م/ تامر الملاح

موقع خاص بالأبحاث العلميه لخدمة الطلاب


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم إلى يوم الدين، أما بعد:

المقصود بهذا بيان الحق الذي جعله الشرع لولي الأمر في المال العام.
وهذا ما يتطلب بحث مسألتين:
المسألة الأولى: مالك المال العام.
المسألة الثانية: وظيفة ولي الأمر في المال العام.

المسألة الأولى: مالك المال العام
اتفق الفقهاء على أن مالك المال العام هم المسلمون – مسلمو الدولة الإسلامية – وأنه لا يختص به أحد دون أحد، وأن ولي الأمر ليس بمالك للمال العام، وأنه فيه بمنزلة أحد الرعية، سوى ما له من حق الأخذ منه قدر كفايته ومن يعول، وحق التصرف فيه بالمصلحة.
ولما كان ما وقفت عليه من كلام الفقهاء في هذا الصدد ليس على درجة واحدة في بيان ذلك، إذ منهم من صرح ومنهم من ألمح، رأيت أن أصنف ما جمعت تحت نقاط؛ ليتضح منزع القول بالاتفاق، على النحو الآتي:
أولاً: النص على أن المال العام ملك المسلمين، وليس ملك ولي الأمر، قال ابن قدامة: مال بيت المال مملوك للمسلمين(1)، وقال السرخسي: ولا شيء لأهل الذمة في بيت المال.. لأنه مال المسلمين، فلا يصرف إلى غيرهم(2) وقال أبو عبيد: ومال بيت المال ليس مال الخليفة بل فيء الله(3)، وقال الشوكاني: بيت المال هو بيت مال المسلمين، وهم المستحقون له(4).

ثانياً: النص على مصرف المال العام مصالح المسلمين. قال ابن رجب: الخراج والجزية تصرف في المصالح العامة(5) وقال الكشناوي: المأخوذ بغير إيجاف... كالخمس والخراج.. يأخذ الإمام كفايته بالمعروف ويصرف الباقي بالاجتهاد في مصالح المسلمين(6).
فإذا كان مصرفه مصالحهم، كان ملكهم، إذ المال يصرف عادة في مصالح المالك لا مصالح غيره.
ثالثاً: القول بأنه إنما يجب لولي الأمر من المال العام كفايته، وكفاية من يعول(7)، وما زاد على ذلك فحرام عليه استئثاره به دون المسلمين، فإن فعل كان غلولاً؛ فعن المستورد بن شداد الفهري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً، قال أبو بكر: أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اتخذ غير ذلك فهو غال، أو سارق(8). فلو كان ولي الأمر يملك المال العام لما حرم أن يأخذ منه ما زاد على كفايته.

رابعاً: النص على أن ولي الأمر لا يملك ما أهدي إليه في حال كونه ولي أمر المسلمين، بل يكون فيئاً؛ لأنه إنما أهدي إليه من أجل مكانه من المسلمين، لا من أجل شخصه، فلم يكن أولى بالهدية(9) منهم، واحتجوا بحديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية حيث أنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه أخذ ما أهدي إليه بسبب ولايته، وعدَّه غلولاً(10).
فإذا لم يملك ولي الأمر ما خصه به المهدي فأولى ألا يملك غيره من المال العام.
خامساً: فرق الفقهاء بين جناية ولي الأمر المتعدية وغير المتعدية، فجعلوا ضمان المتعدية على العاقلة، وغير المتعدية على بيت المال(11). فلو كان المال العام ملك ولي الأمر لكان ضمان الجناية على بيت المال في الحالين.
سادساً: ميَّز الفقهاء بين المال العام وبين مال ولي الأمر الخاص به، فأجازوا له التصرف في ماله بما شاء، فله أن يعطي ويمنع، كما يشاء، وأجازوا له التصرف في ماله بغير الأصلح، كما يجوز لغيره، بخلاف المال العام، فلم يبيحوا له التصرف فيه وفق مشيئته، بل أوجبوا عليه فعل الأصلح، فدل ذلك على عدم ملكه المال العام؛ لأنه لو كان كذلك لكان حكمه حكم ماله الخاص(12).

سابعاً: حكم الفقهاء برد تصرف ولي الأمر في المال العام إذا خالف فيه الحق، فوضعه في مصارف غير مشروعة، قال الشافعي – بعد ذكره ما يجب على ولي الأمر فعله في أرض العنوة-: وكل ما وصفت أنه يجب قسمه فإن تركه الإمام ولم يقسمه، فوقفه المسلمون، أو تركه لأهله، رُدَّ حكم الإمام فيه؛ لأنه مخالف للكتاب والسنة معاً(13).
فلو كان المال العام ملكه لنفذ تصرفه هذا، ولما رد.
المسألة الثانية: وظيفة ولي الأمر في المال العام:
اتفق الفقهاء على أن وظيفة ولي الأمر في المال العام وظيفة النائب، وهي فرع وظيفته العامة على شؤون المسلمين، قال ابن العربي: الأمير.. نائب عن الجميع في جلب المنافع، ودفع المضار(14) وقال ابن تيمية: وليس لولاة الأمور أن يقسموها(15) بحسب أهوائهم، كما يقسم المالك ملكه، فإنما هم أمناء ونواب.. ليسوا ملاكاً(16)، وقال ابن رجب: والإمام هو النائب لهم، والمجتهد في تعيين مصالحهم(17)، وقال الدسوقي: الإمام.. إنما هو نائب عن المسلمين(18)، وربما عبر بعض أهل العلم عن تلك الوظيفة بتعبير مقارب، وهو أنه وكيل عن المسلمين، أو وصي(19)، وهذه الألفاظ الثلاثة وإن قدر أن بينها اختلافاً في الأحكام، غير أنها تشترك في الدلالة على أمر هو المقصود – هنا – وهو أن ولي الأمر حين يتصرف في المال العام فإنه لا يتصرف فيه بالأصالة، وإنما بالنيابة، أو الوكالة.

