تدخل الفتاة الشابة بيت الزوجية صغيرةً يافعة، لم تعرك الحياة، ولم تسبر أغوارها، ولا تعرف عنها إلا وجهها المشرق، ككلّ فتاةٍ في مقتبل العُمر، وما إن يمضي وقتٌ قصير حتى تندمج في حياتها الجديدة وتتأقلم مع أسرة زوجها، وتواجه الحياة بوجهها الحقيقيّ فتتعلّم الكثير من خلال تجاربها الخاصة، ومما يدور حولها من أحداث وأمور، وتصبح بذلك أكثر دراية ونضجاً، وتتحوّل بمرور الزمن إلى امرأة بالغة بكلّ مواصفات المرأة الأنثى ومزاياها.
وهي كزوجة شابة لا بدّ أن تنشغل في بداية الأمر بشكلها ومظهرها لتبدو جميلةً أمام زوجها وأهل زوجها، فترتدي مما لديها من ثياب جديدة جلبتها معها وطرزتها وأكثرت من ألوانها وأعدّتها لترتديها في هذه الفترة والتي يجوز لها كعروس شابة أن تلبس فيها ما يحلو لها من ثياب.
وبما أننا تحدثنا كثيراً عن أدوات التجميل وأنواع الزينة والحليّ فنكتفي هنا بذكر الكُحل وأدواته وكيفية صناعته وذلك لاعتقادنا بأن الكثير من أبنائنا وبناتنا في هذا الجيل لا يعرفون عن صناعته شيئاً.
الكُحْل: هناك نوعان من الكحل، نوع جاهزٌ يُشترى من العطّارين وهو يصنع من حجر أسود برّاق يسمى الإثمد، ونوع محليّ يصنع في المنزل وهو الأكثر انتشاراً لسهولة صنعه وتحضيره.
وعندما تشتري المرأة ذلك الحجر الأسود تدقّه دقاً ناعماً في جُرنٍ معدني أو نحاسيّ، ثم تضعه على شال ناعم وتنخله فيخرج من فتحات الشال الصغيرة مسحوق ناعم جداً، ثم تعيد الكرَّةَ عدة مرات حتى تملأ مكحلتها منه لتستعمله عند الحاجة، وهذا النوع أفضل من النوع الذي يصنع من سخام زيت الزيتون.
كيفية صناعة الكحل:
تأخذ المرأة علبة صغيرة وتضع فيها شيئاً من زيت الزيتون الصافي، ثم تأخذ شريحة صغيرة من قماش قطني وتلفّها وتجعل منها فتيلاً تضع أسفله في الإناء الذي يحتوي على الزيت وتخرج أعلاه لتشعل فيه النار بعد أن يصل الزيت إليه، فيخرج منه لهب صغير خافت ويتصاعد منه دخان أسود شديد السواد، ثم تأخذ مقلى أو "قلاَّية القهوة"، وتمسحه وتنظفه وتمسكه بيدها من مقبضه وتقلبه فوق الفتيل حيث يكون مرتفعاً عنه عدة سنتيمترات، فيتطاير الدخان ليلتصق بجوف المقلى ويتجمّع عليه، وبعد عدة دقائق تقلب المرأة المقلى وتأخذ قطعة صغيرة من القماش كانت قد لفّتها لتستعملها كفرشاة لتلمَّ بها ذلك السُّخام الأسود، وتجمعه على طرف المقلى ثم تنقله إلى مكحلتها أو إلى زجاجة صغيرة تكون قد أعدتها لذلك، ثم تقوم بتكرار العملية عدة مرات حتى تحصل على كفايتها منه، وأحياناً تضع المرأة الإناء الذي فيه الزيت تحت منصب حديدي صغير وتقلب المقلى عليه فيريحها ذلك من مسك المقلى بيدها لفترة طويلة.
المكحلة: هي وعاء معدنيّ صغير يوضع فيه الكحل بعد صناعته في المنزل، وله في غطائه رأس يشبه القلم يُغَطّ في الكحل وتكحل المرأة به شفار عينيها.
الخروج إلى بيت أهل العريس:
بعد ثلاثة أيام تخرج العروس ومعها زوجها إلى بيت أهل العريس، وهو عادة لا يبعد عن " بِرْزَتِهم " إلا أمتار قليلة، ويكون شعور العريس الشابّ في تلك اللحظة كمن جاء بشيء ثمين ليعرضه على أهله، وكأنه يريد أن يقول لوالديه حقاً لقد كان اختياركم مناسباً، وربما يرى كلّ عريس في عروسه آيات من الجمال لا يراها غيره ولذلك ينتابه شعور بالفخر وهو يسير بجانبها إلى بيت أهله.
