الصيام لا يرتبط فقط بالإنسان، فهناك كائنات عديدة تصوم وربما لفترات طويلة يعجز عنها الإنسان، فقد تدخل فيما يسمى بـ ” البيات الشتوى ” الذي تصوم فيه،ليس فقط عن الطعام والشراب ولكن عن الحركة أيضا، وقد يتخذ الصيام أشكالا أخرى بعضها يتصف بالغرابة، في هذه الحلقات نقدم لك عزيزي القارئ غرائب الحكايات في صوم الكائنات، لكي تلمس قدرة الله في خلقه ولكي تدرك أنك لست وحدك الذي تصوم.
سمك السلمون، أحد أهم الأحياء المائية التي تعد غذاءً للإنسان، فهي مصدر تغذية قوية بجانب احتوائها على عناصر علاجية غزيرة أهمها مضادات الأكسدة، حيث تضرب تلك الأسماك مثالاً على الوفاء بحتمية دورة الحياة،حينما تقطع آلاف من الأميال بين الأنهار والمحيطات والأبحر وهي صائمة لتضحي لأجل الأجيال المقبلة.
تقوم تلك الأسماك بما يشبه الـ»صيام الأعظم»، حيث يكون ذلك الصيام هو الأول والأخير لها، ويرجع تفاصيل ذلك الصيام إلى أن هذا النوع من الأسماك يولد في المياه العذبة حيث البحيرات والأنهار عذبة المياه، تظل الأسماك الصغيرة في الأنهار حتى 3 سنوات، يكون معظم تلك الفترة عبارة عن سٌبات وتوقف عن الطعام، إما بسبب قلة مصادر الغذاء أو لسوء آلية الاصطياد في مراحل العمر الأولى، ومن ثم عقب تلك الفترة تتجه الأسماك الصغيرة إلى المحيطات المالحة لتبدأ دورة حياتها والعيش وتناول الغذاء الذي لا يخرج عن القشريات والأسماك الصغيرة، حيث إن الفترة الواصلة بين محل الولادة وفقس البيض وحتى الوصول للمياه المالحة وبدء الاصطياد تكون فيها تلك الأسماك صائمة «الصيام الأصغر المتقطع»، ويقدر ذلك الصيام ما بين أيام وأسابيع وحتى أشهر على حسب المسافة الواصلة بين المنطقتين وبدء الهجرة وتوافر الغذاء.
خلال حياة السمكة والمقدر بـ 8 سنوات، تعيش في الاصطياد من مرتين وحتى 4 مرات يوميًا، وخلال كل مرة تبدأ في صيام مصغر يصل إلى ساعات تظل فيها السمكة ساكنة لا تقترب من طعام أو شراب، تعتمد على مخزونها وفرائسها من الأحياء البحيرة الأصغر منها.
وما إن تبلغ أسماك السلمون مرحلة البلوغ والقدرة على الإنجاب والتي تقدر بـ6 سنوات كحد أدنى وبدء فصل الخريف، تبدأ الهجرة الكبيرة و»الصيام الأكبر» حيث تتجمع الآلاف من تلك الأنواع في شمال المحيط الأطلسي ومحاولة العودة إلى مكان ولادتها مرة أخرى عبر قدرات ربانية تتميز بها تلك الأسماك في معرفة منطقة ولادتها، إذ تسافر آلاف الأميال مرة أخرى قاصدة ذلك المكان، وما إن تجد مكانًا آمنًا حتى تضع بيضها المقدر بالآلاف، علما أن ذكور السلمون تكون مع الإناث في مرحلة وضع السفر ووضع البيض، ومن ثم يتوجه ذكر السلمون بوضع حيواناته المنوية على ذلك البيض لتعاود الأنثى عملها بتغطية البيض بطبقة تحميه من الأخطار والتهديدات، ويتم ذلك في صيام وانقطاع عن مظاهر الطعام والشراب لكل من الأنثى والذكر.
هنا تظهر عظمة الله في أسماك السلمون،إذ أنها عقب عملية وضع البيض وتغطيته يبقى الذكروالأنثى بجانبه صائمين حتى الموت، ليتحلل جسداهما في الأرض لتتغذى عليهما الكائنات الدقيقة والنباتات بقاع النهر، ويكون غذاء تلك الكائنات والنباتات تأمينا لصغار السلمون، فبعد أسابيع أو شهر أو أكثر تخرج الصغار من البيض لتجد الأبوين في تحلل تاركين أجسدهما ليأكلانه ويتغذيان على الكائنات الدقيقة والنباتات التي تغذيت علي الذكر والأنثى، وتظل الصغار في التغذية لأسابيع حتى التهام كامل بقايا أبويهما وليقوى جسدها على السباحة والحركة خاصة الشهرين اللاحقين لخروج سمكة السلمون من البيض، حيث يعتمد جسمها على مخزون ما تحلل من الأم والأب في إبقائها على الحياة، وتحمل مشقة «الصيام الأصغر» وهو صيام للذهاب إلى المحيطات المالحة وبدء دورة حياة جديدة حتى البلوغ وتكرار دورة الحياة.
السلمون من الأسماك التي تمتاز بحساسية عالية للبيئة المحيطة،إذ أنها تتجنب الخطر والصيد من قبل الإنسان فتتوارى في المحيطات والأنهار عن الأنظار تجنبًا للاصطياد ويمكن أن يمتد ذلك التخفي لأيام تنقطع فيه عن الطعام دون أن تتأثر سلبيًا لما يمتاز به جسدها من قدرات تحمل غاية في القوة تصل إلى أشهر مثل «الصيام الأكبر».