التَلّى هو أسلوب من التطريز بأشرطة معدنية رقيقة على أقمشة قطنية أو حريرية أو شبكية (التُلّ). ويطلق اسم التلّى على الأشرطة المعدنية نفسها التي يتم التطريز بها، كما يطلق على المنتَج المشغول بهذه الأشرطة ويرجع هذا الاسم إما إلي تسمية فرنسية لقماش الشبك Tulle الذي كان مطرزاً عليه. أو أنه منسوباً إلي الملك "أتالوس" من آسيا الصغرى، الذي اخترع فن التطريز بالذهب.
وأشرطة التلّى لا يتعدى عرضها 3 مللي، وهي عادة فضية وقليلاً ما تكون ذهبية اللون. وهذه الأشرطة في معظمها مصنوعة من أسلاك النحاس المطلية إما بالنيكل أو الفضة، بل هناك أشرطة معدنية رخيصة وأخرى بلاستيكية وهناك العديد من المقتنيات القديمة المشغولة بالفضة الخالصة. و كان التجار يسلمون صانعة التلّى العمل بالميزان، ويتم استلام المنتَج منها بالميزان أيضا.
تستورد أشرطة التَلّى من بعض الدول الأوربية. وهي تختلف فيما بينها، فالتلّى المائل إلى الاحمرار يستورد من ألمانيا أما النوع المائل إلى الاصفرار فمن فرنسا وهو من أجود الأنواع المستوردة وهو مغطى بطبقة سميكة من الفضة أو الذهب، ويمتاز بالمرونة التي تساعد في التطريز، بالإضافة إلى قوة لمعانه. أما ما يستورد من تشيكوسلوفاكيا فهو النوع العريض، ولا يستعمل كثيرا.
يتم شغل التَلّى بواسطة إبرة خاصة معدنية طولها 4 سم، مبطّطة، طرف منها مدبب والطرف الثاني به ثقبان ويقوم على صناعتها الحرفيين (السباكين). وأحياناً تصنع المرأة الإبرة بنفسها بأن تأتى بمسمار حديد وتدق عليه ثم تثقبه وتبرُده ليعطيها الشكل المطلوب. وكانت الإبرة في الماضي تصنع أحياناً من الذهب أو الفضة. ويقوم بصناعتها صائغ الذهب.
وغرزة التَلّى ليس لها مثيل في أعمال الخياطة والتطريز. وهى عبارة عن غرزة واحدة مستقلة بذاتها. وتصف إحدى الريفيات المشتغلات بالتَلّى غرزة التَلّى بما يلي:
"هو صحيح الغرزة واحدة لكن صعب إن الواحدة تتعلمها بسهولة، لأن فيها ست خطوات عشان تطلع. أولاً ندخّل الإبرة لغاية طرف الخيط، وبعدين نتنيه حتة صغيرة خالص على أد العين، ونرجع بيها تانى ونطلعها من الجنب اليمين. وبعدين أرجع بيها تانى على الجنب الشمال وبعدين أنزلها من فوق تانى، أشدها لتحت كويس وبعد كده أقطعها. ولو إيدى مش واخده على القطع باضطر أخذها على طول رايح جاى عشان ما يبانش فيها رايش، عشان لو حطيت إيدى ما تعورنيش. ما ينقطعش بسهولة. ولو شغل نضيف نشوف "الجلب" (الوجه التانى للغرزة ) كأنهم زى بعضهم. يعنى "الجلبة" بتاعة الغرزة تديكى نفس الرسم. وبعد كده الرسمة بتاعة الغرزة تبقى زى الفيونكة الصغيرة، فلو شغل كويس ومفيش رايش ومفيش حاجات زايدة فتحط أيدك ورا زى قدام "
خطوات الغرزة
إزدهار التَلّى
إزدهرت صناعة التَلّى بين أهالي أسيوط في القرن التاسع عشر لدرجة كان يندر ألا ينتجه بيت من البيوت ويعزى هذا إلى كون أسيوط إحدى المحطات التي ترسو بها المراكب السياحية في النيل،. ولعل هذه الانفتاحة علي الأجانب تفسر نماذج (موديلات) بعض المقتنيات الموجودة بمركز دراسات الفنون الشعبية التي تتسم بالنمط الأوروبي، فالكثير منها بحمّالات ودون أكمام و قصّات تصلح لرقص " الفالس "، وغير تقليدية بالمرة. و في بداية القرن العشرين كان التَلّى منتشرا في ملابس الطبقة الأرستقراطية كفساتين للسهرة.