تكون الفرحة في البيت كبيرة لاستقبال الضيفة الجديدة، وتكون فرحة الصغار من إخوان العريس أكبر، وهم يرون فرداً جديداً يضاف إلى أُسرتهم، وكثيراً ما يمسكون العروس من يدها، ويتحسّسون بأيديهم الصغيرة ثوبها الناعم ويشمّون فيها رائحة العطر والقرنفل، فتفرح العروس بهم وتلاطفهم وتمسح على رؤوسهم، وتتعرف على أفراد العائلة وعلى عمّها وعمّتها وتصبح فرداً حقيقياً من أفراد الأسرة، وكثيراً ما يذبح والد العريس خروفاً في هذا اليوم كنوعٍ من الاحترام لهذه الوافدة الجديدة، أما إذا لم تكن لديه مواشي فإن والدة العريس تتكفّل بالغداء فتذبح بعضاً من ديوكها وتساعدها العروس في إعداد الطعام وطبخه.
تتكرر الزيارات بعد ذلك وتصبح العروس تذهب لبيت الأهل لإحضار ما تحتاجه مع زوجها من طعام وشراب وغيره، ثم تشارك بعد ذلك في أعمال البيت المختلفة، وكثيراً ما تظهر براعتها في إعداد الطعام وفي سرعة العجن والطهي، وربما تضيف ألواناً جديدة من الطعام لم تكن مألوفة لدى العائلة، وتترك بصماتها على كثير من الأشياء
فيصبح لها دورها الرئيسي ويحبها الجميع على لطفها وبشاشتها وطيب أصلها ورجاحة عقلها.
الاندماج في العائلة:
تحرص العروس أن تكون جزءً من العائلة وذلك بنشاطها وعملها ومشاركتها في كلّ صغيرة وكبيرة من أعمال البيت ومن شؤون المنزل، فتقوم بمهمة إعداد الطعام كما ذكرنا، وتقوم بغسل الملابس، وشطف الأواني، وتنظيف البيت وترتيب الأشياء التي فيه، وتظل كذلك حتى تصبح موضع ثقة الزوج وأهله، وإذا هداها الله وكانت تحنّ على والديّ زوجها وتأتيهم بالطعام والشراب وتبشّ في وجوههم وتناولهم ما يريدونه فإنها تكسب دعاءهم الصادق لها أن يعوض الله عليها بالنسل الصالح، أما إذا انتهجت طريقاً أخرى فإنها تعامل بمثل صنيعها.
ولا تقتصر مشاركة المرأة على هذه الأشياء وحسب بل هي تقوم بجلب الماء من البئر، وتجمع الحطب وتلم القش لإشعال النار من أجل الطهي وإعداد الطعام. كذلك فهي تشارك في حلب المواشي وخض اللبن وإخراج الزبدة وعمل السمن، إضافة إلى مشاركتها في غزل الصوف ونسجه وكثير من الأعمال الأخرى التي يصعب حصرها.
زيارة الأهل:
بعد أسبوع من الزواج يذهب العريس مع عروسه لزيارة أهلها وكثيراً ما يصطحب والده معه، ويأخذ معه الكثير من الهدايا من فواكه وحلويات وما شابه، وينتظر أهل العروس قدوم ابنتهم بفارغ الصبر، ويكون الاستقبال حاراً والحفاوة كبيرة بابنتهم وزوجها خاصة بعد أن أصبحوا عائلة واحدة بالمصاهرة والنسب، وعادة ما يذبح والد العروس خروفاً في هذه المناسبة احتفاءً بالعريس ووالده، وللطعام قيمته المعنوية التي تدلّ على احترام الضيف والقيام بواجب الضيافة أكثر من القيمة الغذائية والتي لا يُنظر لها في مثل هذه المناسبة.
وبعد الغداء هناك من يترك العروس عند أهلها حتى ساعات المساء لإفساح المجال أمامها للتحدث مع أهلها عن زواجها وعن عائلتها الجديدة التي كثيراً ما تثني عليها وتمدح لطفهم ومعاملتهم لها، ثم تعود إلى بيتها، وتتكرر الزيارات بعد ذلك وتكون قريبة في بداية الأمر ثم تبعد شيئاً فشيئاً لتكون الفترة أطول بين كل زيارة وأخرى تتخللها زيارات من أهل العروس بين الحين والآخر.
يجوز بعد الزواج ما لا يجوز قبله:
بعد أن تتزوج المرأة تُفتح أمامها أبواب مختلفة لم يكن يسمح لها باجتيازها من قبل فعلى سبيل المثال:
يجوز لها الآن أن تلبس ثياباً كثيفة التطريز مطرزة باللون الأحمر والألوان الجذابة الأخرى، وكذلك يجوز لها التمنطق بالحزام التلحميّ الأحمر واستعمال الروائح العطرية ومساحيق التجميل، وكانت هذه الأشياء محظورة عليها قبل الزواج.
