الالتزامات التشريعية وإشكاليات الواقع الاجتماعي:
الحق في الجنسية، الحق في تكوين أسرة، الزواج، والمشاركة السياسية وخاصة الحق في الترشح؛ كل تلك الحقوق تواجه ببنية ثقافية رجعية وخاصة في المجتمع المصري والعربي؛ فالحق في الزواج بالنسبة للمعاق الذهني مازال محل خلاف كبير خصوصًا على مستوى التفسيرات الدينية، وهذا الخلاف قائم حتى بين المثقفين، كذلك الحق في الجنسية فكثير من الدول ومنها مصر تضع السلامة الجسدية والعقلية كأحد شروط اكتساب الجنسية في نفى صريح للحق، كذلك المشاركة السياسية بمعناها الكامل أي الحق في الترشح والانتخاب وتقلد المناصب مازال حلمًا بعيد المنال وعلى الدولة المصرية إن كانت تريد الالتزام حقًا بالاتفاقية وحق مواطنيها من الإفراد ذوى الإعاقة في التمتع بما جاءت به فعليها أن تبدأ من الآن في الإعداد لتعديلات جوهرية على المنظومة القانونية القائمة، وقد أكدت الاتفاقية على الأهمية الكبيرة لمشاركة المعاقين في السياسات والبرامج الخاصة بهم تطبيقًا لشعار حركة المعاقين (لاشيء لنا بدوننا) وحتى الآن المعاقون هم أجدر من يعبرون عن واقعهم واحتياجاتهم .
الالتزامات بالحقوق التيسرية:
جوهر الاتفاقية هو إزالة الحواجز التي تمثل الإعاقة، والتي تشكل حائلا بين المعاقين والتمتع بالحياة الطبيعية، والهدف الجوهري هو تمتع المعاقين بحقوقهم بالدرجة التي تساوى فعليا بينهم وبين الجميع في إمكانيات التعامل مع البيئة المحيطة بمعناها الشامل أي الدمج الاجتماعي بالتعبير السائد، ومن هذه الزاوية فالدولة ملتزمة بالعمل على تمتع المعاقين بما يمكن أن نسميه" حقوق تيسريه" وهى حقوق تعد تفصيلاتها من الأهمية بحيث يدور معها الحق وجودا وعدما، لذلك أطلقنا على تلك التفصيلات حقوق بحد ذاتها فالحق في الوصول مثلا والوارد في الاتفاقية بمعاني متعددة مثل الوصول للأماكن، تكنولوجيا الاتصالات، و المرتبط بالحق في التنقل والحق في الاستقلال الذاتي، يواجه حواجز لا حصر لها سواء على المستوى المادي أو الفكري، فبدون توفير الأجهزة المساعدة المناسبة، وآلات التنقل والإرشادات والوسائط والمساعدين بل والطرق والأرصفة، ومراعاة احتياجاتهم في التصميم العام للمباني والسلع والخدمات، تصبح الاتفاقية مجرد نصوص لا قيمة لها واقعيا، فيجب العمل تدريجيا ولكن بتواصل واستمرار على إزالة الحواجز المادية ليتمكن المعاقون من التواصل مع المجتمع بمؤسساته المختلفة والمواطنين باختلافاتهم وتنوعهم بسهولة، كذلك على مستوى الأفكار فالدولة ملتزمة بمناهضة الأشكال النمطية ودفع الإعلام نحو إبراز الصورة الايجابية للمعاقين وكذلك إعداد الدراسات والأبحاث والتدريب ........... الخ
فقد فصلت الاتفاقية الكثير من الحقوق كما تركت الباب مفتوحًا للتقدم العلمي ليتمتع المعاقين بأي ميزة جديدة تظهر مستقبلا، وتعد تفصيلات معظم الحقوق وخاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حقوق تيسريه فالحق في العمل والمرتبط بالحق في التنظيم النقابي، والحق في الوسائل المساعدة حتى يكون ايجابيا وليس شكليا، كذلك الحق في التعليم مرتبط في تفصيلاته بالحق في الدمج والتأهيل وتدريب المدرسين والمعاونين ...الخ , كذلك المساعدة القضائية بمعناها الواسع تساهم في التمتع بالحق في التقاضي، فالدولة تحتاج لإعادة صياغة سياستها وبرامجها في جميع المجالات بحيث تبدءا التيسيرات المبدئية بأسرع وقت ممكن .
الالتزامات الحمائية :
تهدف المواثيق الخاصة إلي إصباغ حماية قانونية خاصة وتفصيلية، لان الواقع الذي أتى بالاتفاقيات الخاصة يؤكد أن هناك فئات اجتماعية اضعف من غيرها، ومن الطبيعي أن تفرض تلك الاتفاقيات التزامات خاصة بالحماية، وقد صارت اتفاقية حقوق الإفراد ذوى الإعاقة على نفس الطريق، ففرضت على الدولة اتخاذ تدبير وإجراءات تهدف إلى إصباغ حماية خاصة بالمعاقين، واهم تلك الالتزامات المستمدة من أكثر من نص في الاتفاقية (الحماية من التمييز ) فبعد أن وضحت الديباجة أن الانتهاك الجسيم لحقوق المعاقين يكمن في التمييز على أساس الإعاقة أكدت في أكثر من نص بداية من المادة 15,14,13,12,6 ....إلى غالبية نصوص الاتفاقية نجد الحماية من التمييز من الالتزامات الجوهرية والتي تحتاج من الدولة توفير آليات حماية خاصة، كما أكدت الاتفاقية على حالات بعينها يجب أن يتمتع فيها المعاقون بحماية خاصة مثل حالات الخطر والنزاع المسلح والكوارث الطبيعية .........الخ، فقد ألزمت الدول بإعداد برامج خاصة بحمايتهم في تلك الظروف مادة 11.