الأدلة على أن مالك المال العام المسلمون، وأن وظيفة ولي الأمر فيه وظيفة النائب لا المالك(20):
الدليل الأول: قال الله – عز وجل -: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر: 7-10)، بين الله – عز وجل – في هذه الآيات مصارف الفيء وهو من موارد المال العام فاستوعب المسلمين جميعاً، وعلل صرفه إلى هؤلاء بقوله: (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) ومن هذا البيان والتعليل نستفيد أمرين:

1 – أن الفيء ليس بملك فرد، ولا يجوز لفرد ولا طائفة الاختصاص بتملكه أو الانتفاع بشيء منه دون المسلمين، سواء أكان هذا الفرد ولي الأمر أم غيره.
2 – أن مالك الفيء المسلمون جميعاً؛ لأن مصرفه إليهم جميعاً.
ويدل لهذا أن عمر لما قرأ هذه الآيات قال: استوعبت هذه الآية الناس، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق – أو قال حظ – إلا بعض من تملكون من أرقائكم، وإن عشت – إن شاء الله – ليؤتين كل مسلم حقه – أو قال حظه – حتى يأتي الراعي بِسَرْوِ حِمْيَر، ولم يعرق فيه جبينه(21).
الدليل الثاني/ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أعطيكم، ولا أمنعكم، أنا قاسم، أضع حيث أمرت(22) وفي لفظ: إن أنا إلا خازن(23).
وجه الدلالة من الحديث:
دل الحديث على عدم ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم المال العام بنفيه ملك إعطاء أحد، أو منعه، وأن وظيفته فيه الحفظ والقسم؛ إذ لو كان ملكه لملك حق الإعطاء والمنع كسائر المالكين(24).

قال ابن تيمية – بعد إيراده هذا الحديث-: فهذا رسول رب العالمين قد أخبر أنه ليس المنع والعطاء بإرادته واختياره، كما يفعل المالك الذي أبيح له التصرف في ماله..(25) فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – على عظم منزلته – لا يملك المال العام، كان من بعده من ولاة الأمور أولى بذلك؛ لأن غاية منزلتهم أن يكونوا خلفاءه.
الدليل الثالث: عن خولة الأنصارية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة(26)، وفي رواية: إن هذا المال خضرة حلوة، من أصابه بحقه بورك له فيه، ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار(27).
وجه الدلالة من الحديث: المراد بالمال هنا المال العام؛ لأنه يسمى مال الله وتوضح ذلك رواية الترمذي من مال الله ورسوله؛ إذ هذه الإضافة خاصة بالمال العام الذي لا يملكه فرد بعينه، والمراد بالتخوض: أخذه وتملكه والتصرف فيه تصرف المالكين(28)، ففي الحديث الوعيد الشديد للمتخوضين في المال العام، وأولى من يتوجه له هذا الوعيد ولي الأمر؛ إذ الغالب أنه لا يقدر على التخوض في المال العام إلا هو، أو من له به صلة، فلو كان المال ماله لما توجه إليه الوعيد، ولجاز له التصرف فيه، كما يتصرف المالك في ملكه، فلما كان ممنوعاً من ذلك دل على أنه لا يملكه.
الدليل الرابع/ دلت سيرة الخلفاء الراشدين في المال العام على أنهم لم يكونوا يرون لهم فيه حقاً دون المسلمين، فضلاً عن أن يروه ملكهم، ومما جاء في هذا:
1 – عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: لما استخلف أبو بكر قال: قد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، وأحترف للمسلمين فيه(29).
وجه الدلالة من الأثر: أفاد اعتذار أبي بكر عن الأخذ من المال الذي وليه للمسلمين بانشغاله بأمرهم، واحترافه لهم فيه أمرين:
الأول: أنه ليس بماله؛ إذ لو كان ماله لما احتاج أن يعتذر عن الأخذ منه.
الثاني: أنه مال المسلمين؛ لأنه علل الأخذ منه بانشغاله بأمرهم، وإلا لم تظهر مناسبة بين العلة والمعلول، فكأنه قال: إنما أخذت من مالهم عوض عملي لهم.
2 – عن يرفأ قال: قال لي عمر بن الخطاب: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، وإن استغنيت استعففت(30). وفي رواية: وإنما أنا ومالكم كولي اليتيم(31).
في هذا الأثر دلالتان:
الأولى: في قوله مالك فأضافه إليهم، فدل على ملكهم له، والمراد بالمال – هنا – المال العام، الذي وليه لهم، لا الخاص بهم؛ لأنه لا ولاية له عليهم فيه.
الثانية: في قوله بمنزلة ولي اليتيم نص على وظيفة الإمام في مال المسلمين العام، التي تشبه وظيفة ولي اليتيم في مال اليتيم، وولي اليتيم نائب عن اليتيم، فكذلك ولي الأمر نائب عن المسلمين.
3 – عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: والله لأزيدن الناس ما زاد المال.. هو مالهم يأخذونه(32). فسماه مالهم، لا ماله.
4 – وعن ناشر بن سُمَي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول يوم الجابية – وهو يخطب الناس -: إن الله جعلني خازناً لهذا المال وقاسماً له(33).
فنص على أن وظيفته فيه حفظه وقسمه بين أهله على وفق شرع الله لا وظيفة المالك الذي يصرفه كيف شاء.
5 – وعن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد على عمر.. وفيه قال عمر: ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء، إنما مثلنا كمثل قوم سافروا، فجمعوا منهم مالاً، وسلموه إلى واحد ينفقه عليهم، فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أموالهم؟(34).
وهذا نص صريح في المسألتين، فمالك المال المسلمون، ونائبهم عليه ولي الأمر.
6 – وعن مالك بن أوس قال: كان عمر يحلف على أيمان ثلاث: والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد، وما أنا أحق به من أحد(35).
هذا الأثر نص صريح في أن ولي الأمر بمنزلة فرد من رعيته في الاستحقاق من المال العام.
وبعد هذه النصوص الصريحة الصحيحة لا تبقى شبهة في أن المال العام هو حق لجميع المسلمين، ليس لأحد منهم أن يختص به دون الآخر، وأن وظيفة ولي الأمر فيه وظيفة النائب.
ويترتب على هذا جملة من الواجبات والحقوق على ولي الأمر، وله:
أولاً: ما يجب على ولي الأمر فعله في المال العام:
1 – رعاية مصلحة المسلمين فيه، بحفظه، واستثماره، وإنفاقه على مصالحهم.
2 – فعل أصلح الوجوه، في حفظ المال العام واستثماره، إنفاقه، والاجتهاد في ذلك.
3 – تحقيق العدل فيه بين المسلمين، في الاستحقاق والعدل.
4 – مشاورة أهل العلم والرأي من المسلمين في كل ما يتعلق بالمال العام، مورداً ومصرفاً.

