا، فهي التي تضع شروطها ولن تسمح لنفسها بالخسارة، وقديما قالوا: "عدو الدولة ضعيف"، لاحظوا مثلا كيف تتعامل مع إضراب المعلمين، وفي سياستها التي تسوسنا بها، فنحن الخاسرون على الدوام، نحن هنا تعني الشعب وموظفيه ومنهم المعلمون. والحكومة رابحة لا محالة. فأبناء الحكومة من رئيس ووزراء ومحافظين ونواب وأعضاء مجالس مركزية وثورية وأمناء عامين لأحزابنا الفاشلة هم أصحاب الامتيازات الكثيرة التي يمتصونها من دم الشعب الذي يكابد الأمرّين من أجل الحصول على لقمة العيش، وهؤلاء "الوطنيون" لا يكابدون سوى متعة التمتع بالطيبات على حسابنا، فإن "لعبنا" مع الحكومة، لاعبتنا ووضعت شروطها، فإما أن تتزوجنا أو تتزوج بنتنا. فمثلا من عبقريات الحكومة في حلها مشكلة المعلمين، رحلت التوجيهي ليكون قرارا بيد أولياء الأمور فيما يخص شرح المادة المتبقية، فقد أعفت نفسها من التبعات المترتبة على الإضراب، هذا جانب، والجانب الآخر في الحل العبقري في أنها لا تقيم وزنا لما تقول إنه الفاقد التعليمي في الصفوف الأخرى، كما أنها ليست معنية باحتياجات المعلمين، وما تصدقت به عليهم، من فتات لا يسمن ولا يغني من جوع سيعود إليها بطرق مختلفة، ليس فقط في رفع الأسعار وإنما ستجد له ألف طريقة وطريقة لتجعل المعلمين يخسرون، فما دفعته الحكومة من 5% للمعلمين لا يساوي شيئا أمام مستحقاتهم التي لا تريد العمل على دفعها وجدولتها ضمن سقف زمني محدد. عدا أن الحكومة تمارس الكذب علانية، فقد قرر رئيسها أن يدفع للموظفين راتبا كاملا قبل حلول العيد، فيتم التراجع عن ذلك أولا، ثم التراجع عن التراجع ليتقرر دفع نسبة 30% من الراتب، وليس من المستحقات التي هي أصلا في ذمة الحكومة، كما تداولته مواقع إلكترونية وصفحات على الفيسبوك.

هذه هي الحكومة الموصوفة زورا وبهتانا بأنها "وطنية"، وتشبه الاحتلال في أفعالها والاحتلال يشبهها في فعله، فقد فعّل هو أيضا الحكمة الشعبية ومنطق لاعب الشدة الفلسطيني، فعينه على الأم، وإن طلعت له البنت خير وبركة، بل إن الاحتلال كسب الأم وابنتها دفعة واحدة. فنحن التي تعني الكل الفلسطيني بما فيه قلة من السلطة السياسة الفلسطينية خاسرون إن قاومنا المحتل وخاسرون إن صمتنا، وخاسرون إن عملنا عنده، وخاسرون إن لم نعمل، فقد "وقعنا في الفخ"، وصار الاحتلال ومعه السلطة بوصفها كيانا سياسيا تابعا وهشا، وليس له قيمة خارج تبعيته الضرورية والحتمية للاحتلال، ينطبق علينا المثل الذي يقول "جوزك وِنْ راد الله". يعني وراكم وراكم لاستعبادكم في كل الحالات، وإن غلبونا أخذوا أمنا، وإن غلبناهم أخذتْنا بنتُهم، وهكذا نحن لا نعرف سوى الخسارة لأننا طبقنا منطق لاعب الشدة، فأصابتنا الشدة، وتراجعنا، وندبنا حظنا، ولعله لا فرج لنا إلا أن يموت لاعب الشدة هذا، أو يجد من يزحزحه عن التحكم باللعبة. فهل نستطيع فعل ذلك؟ فلعلنا لو تخلصنا من لاعب الشدة الفلسطيني سيكون علينا أمرا سهلا ويسيرا التخلص من الاحتلال، فلا شيء يجبر خاطر الاحتلال كحكومتنا "الوطنية"، فلا بارك الله في أعمدتها الآيلة للتصدع عاجلاً أم آجلاً.

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 295 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

724,623

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.