بسم الله الرحمن الرحيم
بعض قرائتنا للعادات وتقاليد البدو في سيناء الان نتعرف علي تاثرهم بالعولمة والتطور الحديث .
والان نتعرف اولا علي العرف البدوي:
المقصود بالعرف القبلي، هو مجموعة التقاليد والنظم والأحكام التي تحكم مجتمعاً قبلياً، وأخذت بحكم العادة ومضي الزمن إطاراً إلزامياً لأفراد هذا المجتمع، وصارت بذلك قانوناً اجتماعياً يحكم علاقة القبائل والعشائر والعائلات بعضها بعض، وذلك بهدف إقامة العدل وإقرار السلام الاجتماعي بين جماعتين أو أكثر من القبائل التي لا تزال تعيش طور البداوة وليس لديها حكومة مركزية تقوم بهذه المهمة.
ويقول ابن خلدون في هذا الإطار، " إن العرب أشد بداوة من غيرهم من الأمم البدوية لقيام بداوتهم على رعى الإبل فقط ، كما أنهم أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض، لغلظتهم تجتمع أهواؤهم ، لهذا فلا غرابة أن نرى من بين وسائل تحقيق العدالة بين بدو سيناء وسائل غاية في البدائية ، بعضها مرتبط بالبيئة والبعض الآخر مرتبط ببعض العادات العربية . وهذا يدفعنا لمحاولة معرفة الجذور التي استمد منها العرف القبلي بين بدو سيناء أصوله ونصوصه .
هناك رافدان أساسيان استقى منهما العرف القبلي لبدو سيناء مواده وأحكامه. وكان أهم هذين الرافدين هو " العرف أو القانون العربي القديم "، وهو من أقدم القوانين في العالم، لكنه صيغ أساساً ليتلاءم مع طبيعة الشعوب العربية البدوية، والتي تشكل فيها القبيلة أو العشيرة أو العائلة الوحدة الأساسية لبناء المجتمع ، ولهذا استندت المسئولية القانونية وفق هذا النظام العربي القديم أولاً على القبيلة ثم على العشيرة وأخيراً على العائلة ، لكنها لم تستند على مسئولية الفرد القانونية . والمبرر لذلك واضح تماماً ، نظراً لبعد المسافات، واتساع المساحات التي تعيش فيها القبائل في شبه الجزيرة العربية، وتنقلها الدائم بحثاً عن المرعى، كل ذلك يجعل من المستحيل اعتقال مرتكب الجريمة أو التعامل معه . فمثلاً لو تعدى فرد من قبيلة ما على فرد من قبيلة أخرى ، فإن التعامل في هذه الحالة يتم مع قبيلة المعتدى وليس مع الفرد الذي قام بالاعتداء .
أما الشهادة فيكفى في عرف قبائل سيناء شاهد واحد لإثبات الدعوى،لكن شريطه نزاهته وحسن سلوكه الأخلاقي .ومع ذلك تقبل شهادة اللص على اللص، وشهادة المرأة والصبي كشهادة الرجل البالغ .وللشاهد أجرة يمنحها إياه الطالب قبل أداء الشهادة وتعرف هذه الأجرة " بالآكال "(جمع ُأكل وتعنى الثمرة)، وهى في قضايا الإبل تصل إلى خمسة " بينتو، وإذا أدت شهادة الشاهد إلى اتهام لص نال عن أربعة جنيهات عن كل جمل أثبتت شهادته أن اللص سرقه . أما إذا كان عدد الجمال كثيراً فيتفق على مقدار الدفع مقدماً، وحجة البدو في ذلك هو أن الشاهد الذي ينال أجرة عن شهادته يكون أكثر دقة في تأدية شهادته ممن لا ينال أجراً عليها ، لأنه يعلم بأن كل كلمة يقولها تمحص جيداً قبل قبولها.
ولاشك أن هذا النظام في تأدية الشهادة به خلل كبير،حيث يفسح المجال للتأثير على الشهود من خلال الإغراء بالمال ، مما يؤثر على سير العدالة . كما أن طريقة استجواب الشاهد نادراً ما يتم فيها تفنيد أقواله عن طريق أساليب الاستجواب التي تعتمد على ذكاء القاضي ووكيل الخصم .
وكان على الشاهد أن يحلف يمين الشهادة قبل تأدية شهادته وأنواع الحلف المقبول عند بدو سيناء أربعة أنواع :
الأول :
ويسمى (الخطة والدين ) والخطة هي دائرة ترسم على الأرض برأس السيف ، ويجلس الشاهد في وسطها، ويحلف بستة كلمات أولها وأخرها، ثم ينطق بالشهادة وهذا الحلف خاص بالقضايا الهامة وقضايا الإبل.
أما النوع الثاني :
من الحلف فهو " الحلف بالرأس" وهو أن يضع المدعى يده على رأس المدعى عليه، ويذكر اسم الله ثلاثاً قبل تأدية الشهادة .
أما النوع الثالث:
فهو " الحلف بالحزام "، وهو أن يضع المدعى بيده في حزام (وسط) المدعى عليه، ويحلف بالله ثلاثاً أن يقول الحق قبل أن يؤدى شهادته .
أما النوع الرابع :
فهو " الحلف بالعود"، ويتم هذا الحلف عند القصاص ، فيأخذ الشاهد غصن شجرة (عود) بيده ويقول "وحياة هذا العود والرب المعبود ومن أخضره وأيبسه رأيت كذا .
وهناك نوعاً آخر من الحلف
وهو الحلف بـ" الطلاق ثلاثاً " وهذا الحلف على حد تعبيره يحترمه البدو كثيراً ، ولا يتم اللجوء إليه كثيراً ، حيث يقول الشاهد ثلاث مرات " امرأتي طالق " ثم يؤدى الشهادة ، فإذا أعطى شهادة زور وقع الطلاق .
ومع أن بدو سيناء يقبلون يمين الشاهد وشهادته،لكنهم مع ذلك لا يقبلون يمين المتهم في حالة الجرائم المذكورة والتي لا شهود لها .وهم في ذلك لا يسيرون على القاعدة الفقهية " اليمين على من أنكر، والبينة علي من ادعي" ، ويفضلون على أداء اليمين طقساً بدائياً قديماً يعرف عندهم " بالبشعة "، وربما يرجع السبب في ذلك ، إلى أن هناك من البدو ممن يمكن أن يؤدى شهادة زور حتى رغم أدائه لليمين وحلفه بالله. أما القضايا أو الجرائم الإنكار التي لا شهود لها ، فلا يلجأ بدو سيناء إلى" اليمين" كما قلنا ، بل يلجأون إلى قاضي البشعة أو المبشع ، الذي يقوم باختبار المتهم إما بالنار أو بالماء أو بالرؤيا والحلم.
أما الاختبار بالنار فيتم عن طريق إحماء البشع لإناء نحاسي كـ "طاسة البن"، وأحياناً ملعقة الطعام على جمرات الفحم ، وبعد أن تصل إلى درجة الإحماء يريها المبشع لشاهدين ثم يمسحها بيديه ثلاثاً، ثم يتناول المتهم الطاسة أو الملعقة المحماة ، ويلعقها بلسانه ثلاثاً، ثم يغسل لسانه بالماء ويريه للشاهدين فإذا كان هناك أثر للنار على لسانه ، حكم المبشع بالدعوى لخصمه، و إلا حكم له.
ساحة النقاش