ثانياً: حقوق ولي الأمر في المال العام:
1 – اختصاصه بالتصرف فيه على وجه المصلحة، فأما غيره من أفراد الأمة فلا يجوز له أن يتصرف فيه إلا بإذن ولي الأمر، حتى ولو كان تصرفه فيه على وجه المصلحة.
2 – الأخذ منه بمقدار الكفاية.
وسيأتي تفصيل هذه الأمور وبيان ضوابطها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

-------------------------------------
(1) المغني (6/204).
(2) المبسوط (3/19).
(3) الأموال (265).
(4) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار للشوكاني (3/333).
(5) الاستخراج لأحكام الخراج لابن رجب (459).
(6) أسهل المدارك شرح إرشاد السالك للكشناوي (2/15).
(7) سيأتي هذا مفصلاً في الجزء الثاني من البحث.
(8) أخرجه أبو داود في الخراج، باب في أرزاق العمال، سننه مع عون المعبود (8/161-162) وأحمد في المسند (4/229)، والحاكم في المستدرك (1/406) وقال: هذا صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي في قسم الفيء، باب ما يكون للوالي الأعظم، السنن الكبرى (6/355)، والحديث أعله أبو حاتم من جهة سنده فإنه جاء عند أبي داود هكذا عن الحارث بن يزيد عن جبير بن نفير عن المستورد فقال أبو حاتم هذا خطأ، إنما هو على ما رواه الليث بن سعد عن الحارث بن يزيد عن رجل عن المستورد علل ابن أبي حاتم برقم (636) ص (1/219) والحديث سكت عنه المنذري، عون المعبود (8/162).
(9) شرح النووي على صحيح مسلم (12/114)، وخبايا الزوايا للزركشي (318).
(10) حديث ابن اللتبية في الصحيحين وسيأتي تخريجه صحيفة (288) وينظر التمهيد لابن عبد البر (2/14-15).
(11) الأم للشافعي.
(12) إحياء علوم الدين للغزالي (2/138)، والأحكام السلطانية للماوردي (228-229)، والمبسوط للسرخسي (23/203).
(13) الأم (4/181).
(14) أحكام القرآن (2/903).
(15) أي أموال بيت المال.
(16) السياسة الشرعية لابن تيمية (40).
(17) الاستخراج لابن رجب (460).
(18) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/487).
(19) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/256).
(20) إنما جمعت أدلة المسألتين لارتباطهما ببعض ولعدم التكرار.
(21) أخرجه النسائي في كتاب قسم الفيء بسنده عن أوس بن مالك عن عمر – مطولاً – سننه مع شرح السيوطي (7/136-137)، وأبو عبيد في الأموال برقم (41)، وص (21-22)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/352)، وأبو داود عن الزهري عن عمر في الخراج، باب صفايا رسول الله، عون المعبود (7/187، وهذا منقطع لأن الزهري لم يسمع من عمر، مختصر سنن أبي داود للمنذري (8/187).
(22) أخرجه البخاري في فرض الخمس باب قول الله تعالى: (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) فتح الباري (6/251).
(23) أخرجه أبو داود في الخراج، باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية والحجبة عنهم، سننه مع عون المعبود (8/166).
(24) ينظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر (6/251)، ونيل الأوطار للشوكاني (8/82).
(25) السياسة الشرعية لابن تيمية (40-41).
(26) أخرجه البخاري في فرض الخمس باب قول الله تعالى: (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) صحيحه مع فتح الباري (6/251).
(27) أخرج هذه الرواية الترمذي في الزهد، باب ما جاء في أخذ المال بحقه، جامعه مع تحفة الأحوذي (7/43).
(28) جامع الأصول لابن الأثير (10/566).
(29) أخرجه البخاري في البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، صحيحه مع فتح الباري (4/355).
(30) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (4/1534) بتحقيق الحميد، وقال ابن كثير: إسناده صحيح، مسند الفاروق (1/353).
(31) أخرجها أبو يوسف في الخراج (117).
(32) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/305).
(33) أخرجه البيهقي في قسم الفيء باب التفضيل على السابقة والنسب، السنن الكبرى (6/350)، وأخرجه عن علي بن رباح عن أبيه أن عمر.. أبو عبيد في الأموال برقم (548)، ص (235-236)، وسعيد بن منصور في سننه، تحقيق الحميد برقم (2319)، ص (2/124). وقال الهيثمي في المجمع (6/6): أخرجه أحمد ورجاله ثقات.
(34) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/280-281).
(35) أخرجه أبو داود في الخراج والفيء، باب ما يلزم الإمام من أمر الرعية والحجبة عنهم، عون المعبود (8/166-167)، وأحمد في مسنده بتحقيق أحمد شاكر برقم (294) ص (1/281) وقال أحمد شاكر إسناده صحيح والبيهقي في قسم الفيء باب ما جاء في قسم ذلك على قدر الكفاية، السنن الكبرى (6/346-347)، وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن، عون المعبود (8/167)، وقال أحمد البنا في الفتح الرباني (14/87)، وفيه محمد بن مُيَسَّر ضعيف.


