المقدمة:

            شهد العالم خلال العقود الاخيرة ادراكا متزايدا بأن نموذج التنمية الحالي (نموذج الحداثة) لم يعد مناسبا لاستمرار التطور الانسانى، وذلك نظرا لارتباطه بالاسلوب الاستهلاكي للحياة وما نتج عنه من أزمات بيئية خطيرة ادت لتغييرات مناخية مختلفة ذات اثار سلبية عديدة على الحياة, مثل تقلص التنوع البيئي، ارتفاع درجات الحرارة, الاحتباس الحرارى, ونقص مساحات الغابات، وتلوث الماء والهواء، والفيضانات المدمرة الناتجة عن ارتفاع منسوب مياه البحار والأنهار، واستنفاد الموارد الغير متجددة مما دفع بالعديد لانتقاد هذا النموذج والدعوة لاستحداث نموذج تنموي بديل مستدام يعمل على تحقيق الانسجام بين تحقيق الأهداف التنموية من جهة وحماية البيئة واستدامتها من جهة أخرى والتى يجب الحفاظ عليها بشتى الطرق لانها تبعا للمقولة الافريقية الشهيرة " باننا لم نرث البيئة من ابائنا واجدادانا وانما استعرناها من احفادنا".

                

التنمية المستدامة  Sustainable Development

تبعا لتعريف لجنة برونتلاند فانها  " عمليـة تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجاريـة بشـرط أن تلبـي احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجـاتها "

وتتوجه جهود التنمية المستدامة في جانبيها المادي و البشري نحو تقليل ومواجهة الفاقد وفى نفس الوقت تعظيم الاستفادة بالموارد و حمايتها و تأهيلها للاستمرار عبر الأجيال .

اى ان التنمية المستدامة أو المتواصلة هى" تنمية بعيدة المدى لا يمكن التوصل إليها إلا من خلال الإدارة السليمة للبيئة ", فتبعا للاحصائيات التى تمت خلال الفترة من عام 2000 الى عام 2010 فقد بلغت معدلات استهلاك البشر لموارد متعددة ـ مثل الغذاء، والخشب ـ ذروتها في وقت واحد تقريبًا، وذلك في حوالي عام 2006. وهذا يعني أن الموارد قد تنفد في وقت واحد. ولذلك قد يكون تحقيق الاستدامة أكثر صعوبة مما كان يُعتقَد.

•         <!--[endif]-->وتهدف الإستدامة  الى تحقيق التنمية مع مراعاة حق الاجيال القادمة فى تحقيق تنمية كافية تمكنهم من التنعم بالموارد البيئة والطبيعية التي نستغلها الآن
 

العناصر الأساسية للاستدامة :

                         تشمل التنمية المستدامة ثلاثة أبعاد مع اعتبار الوزن النسبي لكل بعد ومراعاة مبدأ العدالة بين الأجيال كما يلى :
-البعد الاجتماعي: البطالة، التنمية المحلية والإقليمية، الرعاية الصحية والثروات ، الترابط الاجتماعي، توزيع الخدمات...الخ. 
-البعد الاقتصادي: التنمية الاقتصادية، التنافس،النمو الاقتصادي، الإبداع والتنمية الصناعية...الخ. 
-البعد البيئي: الحفاظ على جمال الطبيعة،نوعية المياه والهواء والتربة وتغير المناخ،التنوع البيولوجي...الخ.

 

 التنمية الزراعية المستدامة فى الوطن العربى:

    التنمية الزراعية  المستدامة، لها أبعاد متعددة تتمثل في الاستمرار والاستدامة للسلسلة الغذائية (ابتداءا من المنتج حتى الوصول للمستهلك النهائى( , مع اتخاذ جميع الخطوات المتعلقة باستدامة استخدام الأراضي والموارد المائية  بالصورة المناسبة, وذلك  لضمان تحقيق التنمية الزراعية والريفية المستدامة التى تهدف لتامين  أمن غذائي و سبل حياة محترمة فى المناطق المختلفة من العالم خاصة فى المناطق الفقيرة والتى تتاثر اكثر بالاثار السلبية للتغيرات المناخية .

