كتب-محمد حمدى
يقول عبد الرحمن بن المهلب : " خرجت إلى سوق العبيد لأشتري لنفسي عبدًا يخدمني ، فوجدت سيدًا يبيع عبدًا، و يُنادي عليه قائلًا : "مَن يشتري هذا العبد على عيبه ؟ " "
فقلت له : "يا سيدي، و ما العيب الذي فى هذا العبد ؟! "
فقال : "سَل العبد يُخبرك ! "
فسألته فقال : "عيوبي كثيرة "
فرجعت إلى صاحبه ،وقلت : "يرحمك الله ! ألا تخبرني عن عيب ذلك الغلام ؟! "
قال : "إنه معتوه العقل ينتابه الصرع مِن حين إلى حين ! "
فقلت للعبد : "أيأتيك هذا كُل يوم ،أم يأتيك كُل أسبوع ؟! "
فإسترجع ،و بكى و قال : "يا سيدي، إذا إستولى داء المحبة على القلب سرى فى الأعضاء ، و إذا إستولى على الجوارح نشر خمار المحبة على سائر البدن ؛فيطيش العقل بذكر الحبيب ، فيحدث فى القلب إستغراق، و على البدن سكون ؛فيراه الجاهل فيظنه عتهًا، و جنونًا "
قال عبد الرحمن : "فعلمت أن الغُلام مِن أولياء الله الصالحين ."
فقلت لسيده : "كم ثمن هذا الغلام ؟ "
فقال : "ثمنه مائة درهم . "
فقلت له : "ولك مِني عشرون فوق المائة "، ثم جئت به إلى منزلي ، فكان يصوم النهار ،و يقوم الليل ، و لا ينقطع لحظة واحدة عن عبادة الله ،و تلاوة كتاب الله .
و ذات ليلة دخلت مخدعه ؛فوجدته يُصلي ،و يبكي حتى سجد؛ فكان يُناجي ربه فحفظت مِن مناجاته هذه الكلمات : " إلهي ، أغلقت الملوك أبوابها ، و بابك مفتوح للسائلين ! إلهي ، غارت النجوم ، و نامت العيون ، و أنت الحي القيوم الذى لا تأخذه سنة و لا نوم ! إلهي ، فرشت الفرش و خلا كل حبيب بحبيبه ، و أنت حبيب المُجتهدين ، و أنيس المستوحشين ! إلهي ، إن طردتني عن بابك فإلى باب مَن ألتجئ ، و إن قطعتني عن جنابك فبجناب مَن أحتمي ! إلهي ، إن عذبتني فإني مُستحق للعذاب و النقم ، و إن عفوت عني فأنت أهل الجود و الكرم!، يا سيدي ،لك أخلص العارفون ، و بفضلك نجا الصالحون ، و برحمتك أناب المقصرون ! يا جميل العفو أذقني برد عفوك ، و حلاوة مغفرتك ، إن لم أكن أهلًا لذلك فأنت أهل لذلك ، و أنت أهل التقوى و أهل المغفرة ! " .
فلما أصبحت قلت له : "يا أخي، كيف كان نومك الليلة ؟ "
فقال : "كيف ينام مَن يخاف النار، و العرض على الواحد القهار ؟!"
ثم بكى ، فقلت له :" إذهب فأنت حُر لوجه الله . " فلم يفرح بذلك !!
و قال : "يا سيدي ،كان لي أجران : أجر العبودية، و أجر الخدمة ، فحرمتني مِن أحدهما أعتق الله و جهك مِن حر جهنم؛ فدفعت إليه نفقة ؛فأبى أن يأخذ مِنها شيئًا و قال : "إن مَن تكفل برزقي حي لا يموت ، ثم غاب عني ."
فكُنت كُلما ذكرت كلامه أخذني البُكاء ، فسألت الله أن يحشرني فى زمرة عباده الصالحين المحبين لقربه ، و الساعين ليلهم و نهارهم إلى طلب فضله و رضاه !
وفى النهاية لا يسعنى غير أن أكتب : "اللهم أعنا على طاعتك ،وحسن عبادتك ،وذكرك ،وشكر نعمتك ! "
عدد زيارات الموقع
135,512