ضوابط تصرف ولي الأمر في المال العام  (1/2)


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم إلى يوم الدين، أما بعد:

ضوابط تصرف ولي الأمر في المال العام، وفيه أربعة فروع
الفرع الأول: ضابط مراعاة المصلحة في الإنفاق.
يوصف المال العام بأنه مال المصالح، ومال المصالح العامة، وفي هذه الإضافة إشارة إلى ضابط في غاية الأهمية من ضوابط الإنفاق العام، بل هو أساسها، وهو: المصلحة، وهي ضد المفسدة، فلا بد أن يحقق الإنفاق مصلحة للمسلمين ويشترط في هذه المصلحة ثلاثة شروط:
الشرط الأول: كونها خالصة أو راجحة، فإن كانت المصلحة مساوية للمفسدة فلا يشرع الإنفاق حينئذٍ، وكذا لو كان لا يحقق أي مصلحة من باب أولى.
الشرط الثاني: كون المصلحة عامة: فلا يكفي للحكم بمشروعية الإنفاق أن يكون على مصلحة، بل حتى تكون هذه المصلحة عامة، يعود نفعها على المسلمين، كبناء المساجد والمدارس، وإنشاء الطرق، أو على طائفة منهم لا تعيين لأشخاصهم بل لصفاتهم، كرواتب موظفي الدولة أو عطاء أهل الحاجات الذين لم يسد حاجاتهم مال الزكاة، فإن الإنفاق على هؤلاء من المال العام وإن كان ظاهره إعطاء أفراد، إلا أن الإعطاء لم يكن لذواتهم، بل إما لقيامهم بمصالح المسلمين، فيجب على المسلمين القيام بكفايتهم نظير ما قاموا به من مصالحهم، أو لما قام بهم من الحاجة التي يجب على المسلمين سدها، والمال العام محل ذلك، إن لم يكف مال الزكاة(1).
والمصلحة التي تتوقف على رجحانها مشروعية الإنفاق تشمل مصالح المسلمين الدينية والدنيوية، فالإنفاق على الدعوة إلى الله، ونشر العلم الشرعي، والجهاد لإعلاء كلمة الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك من الإنفاق المشروع، بل الواجب؛ لأنها مصالح متعلقة بالدين، ولا شك أن مصالح المسلمين الدينية – التي يحصل برعايتها العزة والتمكين في الدنيا والنجاة في الآخرة – من أولى ما يجب على الدولة الإسلامية توجيه الإنفاق العام إليه، بما يضمن تحصيلها.
والإنفاق على توفير العيش الكريم، وعلى تعليم العلم الدنيوي، كالطب، والهندسة، والعلوم، التي بها تحفظ الأبدان، ويستعد بالقوة العلمية والعسكرية، والإنفاق على بناء المصانع والمرافق العامة، كالطرق، وصيانة المنشآت، وغير ذلك من مصالح المسلمين الدنيوية، كل هذا من الإنفاق المشروع؛ لأنه لا قيام للدين إلا بالدنيا، إذ هما توأمان، لا يستغني أحدهما عن الآخر(2).
وهذا الضابط يمثل قيداً لتصرفات ولي الأمر – وغيره – في المال العام، وهو من فروع القاعدة الكبرى التي تضبط تصرف ولي الأمر في شؤون الرعية كلها المالية وغيرها، وهي: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة.

ولقد جاء في كلام أهل العلم التأكيد على أهمية رعاية المصلحة؛ لضمان حسن التصرف في المال العام من جميع المتصرفين فيه، ويمكن بيان هذا من خلال النقاط الآتية:
أولاً: النص على أن مصرف المال العام المصالح العامة: قال الماوردي: يُحْمَل ما يفضل من مال الخراج إلى الخليفة؛ ليضعه في بيت المال العام، المعد للمصالح العامة(3)، وعلل البهوتي إيجاب فداء الأسير المسلم من بيت المال بأنه موضوع لمصالح المسلمين(4).
ثانياً: النص على عدم إباحة صرفه إلى الجهات التي لا يتحقق بالصرف إليها مصلحة للمسلمين، ولا دفع حاجة؛ إذ قد تقدم أن الاستحقاق من المال العام يكون بأحد أمرين، إما حاجة في الآخذ لم تسد من مال الزكاة، أو قيامه بمصلحة للمسلمين، وما سوى هذين فقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز تخصيص أحد بشيء من المال العام من دون المسلمين، قال الغزالي: لا يجوز صرف المال إلا لمن فيه مصلحة عامة، أو هو محتاج إليه عاجز عن الكسب(5)؛ معللين ذلك بأنه لا مصلحة في إعطاء غير المستحقين(6).

وكما منعوا الولاة من إعطاء غير المستحقين حرَّموا على هؤلاء الأخذ، قال البلاطنسي: والمأخوذ حرام على الآخذ غير المستحق(7) ولما ساق النووي الخلاف في حكم قبول عطية السلطان قال: والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا إن أعطى من لا يستحق(8) ثم قال: وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن في القابض مانع يمنع من استحقاق الأخذ(9).
فأنت ترى أن الاستحقاق شرط في إباحة المأخوذ، سواء غلب الحرام فيما في يد السلطان أو لم يغلب، وهذا صريح في تحريم أخذ غير المستحقين من المال العام.
ولقد عد بعض أهل العلم الاستئثار بالأخذ من المال العام من غير اتصاف بصفة استحقاق بدعة أضرت بمصالح المسلمين في دينهم ودنياهم(10).
ثالثاً: القاعدة الفقهية: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة(11) وهذه القاعدة أشبه بالمجمع عليها، قلَّ أن يغفل من تكلم في القواعد الفقهية عن ذكرها، وهي تعد الصياغة الفقهية الشرعية لما يجب على ولي الأمر وغيره فعله في شؤون المسلمين كلها، ومنها المال العام، وعلى هذا فحيث تجد الفقهاء يطلقون التخيير لولي الأمر في شؤون المسلمين، كقولهم: الحكم في الأسرى، وفي تفريق أموال بيت المال، وفي تولية القضاء، فإنهم لا يعنون – بحال – إطلاق الاختيار له، بحسب هواه، بل تقييده بمقتضى هذه القاعدة، وهو اختيار الأصلح(12). وتسميتهم ذلك خيرة يقصدون به أنه لا يتحتم عليه قبل الفكر والنظر فعل خصلة من الخصال، وإنما يجب عليه أن يبذل غاية الجهد في اختيار ما هو أصلح للمسلمين(13)، فإذا استوعب الفكر والنظر في وجوه المصالح، فوجد مصلحة هي أرجح للمسلمين، تحتم عليه تحصيلها، وأثم بتفويتها(14).

