عشتُ طوال عمري في الغربة.. وأنا أذرف الدموع شوقاً لأهلي..ثم إذا زرتُ أهلي.. وجدتني غريب بينهم.. فاتتني أخبارهم وتحولاتهم.. وصرتُ فقط ضيف عندهم!لأشتاق لوطن المهجر مرة اخرى أتعرف؟سواء كنت في وطنك.. بين أهلك..او كنت في وطن آخر.. ما نسميه يعني “غربة”ستطول بك الحياة بما يكفي.. لتكتشف ان كل مرحلة من مراحل حياتك هي غربة..وستعيش أياماً.. تكون فيها غريب حتى في بيتك..وسط أهلك..مع أمك.. أو أخواتك..مع زوجك / زوجتك .. أو أبنائك..مع أصدقائك /صديقاتك..ستعيش لتنكر الكثير من الأمور على المكان الذي تعتبره وطنك.. وتتمنى وطناً غيره..وستعيش لتنكر أغلب انماط الحياة في الوطن الآخر وتشتاق لعودتك الى وطنك..!ثم تكتشف.. بين هذا وذاك.. ان لا موطن حقيقي لكِ في الدنيا..إنما هي محطات..نهايات وبدايات..والمحطة الأخيرة.. الوطن الحقيقي.. المثوى الأخير.. هو بيتك في الجنة!قصورك.. سراياكِ.. جناتك.. حدائقك.. أنهارك.. بحرك.. سمائك.. أهلك.. أصدقائك.. أحبابك..كلها هناك لك ..وكلها مطبوع عليها حروف اسمك: ملكية أبدية أزلية ما دامت السموات والأرض..بيتك الحالي.. سينتقل لغيرك..ذهبك وأملاكك.. سيرثها ويوزعها ويبيعها ورثتك..أولادك الحاليون.. سيتزوجون ويغادرونك..زوجك.. قد يُخلص لكِ.. أو يتزوج غيرك.. أو يتوفاه الأجل قبلك! أمك.. أبوك.. سيرحلان..أخوتك.. سيتشتتون بحثاً عن أرزاقهم..البشر من حولنا يذهبون..وما نمتلكه حقا.. هو ملكية مؤقتة.. ستذهب الى غيرنا عندما نفقد أهليتنا في الحياة..الموت… هو النهاية الحقيقية للغربة.. وهو البداية الحقيقية للعودة الى حضن الوطنلذا..عندما أعيش بين تلاطم أمواج الغربة طوال حياتي..فإن الشيء الوحيد الذي أفكر فيه.. هو ما الذي سأتركه هنا.. في هذه الغربة..لأمتلكه غدا بعد موتي.. على أرض وطني.. بيتي الحقيقي.. الذي أمتلك صك ملكيته الأبدية!كلنا.. أنا.. وأنت .. وانتِ.. وهو .. وهي.. نمتلك الكثير .. لكنه ليس بيدنا الان..نمتلك قصوراً في الجنة.. واشجاراً لا تعد ولا تحصى.. نمتلك ربما فدادين لا نهاية لها .. فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.. ولا خطر على قلبنا قط!لكنها بانتظارنا ان ندفع ثمنها هنا.. والآن..الحقيقة التي ستصل إليها.. كما وصلتُ أنا لها.. بعد الكثير من التخبط والحيرة والدموع والألم والشتات..أن مكاننا الحقيقي.. وعودتنا الحقيقية.. ندفعها اليوم.. لنعيشها غدا..لا شيء حقيقي الان.. ولا حتى كلمة “غربة”..
هي محطة..وانتِ في هذا البلد محطة..في بيت أهلك.. محطة..في بيت زوجك.. محطة..في عمر التقاعد.. بدون زوج ولا أولاد حولك.. أيضا.. محطة!سلسلة محطات… نسميها مجازا غربة.. ولكنها البضاعة التي ندفع ثمنها حتى نمتلك وطننا الحقيقي في الجنة!ربما تحتاج للاشتياق.. واللوعة.. والتحسر..لكن اشرح صدرك.. للسماء..وثبت قدميك على الأرض.. أينما كانت.. ومع من كانت..اوصل حبلك بالله ..وادفع ما استطعت من بضاعة الدنيا ثمناً للاخرة..بر والديك و صلهما.. ربي اولادك.. ليكونوا أغراب في الدنيا.. ويسعون لبيوتهم الحقيقية في الجنة..بيعي من ذهبك.. وتصدقي من مالك.. حققي أحلامك الآن من الصدقات الجارية.. لأن ورثتك قد يضنون عليكِ بها!!الوطن هو المكان المؤقت الذي نبيع ونشتري فيه من أعمال الدنيا…ثمناً لشراء أوطاننا الحقيقية في الآخرة!عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي ، فقال : “ كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل 




  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 178 مشاهدة
نشرت فى 30 مايو 2019 بواسطة wshatnawi

ساحة النقاش

Wael Shatnawi

wshatnawi
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

83,672