•         <!--[endif]-->فبالرغم من ان الأراضى الزراعية محدودة في البلدان العربية المختلفة مقارنة بالمساحة الكلية للوطن العربى ، حيث نجد ان اكبر مساحة  تتواجد فى سوريا (31.9 % من المساحة الكلية), تليها لبنان بمساحة تصل (30.4% ) , فى حين ان النسبة منخفضة فى كلا من مصر والجزائر والسودان (نحو 3%)، ونجد ان أدنى نسبة اراضى زراعية توجد فى في السعودية وعُمان وموريتانيا حيث تبلغ حوالى (0.5%) من المساحة الكلية لكل دولة.
•         <!--[endif]-->وبالتالى نجد ان المساحة المزروعة لا تتعدى  3.4% أراض زراعية, فى حين تصل مساحة المراعى حوالى 18.8% , وتمثل الغابات فقط 10%  من اجمالى المساحة.
•         <!--[endif]-->وبالتالى فان جملة الاراضى التى تدخل المجال الزراعى بشقيه النباتى والحيوانى تصل لحوالى نحو 32% من المساحة الاجمالية، أي 4.1 مليون كيلومتر مربع، والبقية أرض قاحلة ( حوالى 9.7 مليون كيلو متر مربع).
•         <!--[endif]-->وبالرغم من ذلك فان الزراعة  تعد مهنة اساسية فى الوطن العربى ومجال مهم من المجالات التى تؤمن قدر كبير من الاحتياجات اليومية للمواطن العربى , حيث كانت هذه الأراضي تاريخياً تمد السكان بالاحتياجات الغذائية مع اقل قدرمن الضرر البيئي, ولكن تغيرت هذه النظرة خلال الخمسين عاما الماضية، وذلك نتيجة النمو السكانى الذى ادى لزيادة الطلب على الموارد الطبيعية المختلفة من الأرض والماء, وترافق ذلك مع الاستعمال المكثف  لاساليب غير مناسبة وسياسات زراعية خاطئة ,وكذلك تنمية حضرية سريعة غير مخططة.
•         <!--[endif]-->ونتيجة الضغوط المختلفة من تعرية للتربة بفعل الرياح، وزيادة الملوحة نتيجة الاسراف فى استخدام الاسمدة المخلقة، والتجريف مما ادى لتدهور انتاجية الاراضى الزراعية بشكل كبير بل وتصحرت وفقدنا جزء من الاراضى الخصبة, واستخدام الاراضى الزراعية فى اغراض اخرى مثل البناء او انشاء مناطق صناعية .
•         <!--[endif]-->وفي أوائل القرن الحالى بلغت نسبة التدهور فى الاراضى المنتجة حوالى 79%، علماً أن 97.8% منها كانت نتيجة انشطة بشرية خاطئة.

ومن اهم الاسباب التى ادت لتدهور الاراضى الزراعية ما يلى :

§                <!--[endif]-->استخدام أساليب زراعيه خاطئة مثل الحرث العميق للتربة بطريقة خاطئة, عدم حماية التربة من الانجراف, عدم زراعة مصدات الرياح لحماية التربة.
§                <!--[endif]-->زراعة محاصيل مجهدة للتربة باستمرار وبصورة متكررة .
§                <!--[endif]-->استخدام ممارسات زراعية خاطئة كالري بالغمر, وعدم  الاهتمام بالصرف الجيد, والتسميد المفرط خاصة الازوتى, مما يؤدى فى النهاية لزيادة ملوحة التربة وقلة خصوبتها.
§                <!--[endif]-->الرعى الجائر للمراعى الطبيعية.
§        <!--[endif]--> تلويث المياه السطحية والجوفية والتربة بالاسمدة المخلقة ومبيدات الافات.
§                <!--[endif]-->الاستغلال السيئ للموارد الطبيعيةويتمثل في استنزاف الموارد الجوفية والتربة بما يعرضهما للتملح .
§                <!--[endif]--> القطع الجائر للغابات:  لاستخدام الخشب كوقود وتحويل الأراضي إلى مزارع ومراع تجارية، أو إلى مناطق سكنية. مما يؤدي لتدميرالتجمعات النباتية والحيوانية وبالتالى التأثير على خصوبة الأرض وإنتاجيتها, بل ونوعية المياه.
§        <!--[endif]-->وتبعا للاحصائيات فان أراضي المراعي تمثل الجزء الغالب من الأراضي العربية الزراعية, فى حين ان أراضي الزراعات المطرية تمثل أربعة أضعاف مساحات الزراعات المروية, لذا فان التصحر يعتبر هو  التهديد الاول للأراضي المنتجة في المنطقة العربية.
                     