فمثلاً معنى تخييره في صرف أموال بيت المال: أنه يجب عليه الاجتهاد والنظر في تعيين مصالح الإنفاق، والأخذ بالراجح، وتقديم الأهم، واجتناب كل ما يؤدي إلى إضاعة المال، أو حرمان المستحقين من حقوقهم فيه، أو إيثار شخص أو طائفة به.
ويلخص ذلك العز بن عبد السلام بقوله: وكل تصرف جر فساداً، أو دفع صلاحاً فهو منهي عنه، كإضاعة المال بغير فائدة(15).
وقد اشتد نكير أهل العلم على من ظن أن لولي الأمر أن يتصرف في مال المسلمين العام بحسب هواه، اعتقاداً منهم أنه ملكه، يتصرف فيه بما شاء، قال البلاطنسي: واعتقد الجهال أن للسلطان أن يعطي من بيت المال ما شاء لمن شاء، ويقف ما شاء، على من يشاء، ويرزق ما يشاء، لمن يشاء، من غير تمييز بين مستحق وغيره، ولا نظر في مصلحة، بل بحسب الهوى والتشهي، وهو خطأ صريح، وجهل قبيح، فإن أموال بيت المال لا تباح بالإباحة(16).

وتقييد التصرف بالمصلحة يظهر أكثر وضوحاً من خلال تتبع فروع المسائل التي يذكرها الفقهاء تحت هذا الباب – تصرف الإمام في شؤون الرعية – حيث تجدهم يقيدون كل تصرف بظهور المصلحة فيه، ومن أمثلة ذلك:
أنهم قيدوا جواز الوقف من بيت المال(17)، والبيع(18)، والإقطاع(19)، والحكم في الأسرى(20)، وفي حد المحارب(21)، والإبراء من حق واجب لبيت المال(22)، والزيادة في مقدار الخراج المضروب على الأرض والنقصان منه(23)، وتنفيل بعض المقاتلين من الغنيمة(24)، وجواز الصلح مع الكفار(25)، وفي مقدار التعزير(26)، قيدوا ذلك كله بكونه الأصلح للمسلمين(27).
وقد اشترط الفقهاء في المصلحة المعتبرة لمشروعية التصرف في المال العام أن تكون متحققة أو يغلب الظن بتحققها، ولا يكفي مجرد الظن، قال ابن جماعة وأما من ليس في عطائه مصلحة عامة، بل قصدت مصلحة خاصة، كمن يعطى لمجرد ظن صلاحه؛ لوجاهته، من غير حاجة.. فلا يجوز صرف مال المسلمين إليه(28) ووجه ذلك: حتى لا تتخذ المصلحة ستاراً يوارى به التصرف الضار بالمال العام.
رابعاً: عدم نفاذ كل تصرف لا مصلحة فيه، وإبطاله إذا كان مما يقبل الإبطال، قال القرافي: الأئمة معزولون عما هو ليس بأصلح، حتى وإن كان صالحاً(29)، وقال علاء الدين الإمام: ليس للإمام أن يقطع ما لا غنى للمسلمين عنه.. ولو فعل فالمُقْطَعُ وغيره سواء(30) أي سواء في الانتفاع بالإقطاع، وهذا إبطال للتخصيص لما كان غير مشروع، وقال الشافعي – بعد أن قرر ما يجب على ولي الأمر فعله في أرض العنوة-: وكل ما وصفت أنه يجب قسمه فإن تركه الإمام، ولم يقسمه.. أو تركه لأهله، رد حكم الإمام فيه؛ لأنه مخالف للكتاب والسنة(31)، واستدل البلاطنسي على صحة الحكم بالبطلان بأن مقتضى قول الله – جل وعلا -: "وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (الأنعام: 152) وقوله صلى الله عليه وسلم: ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة(32). مع قوله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد(33) أن يكون جميع المتصرفين من الولاة ونوابهم – وغيرهم – ممنوعين عن المفسدة الراجحة، والمصلحة المرجوحة، والمساوية، وما لا مفسدة فيه ولا مصلحة لأن هذه الأقسام الأربعة ليست مما هو أحسن، وتكون الولاية إنما تتناول جلب المصلحة الخالصة أو الراجحة، أو درء المفسدة الخالصة أو الراجحة(34)، ويكون تصرفهم بغير ذلك – لو تصرفوا – باطلاً، غير نافذ.

وليعلم أن هذا الضابط – التصرف بالمصلحة – غير خاص بتصرف ولي الأمر، بل هو قيد عام على كل متصرف في شيء من المال العام، ممن أذن له بالتصرف فيه، من آحاد الناس، كما تفيده القاعدة الفقهية بأن كل متصرف عن الغير فيجب عليه أن يتصرف بالمصلحة(35).
أدلة اعتبار ضابط مراعاة المصلحة العامة في الإنفاق العام:
الدليل الأول: عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته(36) ومقتضى الرعاية فعل الأصلح بالرعية في شؤونهم كلها، ومن أهمها المال العام.
الدليل الثاني: عن الحسن قال: عاد عبيد الله بن زياد معقل بن يسار المزني – في مرضه الذي مات فيه-، فقال معقل: إني محدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو علمت أن لي حياة ما حدثتك به، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت – يوم يموت – وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة(37).
وجه الدلالة: أن عدم فعل الأصلح – مع القدرة عليه – غش للأمة؛ لأنه يناقض أمر الله – عز وجل-، ويناقض مقتضى الولاية والرعاية، والغش محرم؛ لأن مثل هذا الوعيد الشديد لا يكون إلا على أمر محرم؛ بل كبيرة من الكبائر؛ فإذا كان الاكتفاء بالفعل الصالح وترك الفعل الأصلح غشاً للأمة، كان فعل ما لا مصلحة فيه أعظم غشاً.
الدليل الثالث: أوجب الله – جل وعلا – على ولي اليتيم فعل الأحسن في مال اليتيم، حين نهاه أن يقربه إلا بالتي هي أحسن، في قوله سبحانه: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الأنعام: 152) ومعنى الأحسن: تحصيل المصلحة الخالصة، أو الراجحة، وعدم الاكتفاء بالصالح مع إمكان الأصلح، فضلاً عن الفساد. فكان الواجب على ولي الأمر في مال المسلمين نظير الواجب على الولي في مال اليتيم؛ لأنه بمنزلته، كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم. والولايات كلها سواء من حيث وجوب التصرف بالمصلحة في حق المولَّى عليهم، قال القرافي: كل من ولي الخلافة فما دونها إلى الوصية لا يحل له أن يتصرف إلا بجلب مصلحة، أو درء مفسدة(38) بل إن وجوب فعل الأصلح على ولي الأمر في المال العام آكد من وجوبه على ولي اليتيم في مال اليتيم؛ لأن اعتناء الشرع بمصالح العامة أوفر وأعظم من اعتنائه بمصالح الخاصة(39).