كذلك أفردت المادة 16 أهمية الحماية من الاستغلال والعنف والاعتداء، ولجسامة تلك الانتهاكات وانتشارها على نطاق واسع ألزمت بإنشاء سلطة مستقلة لرصد جميع المرافق والبرامج المعدة لخدمة المعاقين للحيلولة دون حدوث جميع أشكال الاستغلال والعنف والاعتداء فقرة(3).
كذلك تعد من الحقوق الحمائية الحق في الخصوصية والحق في التقاضي فيجب أصباغ حماية خاصة للمعاقين لإتاحة تمتعهم بتلك الحقوق وحمايتهم من انتهاك خصوصيتهم وكذلك حقهم في الحماية القضائية .
واجبات المجتمع المدني:
بالطبع لا تلقى الاتفاقية كغيرها من المواثيق الدولية بالتزامات قانونية على عاتق المجتمع المدني، ولكن في الحقيقة هناك واجبات على المجتمع المدني كشريك في المجتمع، فالمجتمع ليس حكومة وشعب فقط بل تتشكل المجتمعات الحديثة اجتماعيا من خلال المنظمات المدنية بمعناها الواسع كذلك هناك واجبات طرحتها الاتفاقية على منظمات حقوق الإنسان بشكل خاص بوصفها صاحبة الخبرات الحقيقية في مجال حقوق الإنسان .
وبرغم عدم النص صراحة في النصوص الواردة بالوثيقة على واجبات المجتمع المدني إلا أن تلك الواجبات تتجلى بوضوح في مضمون العديد من النصوص سواء على المستوى العام للمجتمع المدني بما يشمله من أحزاب ونقابات ...أو بالمعنى الخاص بمنظمات حقوق الإنسان، فإذا كان احد أهداف الاتفاقية هو الدمج الاجتماعي من منطلق قبول الأخر والاعتراف بالإعاقة كجزء من التنوع البشرى فإعداد المجتمع لهذا التقبل من المستحيل أن يتم بإجراءات حكومية، بل أن الفاعل الرئيسي هنا هو المجتمع المدني الأكثر اقترابا من الجماهير باختلافاتها وتنوعها، كذلك فخبرات منظمات حقوق الإنسان المتراكمة عبر اشتباكها مع الواقع وتطوراتها وتمرسها على آليات الرصد والتوثيق وتعميق المفاهيم الحقوقية تعد من أساسيات تفعيل تلك الاتفاقية، فبداية من الديباجة التي تبدأ بالرؤية الاجتماعية الحديثة للأفراد ذوى الإعاقة والتي ترى الإعاقة في الحواجز البيئية، ومرورا برصد وتوثيق الانتهاكات ووصولا إلى توفير المعلومات ونشر الوعي بثقافة المعاقين وحقوقهم في الاعتراف بالغة الإشارة وطريقة برايل ووسائل الاتصال الحديثة، كل تلك الحقوق تلقى بواجبات على منظمات حقوق الإنسان التي تملك من الخبرات ما يعد حجر أساس لتعميق النظرة الحديثة ونشر الوعي بحقوق المعاقين، ودراسة تفصيلات الحقوق المختلفة وتأصيلها كالحق في المشاركة السياسية والحق في الوصول ...........الخ كما أن لدى تلك المنظمات بدرجة كبيرة بنية وخبرات بحثيه تمكنها من لعب أدوار هامة لتأصيل الكثير من الحقوق وتوفير المعلومات والإحصاءات، هذا بالطبع إلى جانب الدور المحوري في الدفاع عن المعاقين ومواجهة أي انتهاك لحقوقهم، كذلك المطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فمبدأ وحدة الحقوق وتكاملها والذي يقر بداية بتساوي البشر في الحقوق دون أدنى تمييز من أي نوع، ظل طويلا غير كاف لحماية المعاقين، والحقيقة أن المعاقين عانوا عبر التاريخ من التهميش والعزل بل وفقد الحق في الحياة في أحيان كثيرة بالقتل، والاتفاقية سلطت الضوء على مساحات مهجورة من الحقوق ووضعت حقوق المعاقين في مقدمة القضايا الحقوقية التي تحتاج من منظمات حقوق الإنسان أن تدرجها في أولويات برامجها وأنشطتها بتعاون وتنسيق يوحد الجهود من جهة ويحافظ على خصوصية الآخر من جهة أخرى، وحتى يستطيع المعاقون في مصر ودول العالم الثالث أن يقودوا العمل بأنفسهم فمازال أمام منظمات حقوق الإنسان الكثير والكثير من العمل.
الكاتب: غريب سليمان - المحامي
ساحة النقاش