لذا فان اتباع نظام التنمية الزراعية المستدامة يعد امرا ضروريا لاستمرا الحياة والحفاظ على مواردنا الطبيعية التى وهبنا الله اياها.

فكيف يمكن تحقيق التنمية الزراعية المستدامة؟

          <!--[endif]-->هناك عدة  خطوات لابد من اتباعها لتحقيق التنمية الزراعية المستدامة ومنها ما يلى:
1. <!--[endif]-->اتباع الأساليب المرتبطة بالحفاظ على حيوية التربة، و التي تساعد على استعادة التوازن الطبيعي بين التربة والكائنات الحية.
2. <!--[endif]-->التخلص من أساليب الزراعة التي تلحق الضرر بالتربة والبيئة.
3. <!--[endif]-->زيادة القدرة الانتاجيه للتربة، والحفاظ على خصوبتها والحد من تدهورها.
4. <!--[endif]-->استخدام الموارد المائية على وجه يضمن حمايتها , باستخدام طرق رى متطورة للحفاظ على الموارد المائية المختلفة بصورة تضمن حمايتها .
5. <!--[endif]-->استخدام كل مصادر المائية المتاحة فى زراعة نباتات تتوافق مع مواصفات المياه مثل النباتات التى تتحمل الملوحة.
6. <!--[endif]-->الاهتمام بمتابعة الارصاد الجوية للتعامل بالطرق السليمة مع اى ظواهرغير مرغوبة مثل الصقيع والتصحر والجفاف.
7. <!--[endif]-->حماية الغطاء النباتي الطبيعى .
8. <!--[endif]-->تنظيم المراعى والحفاظ عليها من خلال تطويرها وتوفير الموارد المائية فيها، مع تقليل الضغط عليها بتركيز رعى حيوانات إنتاج اللحوم في مراكز ثابتة ، و حظر الرعي في بعض المناطق خلال فترات زمنية معينة لاتاحة الفرصة لاسترداد الغطاء النباتي حيويته ، وتشجيع تربيه الإبل وحيوانات البرية لتحقيق التوازن البيئي للمراعى الطبيعية.
9. حماية الغابات والحد من قطعها من خلال تنظيم عمليات قطع الغابات ومكافحة الحرائق فيها.
10. انشاء غابات صناعية يتم ريها بمياه الصرف المعالج لزيادة الغطاء الاخضر وحماية الاراضى الخصبة من  زحف الصحراء عليها.
11. إنشاء محميات طبيعية بيئية .
12. إصدار القوانين والتشريعات التي تساهم في مكافحه ظاهره التصحر .

 

الخاتمة:

      ان تحقيق التنمية الزراعية المستدامة ضرورة من ضرورات المحافظة على قوام حياة الانسان فى اى مكان, وخاصة فى وطننا العربى الكبير نظرا لقة الموارد الطبيعية المتاحة  سواءا من مياه او اراضى صالحة للزراعة, وما ينتج عنها من الحفاظ على البيئة وحمايتها, وفى نفس الوقت حفظ حق الاجيال القادمة فى تحقيق تنمية شاملة تحقق لهم حياة كريمة.

 
د. وليد فؤاد ابوبطة
خبير التنمية المتكاملة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 885 مشاهدة

ساحة النقاش

د. وليد فؤاد ابوبطة

wabobatta
نهدف لنشر ما يتعلق بالتنمية المتكاملة فى الوطن العربى بمختلف دوله ولهجاته للارتقاء بمستوى معيشة المواطن العربى ووضعه فى المكانة الملائمة له »

ابحث

تسجيل الدخول