وأخيراً فإن مراعاة المصلحة في إنفاق المال العام تعد ضابطاً هاماً من ضوابط حسن التصرف في المال العام، تمنع إذا توفرت لها الضمانات من استغلال السلطة في ما لا يحل.

الفرع الثاني
ضابط العدل في الإنفاق العام
معنى الضابط: المراد: تحقيق العدل في المال العام بين المسلمين استحقاقاً وقسماً.
أدلة مشروعية ضابط العدل في الإنفاق:
دل على مشروعية هذا الضابط، بل على وجوبه، الكتاب والسنة والمعقول:
أولاً: من الكتاب: قول الله – عز وجل-: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (النحل:90). فهذا أمر بإقامة العدل، والعدل اسم جامع لكل ما قام في النفوس أنه مستقيم(40)، وهو ضد الجور، ومما يتضمنه اسما لعدل، العدل في الأموال – عطاءً وتقديراً – فيكون مأموراً به، بل دخول المال في الآية أولوي؛ لعظم مكانة المال في النفوس، وشدة الشح به، وهو من أخطر أسباب التباغض والشحناء(41).

ثانياً: من السنة:
1 – الأحاديث التي دلت على عقوبة من لم يعدل في رعيته، ومنها:
أ – عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً، لا يفكه إلا العدل، أو يوبقه الجور(42).
ب – وعن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس من والي أمة – قلَّت أو كثرت – لا يعدل فيها إلا كبَّه الله تبارك وتعالى على وجهه في النار(43).
دل الحديثان على وجوب عدل ولي الأمر في شؤون رعيته، وتحريم الجور فيها؛ إذ مثل هذا الوعيد الشديد لا يمكن أن يكون إلا على فعل كبيرة من كباشر الذنوب، ولا شك أن من آكد شؤون المسلمين التي يجب العدل فيها المال؛ فإنه قسيم النفس، قال ابن حجر في بيان ما يقع به الجور ويحصل ذلك بظلمه لهم، وبأخذ أموالهم، أو سفك دمائهم، أو انتهاك أعراضهم، وحبس حقوقهم.. (44) ونقل عن ابن بطال قوله: .. وهذا وعيد شديد على أئمة الجور، فمن ضيع من استرعاه الله، أو خانهم، أو ظلمهم، فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة، فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة.

2 – الأحاديث التي دلت على فضيلة الإمام العادل في رعيته، والأجر العظيم الذي ينتظره يوم القيامة، ومنها:
أ – عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلساً، إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله يوم القيامة، وأبعدهم منه مجلساً إمام جائر(45).
ب – عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل... (46).
ج – عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن – وكلتا يديه يمين – الذي يعدلون في حكمهم، وأهليهم، وما ولوا(47).
ففي هذه الأحاديث حث عظيم لأهل الولايات على العدل فيما ولوا، وهو يشعر بمدى أهمية العدل في الولاية، حتى وعد المتصف به بكل هذه الفضائل التي قل أن تجتمع في شيء، قال النووي شارحاً قوله صلى الله عليه وسلم: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا: معناه: أن هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلده من خلافة، أو قضاء، أو حسبة، أو نظر... (48)، والمال مما يليه ولي الأمر للمسلمين، فكان من جملة الأمور التي يترتب على إقامة العدل فيها هذا الأجر العظيم.

ثالثاً: من المعقول:
أ – إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالعدل في القسم بين الأولاد، ونهى أن يخص الأب أحدهم بشيء دون الآخر، وعد التخصيص بالعطية جوراً(49). فإذا كان المرء مأموراً بالعدل ومنهياً عن الظلم في ماله الذي يملكه، وبين أولاده الذين مالُهم مالُه، فأولى أن يثبت هذا الأمر والنهي في حق ولي الأمر، الذي يتصرف على من ليسوا بأولاد، ولا هم إخوة، وفي مال ليس بماله، بل مالُهم جميعاً.
ب – إنه إذا تقرر وجوب أن يتصرف ولي الأمر في المال العام بالأصلح للمسلمين – كما تقدم – فإن مقتضى ذلك العدل بينهم في قسم مالهم؛ لأن هذا أصلح لهم.
ما يتحقق به العدل في إنفاق المال العام: يتحقق العدل في المال العام بما يأتي:
أولاً: إعطاء كل ذي حق حقه:
كل من ثبت استحقاقه في المال العام وجب على ولي الأمر أن يعطيه حقه؛ لأن ذلك جزء من المسؤولية المنوطة به في المال العام، فإن الله – عز وجل – قد خوله قسم المال بين مستحقيه، فإن منع الحق عن مستحقه فقد أخل بمسؤوليته، بل إن من مسؤوليته البحث عن المستحقين، وإيصال حقوقهم إليهم. قال ابن تيمية: فعلى ذي السلطان ونوابه في العطاء أن يؤتوا كلَّ ذي حق حقه(50). وعليه إعطاء الحق كاملاً غير منقوص، فإن كان المستحق من أهل المصالح وجب إعطاؤهم ما يقوم بكفايته، وإن كان من أهل الحاجات وجب إعطاؤه ما يسد حاجته، قال السرخسي: فعلى الإمام أن يتقي الله في صرف الأموال إلى المصارف، فلا يدع فقيراص إلا أعطاه حقه من الصدقات، حتى يغنيه وعياله(51).