وبالرغم من دخول " الموديلات " والقصّات الأجنبية على منتجات التَلّى، فإنها احتفظت بالموتيفات التقليدية المتوارثة.
ولم يكن فن التَلّي فنا تقوم به القرويات لاستعمالهن الخاص أو لتوزيعه عن طريق الاتصال المباشر بالأسر الغنية فقط. بل كان خاضعا لتجار يتحكمون في الخامات التي يوزعونها على المشتغلات، ثم القيام بجمع وبيع المنتجات بمعرفتهم. ومازال هناك بعض التجار ممن يحتكرون البيع ويتحكمون في الأسعار.
قابل فريق العمل في أسيوط ثلاثة إخوة أصغرهم لا يقل عمره عن السبعين. وهم معروفون بأنهم أقدم من عمل في تجارة التَلّى، وقد ورثوها عن والدهم وجدهم، ولكنهم لا يمارسون هذا النشاط حاليا. وذكروا أن جدهم ووالدهم كانا يحصلان على التَلّى المستورد من أوروبا عن طريق سوريا، ويوزعان التُلّ والتَلّى على القرويات " لينقشوه "، ثم يتم جمع المنتجات لبيعها للزبائن. وكان توزيعهما يصل إلى أوروبا. وقد أقام والدهم معرضين ( في لندن 1931، وفي ليبزج 1936 ) بمساعدة الحكومة المصرية ثم توقفوا عن العمل لظروف خاصة.
إنحسار التلى
انحسر استعمال التَلّى بعد الحرب العالمية الثانية لأسباب مختلفة. وأشهر قصة متداولة عن سبب انحسار استعمال التَلّى هي أن "الغوازي" بدأن استعماله في بِدل الرقص وكن يطفن على القرى والمقاهي. لذلك منع الرجال نساءهم من شغل التَلّى وارتدائه.
هذا بالإضـافة إلـي إنـه مـع انتشار الذوق الأوروبي قلّ طلب العائلات القادرة على التَلّى. ومن ضمن أسباب انحسار هذا الفن أيضاً عدم توافر الخامات بسبب الحرب العالمية ، وصعوبة الاستيراد ، وارتفاع التكلفة. كما أضاف أحد التجار القدامى سبباً آخر لانحسار حرفة التَلّى وهو ظهور نشاط صناعة السجاد في أسيوط، التي استهوت الفتيات لعائدها المجزي. وبقى فن التَلّى مقتصرا على كبيرات السن.
إهتمام متجدد
ظهر اهتمام مفاجئ بهذه الحرفة مرة أخري في نهاية القرن العشرين و في التسعينيات بالذات و الفضل في عودة التَلّى للظهور يرجع إلى حادثتين فرديتين؛ واحدة في سوهاج، عندما ظهرت باحثة مصرية قامت بإعداد دراسة لتنمية هذا الفن وتسببت هذه الدراسة في استعادة الاهتمام بهذا الفن في قرى سوهاج. والحادثة الأخرى في أسيوط عندما زارت سائحة إنجليزية أحد فناني مصر التشكيليين، ومعها صورة لقطعة من التَلّى في متحف بانجلترا، وأرادت أن تصنع مثلها. ألهبت هذه الصدفة خيال الفنان، وأحس أن موطنه به كنز يبحث عنه الأجانب. وبدأ البحث عن المسنّات اللاتي مازلن يتذكرن هذا الفن.وبدأت تجربته التي سوف نتناولها بالشرح في فصلٍ تال. وهاتان التجربتان جديرتان بالدراسة المتأنية.
ساحة النقاش