يجوز لها الآن الخروج مع عمتها (حماتها) للمشاركة في المناسبات المختلفة كزيارة إمرأة نفساء، أو عيادة مريضة أو المشاركة في الأعراس والمآتم.
ولكن لا يجوز لها الزيارات لمجرد الحديث وقتل الفراغ إلا في الضرورة القصوى، وتُعدّ المرأة التي تقوم بذلك إمرأة لا يُمسكها بيتُها، والأجدر بها أن تلزم بيتها وتتفرغ لشؤونها المنزلية ورعاية زوجها وأسرتها.
وهناك مثل يصوّر المرأة التي لا يمسكها بيتها يقول: "قَوَّك يا بيتي وأنا متعَدِّي، لاني متعشّي فيك ولا متغَدِّي"، قوّك: كلمة تحية تعني مرحبا، متعدي، أي يتعدّى الشيء ويجتازه.
شخصية الرجل بعد الزواج:
تتبلور شخصية الرجل عادة بعد الزواج فمنهم من تبرز شخصيته ويرسخ عقله ويهدأ فكره، ويصبح أكثر هدوءً وعقلانية، والذي يستطيع أن يفرض شخصيته ويكون هو صاحب الكلمة يرتاح في حياته الزوجية، أما من يفلت منه زمام الأمور منذ البداية فيكون في وضع لا يحسد عليه.
أما بعض الأزواج فتنطمس شخصيته ويتأثر بأخلاقيات زوجته وتوجيهاتها، ولا يهبّ لما يتفاخر به الرجال من الشهامة والكرم وفعل الخير، ولا يشارك في المناسبات الاجتماعية المختلفة فيسقط في نظر الناس وتقل قيمته بينهم، والمرأة كما يقول المثل كالفرس تتبع الفارس فمن أحكم قيادها وسياستها يستطيع توجيهها إلى الجهة التي يريد، أما الذي لا يستطيع تطبيعها فغالباً ما تجمح به وتتوه به في مسالك الردى والمهالك.
وبعض النساء تكون عوناً لزوجها في سرائه وضرائه، ترضى بما يرضى به وتقنع بما يقنع به، وبعضهن تنقلب عليه إذا ما عضه الزمن بنابه أو إذا أغلقت في وجهه سبل العمل والرزق لبعض الوقت، فلا تريه إلا وجهاً مكشراً ولا تسمعه إلا ما يسوءه من الكلام، وبعض النساء تكون عوناً لزوجها على تقلبات الدهر، وبعضهن تكون مع تقلبات الدهر على زوجها.
وقد حدثني أحد الأصدقاء بأنّ رجلاً كانت امرأته تتحكم فيه وتفرض رأيها عليه في أكثر الأوقات، فشكا لأحد أصدقائه المجربين وقال له ماذا فعلت أنت حتى استطعت أن تتحكم في امرأتك بهذا الشكل، فقال له الأمر بسيط، في ليلة الدخلة دخلت مكشراً ورأيت قطة فضربتها ضربة قوية، وعندما رأت زوجتي ذلك أخذت ترتجف من الخوف، ومن تلك اللحظة وامرأتي تخشاني، ولا تحاول أن تعمل ما يغضبني أو يثير أعصابي، أعجبت القصة صاحبنا، وعاد إلى البيت وقد استشاط غضباً وضرب قطة فقتلها، ضحكت الزوجة من غباوة زوجها وقالت له: هذه فاتتك من ليلة الدخلة.
صراع الأجيال:
لا تكون حياة الناس جميعهم سمناً على عسل فهناك من يتفق وهناك من يختلف، وكثيراً ما تظهر خلافات بين الحماة وكنتها تفرضها فوارق العمر، فبينما نرى المرأة الشابة تنهمك في عمل ما وتحاول أن تقوم به على أكمل وجه نرى امتعاضاً على وجه الحماة التي لا يروقها هذا العمل لسبب أو لآخر، وربما يكون العكس حيث تعاكس الكنة حماتها وتعرف ما يضايقها فتتعمد الإساءة إليها لأنها عجوز خرفانة حسب وجهة نظرها، وربما تهب مشادات كلامية يضطر الزوج للتدخل فيها وإنهاء الخلاف مبيناً أن ما يغضب والدته يغضبه أيضاً، وإذا كانت المرأة على قدر من الذكاء فهي تُساير الوضع حتى لو لم يعجبها بشكل أو بآخر من أجل خاطر زوجها والمثل يقول:" علشان خاطر عين تكرم مرج عيون "، وكذلك " على شان خاطر الورد بيشرب العُلَّيق.
ساحة النقاش