ثانياً: أن يكون ثبوت الاستحقاق في المال العام وفق الشرع:
ويثبت الاستحقاق في المال العام بأحد أمرين:
1 – الحاجة. 2 – المصلحة.
وما عدا هذين فلا يستحق به أحد شيئاً من المال العام – كما تقدم-.
وعلى هذا فليس لولي الأمر أن يثبت لأحد حقاً في المال العام بسبب آخر غير هذين السببين، ككونه قريباً له، أو من أعضاء جماعته، أو حزبه، أو لما بينهما من مصالح خاصة؛ لأن ذلك ظلم ينافي العدل الواجب في المال العام، وكما ليس له ذلك، فليس له أن يخصه بعطاء وإن لم يُثْبِت له استحقاقاً – دائماً – لأنه خلاف العدل، قال ابن تيمية: لا يجوز للإمام أن يعطي أحداً ما لا يستحقه؛ لهوى نفسه، من قرابة بينهما، أو مودة ونحو ذلك(52).
ثالثاً: التسوية في العطاء:
والمراد: التسوية بين المسلمين في دفع الحاجات، لا في قدر العطاء؛ لأن المقصود الأعظم بالإنفاق دفع حاجات الناس، وحاجاتهم تتفاوت من حيث مقدار ما تندفع به، فما تندفع به حاجة فقير لا يعول إلا نفسه لا تندفع به حاجة فقير آخر ذي زوجة وذرية. فكان العدل أن يعطى كل امرئ ما تندفع به حاجته، وإن ترتب على ذلك زيادة مقدار ما يعطى على مقدار ما يعطاه غيره؛ لأنه وإن كان تفضيلاً في صورته إلا أنه تسوية وعدل في حقيقته(53).

قال العز بن عبد السلام: تقدير النفقات بالحاجات مع تفاوتها عدل وتسوية(54) وقال الشافعي وإن فضل بعضهم على بعض في العطاء فذلك تسوية إذا كان ما يعطى لكل واحد منهما لسد خلته(55).
فإذا تساوت الحاجات حرم التفضيل؛ لزوال سببه الموجب له(56).
وحيث تبين أن المعتبر في قدر الاستحقاق من المال العام الكفاية، فإنه يعتبر في قدرها ثلاثة أمور:
1 – عدد من يعولهم المستحق من المال العام.
2 – حال البلد من حيث الغلاء والرخص.
3 – حال المستحق(57).
ففي اعتبار عدد من يعول يقول أبو يعلى – مبيناً ما على ولي الأمر اعتباره عند تقدير عطاء الجند-: ويعرف قدر حاجاتهم، وكفايتهم، ويزداد ذو الولد من أجل ولده، وذو الفرس من أجل فرسه... (58).
وفي اعتبار حال البلد من حيث الغلاء والرخص يقول الشافعي: ويختلف مبلغ العطايا باختلاف أسعار البلدان، وحالات الناس فيها، فإن المؤنة في بعض البلدان أثقل منها في بعض.. (59)، وقال ابن قدامة: .. وينظر في أسعارها في بلدانهم؛ لأن أسعار البلدان تختلف، والغرض الكفاية.. (60) وكذا يعتبر في الكفاية حال المستحق، فيفرض له ما يليق بمثله في بلده، إذ الناس متفاوتون في أقدارهم ومسؤولياتهم، وما يترتب على ذلك من تبعات، فليس عطاء الأمير الملتزم بما يلزم الأمير عادة كعطاء الموظف الخفيف الحمل من تلك الالتزامات، ولا عطاء القاضي الذي يفصل بين الناس ويصلح بينهم، وربما تحمل في ذلك تبعات مالية، كعطاء من لا يسأل إلا عن نفسه. فلكل من هؤلاء عطاء يليق بمثله، وقد ذكر الله – عز وجل – في كتابه تفاوت درجات الخلق في الدنيا فقال: "وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً" (الزخرف: من الآية32) فسرت الآية بأن الله – سبحانه – فاضل بين الخلق، فجعل بعضهم أفضل من بعض في الدنيا بالرزق والرياسة والقوة والحرية والعقل والعلم(61).

قال الشافعي – منبهاً ولي الأمر إلى اعتبار حال المستحقين عند قسم الأرزاق والعطايا-: ويعرف قدر نفقاتهم، وما يحتاجون إليه في مؤناتهم، بقدر معاش مثلهم.. (62).
ويدخل في هذا تقسيم الوظائف العامة للدولة إلى درجات (سُلَّم وظيفي) إذا بلغ أي موظف درجةً استحق مرتبها المالي، ويكون العدل المطلوب – حينئذ – العدل بين الموظفين في استحقاق درجات السلم الوظيفي، وذلك بوضع معيار لاستحقاقها، يخضع له جميع الموظفين، ولا يكون للاعتبارات الشخصية أثر في الاستحقاق، بحيث تكون الفرصة متاحة لكل موظف يريد أن يثبت كفاءته.
وأما الأمور التي يجب تحقيق الكفاية فيها فهي كل ما يحتاجه الإنسان لحياته وحياة من يعوله حياة كريمة، من غير سرف ولا تقتير، وبحسب توفر المال العام.
وما تقدم من وجوب التسوية بين المستحقين في دفع الحاجات بقدر الكفاية هو ما دلت عليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين، ومنها:
الدليل الأول/ عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه الفيء قسمه من يومه، فأعطى الآهل حظين، وأعطى العزب حظاً(63).
وجه الدلالة: تمييز النبي صلى الله عليه وسلم بين المتزوج والعزب في قدر العطاء دليل على اعتبار كفاية المستحق، حيث اعتبر حاجة الزوجة إلى الكفاية، وليس هذا الاعتبار خاصاً بالزوجة، بل يدخل فيه غيرها، ممن تلزم نفقته على المستحق، قال الشوكاني: فيه دليل على أنه ينبغي أن يكون العطاء على مقدار أتباع الرجل الذي تلزمه نفقتهم من النساء وغيرهن؛ إذ غير الزوجة مثلها في الاحتياج إلى المؤونة(64).
الدليل الثاني/ إن النبي صلى الله عليه وسلم فاضل في قسم الغنائم بحسب الحاجة، فقسم للراجل سهماً وللفارس ثلاثة أسهم، فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهماً وفسره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم(65)؛ وذلك لأن حاجة الفارس أكثر من حاجة الراجل، فإن للراجل حاجة واحدة – وهي حاجة نفسه – فجعل له سهماً واحداً، وأما الفارس فله ثلاث حاجات: حاجة لنفسه، وأخرى لفرسه، وثالثة لسائس فرسه(66). ففي هذا ما يدل على اعتبار قدر الكفاية في الاستحقاق.


