تولد الأفكار في لحظات خاطفة وقد تتلاشى من مخيلتك إلى الأبد ما لم تسارع بتدوينها ، قد تظهر الأفكار المثمرة في أغرب الأوقات ولن تبزغ هذه الأفكار دائما وأنت تعالج المشكلة المتعلقة بها، ولكن قد تواتيك ومضة من الاستبصار في الوقت الذي تكون فيه مشغولا بأعمال أخرى أو مشتركا في محادثة أو منصتا إلى محاضرة آو قائما بالتدريس أو عاكفا على قراءة كتاب أو مسترخيا بالمنزل ، وحتى لو بدت هذه الفكرة لحظة ورودها واضحة تماما أو مهمة للغاية بحيث يستحيل نسيانها فهناك دائما احتمال أن تضيع منك فيما بعد .
لذلك حينما تنبت في عقلك نواة لفكرة احفظها مباشرة كتابة للاستفادة منها في المستقبل ، فالاحتفاظ بمذكراتك منظمة إبان البحث يستثير التفكير الناقد ويؤدي إلى اكتشاف أفكار جديدة .
" ديوبولد فان دلين "
مقدمة
الإدارة بالأفكار أسلوب إداري جديد لإنجاز الأعمال المطلوبة في المؤسسات الخاصة والعامة ، وفي الواقع أن تجربة الإدارة بالأفكار يمكنك من خلالها تحقيق عدة فوائد :
الأولى : نسبة إنجاز للأعمال كبيرة جدا مقارنة بالاسلوب القديم نسبة لا تقل عن 100% إلى 200%
الثانية : تفاعل جيد مع من تتعامل معهم في عملك اليومي
الثالثة : اكتشاف طرق جديدة في تبسيط الأعمال الإدارية اليومية مما يحقق السرعة في الإنجاز
الرابعة : استغلال الوقت بما هو نافع ومفيد للمؤسسة التي تعمل بها
الخامسة : الاستمتاع بالعمل الإداري اليومي من كثرة ملاحقة الأعمال المراد إنجازها
الأفكار في التراث الإسلامي
الأفكار أو الخواطر كما جاءت في بعض المراجع كان لها الاهتمام الكبير من قبل المفكرين والمبدعين الإسلاميين في العصور السابقة ، لقد كان سلفنا الصالح حريص اشد الحرص على استثمار كل لحظة من لحظات عمره بما في ذلك استثمار ما ينتجه العقل البشري من أفكار جديدة
في المعجم الوسيط " الخاطرة " هي ما يخطر بالقلب من أمر أو رأي أو معنى، أما " الفكرة " فهي إعمال العقل في العلوم للوصول إلي المجهول
وجاء في سيرة الإمام الشيخ أبى الوفاء ابن عقيل الحنبلي " المولود سنة 431هـ ، والمتوفى سنة 513هـ " وهو أحد الأعلام في الإسلام : انه كان يقول " إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري ، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرةٍ ومناظرة ، وبصري عن تطلعاته ، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح ، فلا انهض إلا وقد خطر لي ما اسطره ، أني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عمر الثمانين اشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة
وأنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي ، حتى أختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز ، لأجل مابينها من تفاوت المضغ ، توفرا على المطالعة ، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه ، وان اجل تحصيل عند العقلاء هو الوقت فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص ، فالتكاليف كثيرة 0
قال تلمذه ابن الجوزي : كان الإمام ابن عقيل دائم الإشتغال بالعلم ، وكان له الخاطر العاطر ، والبحث عن الغوامض والدقائق ، وجعل كتابه المسمى بـ (الفنون) مناطا لخواطره وواقعاته.
وقد ضرب الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله مثلا ظريفا للخواطر والأفكار التي تخطر في ذهن الإنسان فقال: (وقد خلق الله سبحانه النفس شبيهة بالرحى ، ولاتبقى تلك الرحى معطلة قط ، بل لابد لها من شيء يوضع فيها ، فمن الناس من تطحن رحاه حبا يخرج دقيقا ينفع به نفسه وغيره وأكثرهم يطحن رملا وحصى وتبنا ونحو ذلك! فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه !)
ومن الذين طحنت رحاه حبا نفع به نفسه وغيره الإمام ابن الجوزي صاحب الكتاب المشهور صيد الخاطر وهو كتاب ألفه من هذه الأفكار والخواطر التي ترد إلى ذهنه في يومه وليلته قال في مقدمة هذا الكتاب النافع :
(لما كانت الخواطر تجول في تصفح أشياء تعرض لها ، ثم تعرض عنها فتذهب ، كان من أولى الأمور حفظ ما يخطر لكيلا ينسى ، وقد قال عليه الصلاة والسلام (قيدوا العلم بالكتابة)، وكم قد خطر لي شيء فأتشاغل عن إثباته فيذهب فأتأسف عليه ورأيت من نفسي إنني كلما فتحت بصر التفكر فتح له من عجائب الغيب مالم يكن في حساب ، فأنثال عليه من كثيب التفهيم مالا يجوز فيه التفريط فيه ، فجعلت هذا الكتاب قيدا لصيد الخاطر).
ساحة النقاش