الدليل الثالث/ عن مالك بن أوس قال: ذكر عمر يوماً الفيء فقال: ما أنا أحق بهذا الفيء منكم، وما أحد منا أحق به من أحد، إلا أنا على منازلنا من كتاب الله، وقسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته.. حيث اعتبر عمر في قدر العطاء أموراً، منها:
1 – عدد العيال. 2 – قدر الحاجة.
الدليل الرابع/ إن عمر بن الخطاب كان يفرض لعماله عطاءً متفاوتاً بحسب حاجة كل منهم، فقد أعطى عماراً أمير العراق كل يوم نصف شاة، وأعطى ابن مسعود ربعها، ولعل ذلك بسبب تفاوت حاجتهم(67).
المفاضلة بحسب المصلحة:
وكما تجوز المفاضلة في قدر العطاء بحسب الحاجة، كذلك تجوز بحسب المصلحة العامة العائدة على المسلمين(68)، وهذا يتفق مع ما سبق تقريره من وجوب مراعاة المصلحة في الإنفاق، وهو ما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، كلَّ إنسان منهم مئة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك، فأنشد عباس شعراً، فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة(69).
حيث فضلهم النبي صلى الله عليه وسلم على غيرهم؛ نظراً منه إلى المصلحة، وهي التأليف؛ لأنهم كانوا سادة أقوامهم؛ ويدل لهذا أنه لما توقف تأليف عباس بن مرداس على إتمام عطائه مئة أتمه له، فدل على جواز التفضيل بحسب المصلحة العامة.
المفاضلة في العطاء لغير حاجة ولا مصلحة:
اختلف أهل العلم في حكم التفضيل في العطاء من المال العام، لغير حاجة، ولا مصلحة، بل لمقتض آخر، هو الفضيلة الدينية، كالعلم، وعظم البلاء للدين بالدعوة والجهاد، وكان خلافهم على قولين:
القول الأول: لا يجوز التفضيل في العطاء بالفضيلة الدينية، وهذا قول أبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب – رضي الله عنهما – وعطاء(70)، وهو قول الشافعي(71)، وقول عند الحنفية(72)، ورواية عن مالك(73)، ورواية عن أحمد(74).
القول الثاني: يجوز التفضيل. وهذا قول عمر وعثمان(75) – رضي الله عنهما – والقول الثاني عند الحنفية(76)، ونسبه ا بن تيمية إلى مذهب مالك(77)، والرواية الثانية عن أحمد اختارها ابن قدامة(78).
الأدلة:
أولاً: استدل القائلون بعدم جواز التفضيل: بالآتي:
الدليل الأول: إن الله – عز وجل – قسم المواريث على العدد، ولم يفضل بعض الأبناء على بعض، مع كونهم متفاضلين في الغناء عن الميت، والصلة في الحياة، والحفظ بعد الموت، فكذلك لا تفضيل في العطاء(79).
الدليل الثاني: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أربعة أخماس الغنيمة على الغانمين، ولم يفضل، مع تفاضلهم في الغناء، فإن منهم من يغني غاية الغناء، حتى يكون الفتح على يديه، ومنهم من يكون حضوره إما غير نافع، وإما ضرراً على المسلمين بالفرار والجبن والتخذيل،ن فإذا لم يجز التفضيل بين الغانمين فكذلك بين مستحقي العطاء(80).
ونوقش بأمرين:
المناقشة الأولى: قياس ميتحقي العطاء على الورثة والغانمين قياس مع الفارق؛ لأن الميراث والغنيمة مستحقان بسب، لا بعمل، وأما العطاء فمستحق بعمل(81).
ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بأنه لا يسلم أن قسم الغنيمة مستحق بسبب، بل هو مستحق بعمل، وقد قال الله – عز وجل -: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ) (الأنفال: من الآية41) فجعل الغنيمة من عملهم(82).
المناقشة الثانية: لا يسلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفضل بعض الغانمين على بعض، بل ثبت ذلك، حيث كان يفضل بعضهم بالنفل زيادة على سهمه في الغنيمة(83).
الدليل الثالث: إن الفضل ثوابه على الله – عز وجل – وأما العطاء فمعاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة(84).
ويمكن أن يناقش: بأنه مع التسليم بأن الفضل ثوابه على الله – عز وجل – إلا أن ذلك لا ينافي جواز الإثابة في الدنيا.
ثانياً: أدلة أصحاب القول الثاني القائلين بالجواز:
الدليل الأول: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فضل بعض الغانمين على بعض من أربعة أخماس الغنيمة على عظم البلاء، ومما ثبت في هذا:
1 – عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفَّل الربع، وإذا أقبل راجعاً وكلَّ الناس نفَّل الثلث(85).
دل الحديث على جواز التفضيل من وجهين:
1 – أن النبي صلى الله عليه وسلم فضل بعض الغانمين على بعض من أربعة أخماس الغنيمة لبلائهم؛ إذ النَّفل زيادة على سهم الغنيمة، قال ابن تيمية: وهذا تفضيل لبعض الغانمين من أربعة الأخماس(86).
ب – أنه صلى الله عليه وسلم أجرى المفاضلة بين من فضَّله بالنفل – أيضاً – حيث نفَّل السرية إذا أغارت والجيش قد قفل راجعاً من الغزو أكثر مما نفلها به إذا أغارت في مبتدأ الغزو والناس مقبلون عليه؛ نظراً منه صلى الله عليه وسلم إلى شدة البلاء؛ لأن الإغارة عند قفول الجيش أشق عليهم وأعظم خطراً؛ لقوة الظهر عند دخولهم، وضعفه عند خروجهم، وهم في الأول أنشط للسير والإمعان في بلاد العدو، بينما عند القفول أضعف، وأفتر، وأشهى للرجوع إلى بلادهم، فزادهم لذلك(87).
2 – وعن سلمة بن الأكوع حديث غزوة ذي قُرَد، حين أغار عبد الرحمن الفزاري على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه.. وفيها أبلى سلمة بن الأكوع وأبو قتادة بلاءً عظيماً، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان خيرَ فرساننا أبو قتادة، وخيرَ رجالتنا سلمة قال سلمة ثم أعطاني

المصدر: م/تامر الملاح
  • Currently 110/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 615 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2010 بواسطة tamer-pahs-com

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

7,830